(وسائط متعددة) تغطية حية: الأمن والاقتصاد... هاجس السوريين بعد 100 يوم من الواقع الجديد في البلاد
دمشق 17 مارس 2025 (شينخوا) "ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل"، بهذه العبارة لخصت الشابة العشرينية سارة حديفي الوضع في سوريا بعد مائة يوم من تواجد سلطة جديدة في البلاد عقب سيطرة فصائل مسلحة على العاصمة دمشق في الثامن من ديسمبر الماضي وإعلانها إنهاء حكم الرئيس السابق بشار الأسد.
وقالت سارة، وهي تنظر إلى جبل قاسيون المطل على دمشق، إن "المرء يعيش على الأمل، ونحن كسوريين نأمل أن يكون القادم أفضل".
وسارة ككثير من السوريين المنشغلين بمستقبل بلدهم الذي يتلمس طريقه بصعوبة نحو الاستقرار وسط تطورات دراماتيكية متسارعة كانت واحدة من أخطر مراحلها أحداث العنف التي شهدتها منطقة الساحل غربي البلاد خلال الأيام الماضية.
وشكلت أحداث الساحل أكبر اختبار أمني للسلطات الجديدة التي يتزعمها أحمد الشرع، وبات معها ضبط الأمن وكذلك تحسين الأوضاع المعيشية أبرز التحدّيات الداخلية التي تواجهها هذه السلطات.
ويرتبط الملفان ارتباطا وثيقا بالقدرة على إعادة تشغيل مؤسّسات الدولة، وتقديم خريطة طريق واضحة للمرحلة الانتقالية التي ينتظرها السوريون.
في الصورة الملتقطة يوم 9 مارس 2025، أفراد قوات الأمن السورية في مهمة حراسة في شارع في مدينة جبلة الساحلية بمحافظة اللاذقية شمال غربي سوريا.(شينخوا)
-- "بالسلاح وليس بسلطة القانون"
وبالرغم من محاولات السلطات السورية الجديدة العمل على تحسين الأوضاع الأمنية والمعيشية إلا أن عددا من المواطنين السوريين عبروا عن مخاوفهم من جراء تردي الأوضاع الأمنية نتيجة غياب مؤسسات وعناصر الأمن والشرطة.
ورأى عاطف حسين (57 عاما)، وهو موظف متقاعد، أن حل الجيش السوري السابق والشرطة كان إجراء خاطئا، لأنهما المسؤولان عن فرض الأمن والاستقرار في البلاد.
وقال حسين لوكالة أنباء ((شينخوا)) إن "الخطأ الكبير الذي اقترفته الإدارة السورية الجديدة، كان بحل أجهزة الجيش والشرطة والقضاء"، مبينا أن الناس أصبحوا يعملون على تحصيل حقوقهم بالقوة الفردية، وأحيانا بالسلاح، وليس بسلطة القانون.
وشكل انتشار السلاح لدى غالبية السوريين بعد سقوط النظام تحديا كبيرا، للسلطات السورية الجديدة، التي تعمل على ضبطه وحصره بيدها، إلا أن هذا الأمر ما يزال منفلتا، وهو ما انعكس سلبا على الواقع الأمني في البلاد.
وقال حاتم عبد الهادي (43 عاما)، وهو من محافظة السويداء جنوبي سوريا، إن "انتشار السلاح بيد المواطنين السوريين كان له مفاعيل سلبية، تركت آثارا سلبية على الواقع الأمني".
وأضاف عبد الهادي، والذي يقيم في العاصمة دمشق، أن السلطات السورية الجديدة تقع على كاهلها المسؤولية الكبرى بسحب هذا السلاح العشوائي من المواطنين، مشيرا إلى أن "أحداث الساحل أكبر دليل على هذا السلاح العشوائي".
وأشار إلى أن الناس يخشون اليوم المشي في الشوارع نتيجة انتشار مجموعات محلية في بعض المناطق تحمل السلاح، إضافة لغياب الشرطة وأجهزة الأمن.
وخلال الأيام الماضية، شهدت منطقة الساحل السوري أحداثا متلاحقة خلال الأيام الماضية على وقع اشتباكات بين قوات الأمن ومجموعات تصفها الإدارة الجديدة في البلاد بـ"فلول النظام السابق".
وسقط أكثر من ألف قتيل جراء الاشتباكات، بحسب تقديرات المرصد السوري لحقوق الإنسان.
ومنذ إسقاط حكم بشار الأسد، ينفذ الأمن العام السوري حملات أمنية ضد من يصفهم بـ"فلول النظام السابق" في عدة محافظات سورية.
وتعهد الشرع في أكثر من مناسبة بحصر السلاح بيد الدولة وأن الدولة لن تتهاون في ذلك فيما فتحت السلطات السورية مراكز لتسوية أوضاع عناصر النظام السابق من الجيش والشرطة.
