رؤية شرق أوسطية: هل يصمد اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وإيران؟
عواصم عربية 24 يونيو 2025 (شينخوا) دخل اتفاق وقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل، برعاية أمريكية، حيز التنفيذ اليوم (الثلاثاء)، وهو اتفاق اعتبره محللون عرب "هشا" في ظل فقدان الثقة بين أطرافه، ورجحوا استمرار الانتهاكات من الطرفين، وإن كانت "محدودة وتحت سقف معين".
وأوضح المحللون السياسيون أن الإعلان عن وقف إطلاق النار جاء بعد "حفظ ماء وجه إيران"، إثر استهدافها قاعدة "العديد" الأمريكية في قطر بالصواريخ.
وكان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أعلن في وقت سابق اليوم أن إسرائيل وإيران توصلتا إلى اتفاق رسمي لتنفيذ وقف كامل وشامل لإطلاق النار، في خطوة وصفها بأنها نهاية لـ "حرب الـ 12 يوما".
وفي منشور عبر منصة ((تروث سوشيال))، وصف ترامب الاتفاق بأنه اختراق "أنقذ الشرق الأوسط من سنوات من الدمار".
-- اتفاق هش
وقال الدكتور عبد المهدي مطاوع مدير منتدى (الشرق الأوسط للدراسات الاستراتيجية)، ومقره القاهرة، "اعتقد أن اتفاق وقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل سوف يصمد لأسباب كثيرة، منها أن اسرائيل ترى أنها قامت بتحقيق الأهداف التي تبحث عنها، ومنها تعطيل البرنامج النووي وإنهاء التخصيب بمساعدة الولايات المتحدة الأمريكية، وبالتالي لا داعي لاستمرار عملية الاستنزاف خصوصا أن إسرائيل اقتصادها متوقف منذ 12 يوما".
وأضاف مطاوع لوكالة أنباء ((شينخوا))، "أما إيران، فقد تلقت ضربات قوية وتم استهداف مفاصل الحكم الأساسية مثل الحرس الثوري، وإذا استمر القتال سوف تستهدف كل مفاصل النظام".
في المقابل، قال الباحث العراقي علي موسى المحلل في مركز (الرفد للإعلام والدراسات الاستراتيجية)، "اعتقد أن الاتفاق لن يصمد طويلا، وترامب تسرع بإعلان هذا الاتفاق ليظهر بأنه رجل سلام ويسعى لوقف الحرب".
وتابع موسى لـ ((شينخوا))، أن "إسرائيل وإيران خضعتا لضغوط كبيرة واضطرتا إلى قبول وقف إطلاق النار رغم عدم وجود ثقة متبادلة بين الأطراف، فإيران لا تثق بالولايات المتحدة وإسرائيل، كما أن الولايات المتحدة وإسرائيل لا تثقان بإيران".
وأشار إلى أن "الإدارة الأمريكية تسعى لتكريس القطبية الأحادية وتتدخل لخلق بؤرة أزمات لهذا أي سلام في الشرق الأوسط لن يكون دائما، وكذلك وقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل".
بدوره، أكد المحلل السياسي القطري الدكتور عبيده شتيات الشمري أن وقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل "يبدو هشا في المرحلة الراهنة، ومن المرجح أن تستمر الانتهاكات من الطرفين، وإن كانت محدودة وتحت سقف معين".
وأضاف الشمري أن "الخروقات الإسرائيلية ستبقى واردة، لاسيما أنها تستخدم كأداة ضغط دون الانزلاق إلى مواجهة شاملة"، مشيرا إلى أن "وقف إطلاق النار المعلن سيكون في حقيقته تجميدا للتصعيد، وليس نهاية للصراع أو للمواجهات غير المباشرة".
وشاطره الرأي المحلل السياسي اليمني وليد جحزر بقوله إن "هذا اتفاق هش"، مشيرا إلى أن "أيا من الطرفين الإسرائيلي والإيراني لم يشعر بعد أنه حقق أهدافه المباشرة من الهجمات المتبادلة خصوصا إسرائيل، التي كانت تسعى إلى استثمار هذه المواجهة لتحقيق أقصى درجات الفاعلية لمنع إيران من امتلاك أسلحة للردع النووي".
وأردف أنه "من الواضح أن الولايات المتحدة الأمريكية تبحث عن استمرارية مصالحها في المنطقة من خلال تثبيت اتفاق وقف إطلاق النار، لأن واشنطن متضرر حقيقي من استمرار الهجمات المتبادلة خصوصا أن لديها مصالح عميقة في المحيط الإقليمي وتحديدا مع الدول الخليجية القريبة من إيران، والتي بدا أنها في مرمى التضرر بعد ردة الفعل الإيرانية من خلال قصف قاعدة العديد الأمريكية في قطر".
-- حفظ ماء وجه إيران
وتحدث الشمري عن توقيت الإعلان الأمريكي عن اتفاق وقف إطلاق النار، بعد هجوم إيراني على قاعدة العديد الأمريكية في قطر، وقال إن "التوقيت لم يكن عشوائيا بل محسوبا ضمن خطة إيرانية مدروسة تتيح لطهران أن تظهر بمظهر الطرف الذي رد على الاعتداءات الأمريكية داخل أراضيها".
وأضاف أن "إغلاق المجال الجوي في قطر قبل الهجوم كان مؤشرا واضحا على وجود تنسيق وتحضير محكم من الجانب الإيراني" لضرب القاعدة الأمريكية.
