رأي ضيف: فهم رؤية الصين للتحديث وبناء مجتمع ذي مستقبل مشترك للبشرية
بقلم: عصام شرف
تمثل رؤية الصين للتحديث وبناء مجتمع ذي مستقبل مشترك للبشرية نموذجاً فريداً لتحقيق التنمية الداخلية وتعزيز التعاون العالمي في آن واحد.
وتسعى الصين إلى تحقيق الرخاء الداخلي من خلال التحديث الصيني النمط، الذي يشمل إصلاحا شاملا وعميقا، وتنمية عالية الجودة، وانفتاحا بأعلى المعايير. وعلى الجانب الآخر، تسعى الصين إلى تحقيق الرخاء العالمي، وذلك من خلال مفهوم إنساني عميق، وهو بناء مجتمع المستقبل المشترك للبشرية.
من خلال عملية التحديث الصيني النمط، تسعى الصين إلى تحقيق التناغم بين الحضارة المادية والحضارة الروحية.
ومن وجهة نظري، يشمل التحديث الصيني النمط الجوانب الأربعة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية جنبا إلى جنب.
التنمية عالية الجودة، وهي أحد محاور عملية التحديث الصيني النمط، تعني تحقيق نمو اقتصادي شامل ومستدام يعتمد على الابتكار والتقنيات الخضراء وأعلى قيمة مضافة.
وقد أطلقت الصين أربع مبادرات عالمية ضمن آليات بناء مجتمع المستقبل المشترك للبشرية، وهي: مبادرة الحزام والطريق، ومبادرة التنمية العالمية، ومبادرة الأمن العالمي، ومبادرة الحضارة العالمية.
نحن نرغب في الرخاء، ولا يمكن أن يكون هناك رخاء بدون تنمية، ولا تنمية بدون سلام، ولا سلام بدون ثقة وتفاهم، ولا تفاهم بدون منصة للتعاون، هذه هي الفلسفة التي تقوم عليها المبادرات الأربع الصينية.
تمثل مبادرة الحزام والطريق منصة للتعاون الدولي، وهي تقوم على مبدأين أساسيين: التواصل والشراكة.
ويشمل مبدأ التواصل الصلب في مجالات البنية التحتية مثل الطرق والكهرباء والنقل وغيرها، والتواصل الناعم عبر التبادل الثقافي وحوار الحضارات.
ويقوم مبدأ الشراكة على التخطيط المشترك، والتنفيذ المشترك، والعائد المشترك، دون إملاءات سياسية.
الصين دولة قوية ومتحضرة ومُحبّة للسلام، تسعى إلى تحقيق التنمية الداخلية، وفي الوقت نفسه تعزيز التعاون مع دول العالم لتحقيق التنمية العالمية وبناء مجتمع مستقبل مشترك للبشرية.
وتحقق الصين توازنا بين قدرتها المتزايدة داخليا، حيث تزداد قوة وازدهارا، وتعاونها المتزايد مع العالم، وهذا التوازن هو ما يُمثل شخصية دولة الصين.
إن بناء مجتمع مستقبل مشترك للبشرية لا يعني فرض نموذج ثقافي أو حضاري واحد على العالم، بل يتطلب احترام تنوع الحضارات والثقافات.
العالم يضم العديد من الأعراق واللغات والتقاليد، والتفاهم والحوار بين الحضارات يشكلان أساسا لتحقيق التناغم بين الثقافات المختلفة.
التحديات الكبرى التي تواجه العالم، مثل الفقر وتغير المناخ والأزمات الصحية، لا يمكن التغلب عليها عبر سباقات التسلح أو السياسات التكتلية، بل من خلال تعاون دولي حقيقي يعزز التنمية المستدامة والازدهار المشترك.
وتحويل المخاوف الأمنية إلى مشاريع تعاون وشراكة هو السبيل لبناء عالم أكثر أمنا وعدلا وإنصافا لجميع الشعوب.
عندما نؤمن بفكرة مجتمع المستقبل المشترك للبشرية، تتحول كل المخاوف المتعلقة بالأمن والحرب إلى تعاون لمواجهة التحديات الكبرى التي يواجهها العالم، من خلال تعزيز التعاون الاقتصادي المربح للطرفين، بدلا من المنافسة التجارية أو التكنولوجية ذات المحصلة الصفرية.
لقد نشأنا ونحن نعتقد أن كل شيء جيد يأتي من الغرب، وأن الديمقراطية الغربية هي النموذج الأوحد.
ولكن هناك الجنوب العالمي (الدول النامية) الذي يمثل حوالي 85 % من سكان العالم، لذلك يجب أن تكون القيم الدولية شاملة، وأن تشارك جميع الشعوب في بناء نظام عالمي واحد.
التحديث الصيني النمط انتقل إلى العالم من خلال المبادرات الصينية العالمية، وبالتالي، فإن تحقيق الرخاء العالمي يتطلب تقاربا وتناغما يؤدي إلى السلام والتنمية والتعاون الإيجابي بين الدول.
الحضارات التي تواجه التحديات بروح إيجابية، وقدرة على التكيف والابتكار، تواصل مسيرتها في التقدم، بينما تفشل الحضارات التي تعجز عن ذلك.
إن الإيمان بفكرة بناء مجتمع المستقبل المشترك للبشرية يمثل استجابة حضارية راقية للتحديات العالمية الراهنة.
عالمنا أمام خيارين: إما أن نستمر في طريق العداء والتكتلات والفوضى العالمية، أو نتعاون ونتجه نحو الأمن والسلام، لبناء عالم أفضل.
في النهاية، فقط من خلال التعاون الإيجابي يمكننا تجاوز الصعاب وبناء مستقبل مشترك للبشرية.
ملاحظة المحرر: الدكتور عصام شرف هو رئيس وزراء مصر الأسبق.
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة آراء وكالة أنباء ((شينخوا)).