وفي يناير الماضي، قال مسؤول الداخلية في سوريا علي كدة في فبراير الماضي إن وزارته تعمل على إعادة هيكلة الأجهزة الأمنية في البلاد، مشددا على أن "المرحلة القادمة ستشهد بناء مؤسسة أمنية وطنية تلتزم بالمعايير الدولية في احترام حقوق الإنسان وسيادة القانون".
-- "وضع اقتصادي صعب"
وإلى جانب الوضع الأمني، يعد الاقتصاد أيضا تحديا آخر أمام السلطات السورية الجديدة.
وعلى الرغم من توفر السلع الغذائية وانخفاض سعرها لأكثر من النصف تقريبا بحسب تصريحات رسمية سورية، إلا أن القدرة الشرائية لدى شريحة كبيرة من المواطنين السوريين لا تزال ضعيفة أو شبه معدومة، بسبب عدم تسلم رواتبهم من قبل السلطات التنفيذية الحالية لأكثر من ثلاثة أشهر.
وقال عاطف حسين إن "تأخير الراتب كان إجراء غير صحيح لأنه بالأساس لا يشكل شيئا مهما ..لكنه كان يسد الرمق كما شكل تسريح العمل من وظائفهم خطوة باتجاه مفاقمة الوضع المعيشي".
ولفت حسين إلى إغراق السوق بكافة السلع الغذائية وغيرها، ولكن الأمر ترافق مع انعدام القدرة الشرائية عند شريحة كبيرة من المجتمع الذي ساده الفقر الشديد.
وأشار إلى أن السلطة المالية في البلاد وعدت أكثر من مرة بزيادة الرواتب لكنها لم تف بوعودها حتى الآن.
بدوره، وصف آصف إبراهيم (53 عاما)، وهو موظف حكومي تم فصله من عمله من قبل الإدارة السورية الجديدة، الوضع الاقتصادي بأنه صعب للغاية لدى غالبية السوريين، مشيرا إلى أن شريحة الموظفين هي التي كانت تحرك الأسواق.
وقال إبراهيم "هناك شلل شبه تام في الحركة الاقتصادية، بسبب تردي الأوضاع الأمنية في البلاد"، مؤكدا أن عدم قدرة السلطات السورية الحالية على تسليم الموظفين رواتبهم، سيزيد من نسبة البطالة والفقر في المجتمع السوري.
وجسد إبراهيم حالة السوريين بمثل شعبي "الجمل بليرة وما في ليرة"، دلالة على عجز السوريين لشراء أي شيء رغم انخفاض سعر السلع.
وفي مطلع شهر يناير الماضي قال مسؤول السلطة المالية السوري محمد أبازيد إن الحكومة ستزيد رواتب العديد من موظفي القطاع العام 400% في فبراير بعد استكمال إعادة الهيكلة الإدارية للوزارات لتعزيز الكفاءة والمساءلة.
من جهتها، عبرت سلمى أبو حمرا، طالبة جامعية عن استيائها من واقع قطاع الكهرباء، والواقع الخدمي في البلاد، مشيرة إلى أن الوعود التي أطلقتها الإدارة لم تكن حقيقية، بل كانت "سرابا".
وعانت سوريا من أزمة اقتصادية في السنوات الماضية ناجمة عن الصراع والعقوبات الغربية الصارمة فضلا عن شح العملة لأسباب من بينها الانهيار المالي وخسارة حقول النفط في شمال شرق البلاد.
ودفع انخفاض قيمة الليرة السورية الحاد معظم السوريين إلى ما دون خط الفقر في ظل ضعف أجور القطاع العام وانهيار عدد من الصناعات.
وفي 15 مارس الجاري أعلن الشرع عن إعطاء منحة مالية بصرف راتب شهر واحد لجميع العاملين في الدولة من مدنيين وعسكريين، بالإضافة إلى المتقاعدين، وذلك لمرة واحدة.
وقالت وسائل إعلام سورية إن القرار يأتي في إطار التخفيف من الأعباء المعيشية، ودعماً للقوى العاملة والمتقاعدين بما يعكس حرص الدولة على تحسين الظروف الاقتصادية للمواطنين وتعزيز القدرة الشرائية لهم.
كما عملت السلطات السورية الحالية خلال الفترة الماضية على توفير مادتي المازوت والبنزين، وبأسعار معقولة، فضلا عن رفع الرسوم الجمركية عن البضائع والسلع، الأمر الذي يسهم بتوفرها وبأسعار مقبولة.
-- آمال ومخاوف
وتأمل الشابة سارة حديفي أن تتخذ السلطات السورية الحالية خطوات سريعة لإنقاذ الوضع الاقتصادي والأمني في البلاد.
وتخشى سارة أن تتجه البلاد نحو الهاوية إن لم تكن هناك إجراءات حقيقية لصالح السوريين.
وتشاركت الشابة آية العبد الله مع سارة الرأي، قائلة إن "السوريين يتطلعون لتحسين أوضاعهم المعيشية، وليعودا إلى قبل عام 2011 ويعيشوا عيشة كريمة".
ودعت آية الإدارة السورية الجديدة إلى بناء دولة عصرية تشاركية بعيدة عن اللون الواحد.■