وأوضح أن "اختيار قاعدة العديد تحديدا لا يخلو من أبعاد سياسية بالنظر إلى طبيعة العلاقة المتوازنة بين قطر وإيران، والدور القطري البارز في الوساطات الإقليمية".
وفي تفسيره لأسباب القبول الإيراني والإسرائيلي بوقف إطلاق النار، قال الشمري إن "القرار جاء نتيجة موازين قوة معقدة ومخاوف حقيقية من انزلاق الوضع نحو مواجهة أوسع يصعب التحكم في تداعياتها".
وأردف أن "إسرائيل والولايات المتحدة فوجئتا بالتطور اللافت في القدرات الصاروخية الإيرانية، خصوصا في دقة الإصابات والمناورة واستخدام منصات الإطلاق تحت الأرض".
وأكد أن "التكلفة السياسية والعسكرية دفعت الطرفين إلى اتفاق يجمد التصعيد مؤقتا لإعادة تقييم المواقف".
واتفق معه موسى بقوله "لقد اختير هذا التوقيت لإعطاء صورة بأن إيران ردت على الهجوم الأمريكي على منشآتها النووية بهجوم مماثل باستهداف قاعدة أمريكية مهمة في منطقة الخليج، فتصبح الصورة لدى العالم بأن كل طرف شن هجوما على الطرف الآخر".
وتابع أن "هناك سببا آخر (للقبول بوقف إطلاق النار) هو الخسائر الفادحة التي لحقت بالجانبين جراء الضربات الصاروخية المتبادلة".
من جهته، أوضح مطاوع أن اتفاق وقف إطلاق النار تم بعد "حفظ ماء الوجه لإيران" التي استهدفت قاعدة العديد الأمريكية في قطر بالصواريخ.
ورأى أن "هذا الاتفاق بالتأكيد سوف يهدئ الأسواق ويبعد شبح التصعيد في المنطقة".
-- تداعيات الاتفاق
وقال موسى "إذا صمد الاتفاق والتزم الطرفان به فاعتقد أن بشائر السلام سوف تعود إلى المنطقة ويخف التوتر، وتعود حركة الطيران إلى طبيعتها، وتنخفض أسعار النفط في السوق العالمية، فضلا عن انخفاض أسعار المواد الغذائية في أسواق دول المنطقة".
وأكد أن "الاتفاق ستكون له تداعيات إيجابية على المنطقة من النواحي الاقتصادية والسياسية والتجارية وحتى الاجتماعية".
في حين قال جحزر إن "اتفاق وقف إطلاق النار في المجمل يستجيب لرغبة أمريكية مقرونة مع حلفائها في المنطقة من الدول التي تخشى استمرار الصراع، لأنه سيكون له تبعات مباشرة على الاستقرار الاقتصادي".
وتابع أن "منطقة الخليج العربي منطقة حيوية وتدار من خلالها استثمارات عملاقة عبر شركات نقل السفن التجارية، كما أن توقف حركات النقل الجوي أمس كان له تأثيرات مباشرة على العديد من شركات الطيران في المنطقة".
-- توقعات باستئناف المفاوضات النووية
وعبر موسى عن اعتقاده بأن "إيران وأمريكا سوف تستأنفان المفاوضات بشأن البرنامج النووي الإيراني خلال فترة ليست طويلة، وسوف يسعى كل طرف لتحقيق أهدافه، واعتقد أن هذه المفاوضات ستكون شاقة وطويلة وقد تتحول إلى مفاوضات مباشرة بين الجانبين".
بينما أوضح جحزر أن "المرحلة المقبلة سوف تشهد فاعلية دبلوماسية لتثبيت الرغبة الأمريكية في إنهاء الصراع بين إسرائيل وإيران، مع الدفع غير المشروط لعودة الجانب الإيراني إلى طاولة المفاوضات، وهي عودة ستكون مشوبة بتوجس حذر تحديدا مع إعلان أمريكا أنها حققت أهدافها بشأن برنامج إيران النووي وبحث إيران عن انتصار يحفظ لها ماء الوجه أمام مواطنيها" .
وأشار إلى أن "العودة لطاولة المفاوضات مسألة قد تحتاج إلى مزيد من الوقت خصوصا، بعد أن دمرت الضربات المباشرة الإسرائيلية والأمريكية عامل الثقة بين الجانبين".
بدوره، توقع الشمري أن "تشهد المرحلة المقبلة تحركا تفاوضيا مزدوج المسار بشأن الملف النووي الإيراني، يشمل مفاوضات علنية تركز على الأنشطة النووية السلمية، ومفاوضات سرية تتناول ملفات أكثر حساسية كالصواريخ الباليستية".
وأوضح أن "استئناف المفاوضات لا يعني نهاية التوتر بل قد يكون تمهيدا لمرحلة تفاوضية جديدة تندمج فيها الأبعاد الأمنية والسياسية والاقتصادية، وسط استمرار الغموض في المواقف الأمريكية والإسرائيلية تجاه البرنامج النووي الإيراني".
أما مطاوع، فقال إن "الهدف من وقف إطلاق النار هو استئناف المفاوضات، وترامب يعتقد أنه حقق أهم هدف وهو تعطيل البرنامج النووي الإيراني، ويستطيع من خلال المفاوضات أن يحقق باقي أهدافه خاصة أن إيران منهكة حاليا".
وأردف "اعتقد سوف يكون هناك تغيرا واسعا في سياسات إيران بعد اتفاق وقف إطلاق النار، وترامب يسعي إلى جذب إيران إلى المربع الغربي كما كان قبل الثورة الإسلامية في طهران".








