(وسائط متعددة) مقالة خاصة: معرض فني في غزة يوثق تجربة الأطفال خلال الحرب ويقدم مساحة للتعبير النفسي

(وسائط متعددة) مقالة خاصة: معرض فني في غزة يوثق تجربة الأطفال خلال الحرب ويقدم مساحة للتعبير النفسي

2025-12-17 04:15:15|xhnews
في الصور الملتقطة يوم 5 يونيو 2024، طفلة فلسطينية تجلس على الأنقاض في مخيم جباليا للاجئين شمالي قطاع غزة. (شينخوا)

غزة 16 ديسمبر 2025 (شينخوا) داخل قاعة متواضعة بمعرض في مخيم المغازي وسط قطاع غزة، اطلع الزوار على لوحات فنية صغيرة الحجم أنجزها أطفال تأثروا بتجربة الحرب والنزوح، حيث توقف كثيرون أمام الأعمال لما تحمله من دلالات إنسانية عميقة.

ويقدم المعرض، الذي حمل عنوان "مسار العودة إلى البيت"، مشاهد بصرية استخدم فيها الأطفال ألوانا حادة ورموزا مباشرة، منها بيوت بلا أسقف ووجوه تعكس الحزن، إلى جانب عناصر توحي بمحاولات استعادة الأمل وسط مشاهد الدمار.

ولاحظ الزوار أن الرسومات، رغم بساطتها، تعكس تجارب واقعية عاشها الأطفال خلال الحرب، إذ لم تكن هذه الأعمال نتاج فنانين محترفين، بل رسائل بصرية عبر من خلالها الأطفال عن ذاكرتهم اليومية وما رافقها من خوف وفقدان ونزوح متكرر، وقد تحولت هذه الرسومات إلى شهادة فنية على واقع الأطفال في ظل الظروف الاستثنائية التي يمر بها قطاع غزة.

وافتتحت مؤسسة تامر للتعليم المجتمعي المعرض الذي سيستمر لثلاثة أيام يوم أمس الاثنين في جمعية المغازي للتأهيل، ويضم نحو 100 لوحة رسمها أطفال تتراوح أعمارهم بين 6 و14 عاما.

وقال محمد زقزوق، أحد منظمي المعرض، لوكالة أنباء ((شينخوا)) إن الأعمال المعروضة هي نتاج مسار ممتد من ورشات الفنون التعبيرية التي أطلقت منذ بدايات الحرب في مناطق مختلفة من قطاع غزة، ولا سيما في مخيمات النزوح ومراكز الإيواء، بهدف إتاحة مساحة منظمة للأطفال للتعبير عن مشاعرهم وتجاربهم اليومية عبر الرسم.

وأضاف زقزوق: "هذا الحدث لا يقدم بوصفه نشاطا فنيا تقليديا، بل كمساحة إنسانية ونفسية أتيحت للأطفال للتعبير الحر عن مشاعرهم وتجاربهم اليومية، بعيدا عن أي توجيه أو قوالب جاهزة، بحيث تعكس كل لوحة واقعا شخصيا لطفل واجه الخوف والفقد والتهجير".

وتتنوع الموضوعات التي تناولتها اللوحات بين مشاهد الدمار والبيوت المهدمة، وصور تعكس لحظات فقدان وألم، إلى جانب أعمال أخرى تحاول تخيل مستقبل مختلف، أكثر أمانا واستقرارا.

وأشار زقزوق إلى أن هذا التباين يعكس الصراع الداخلي الذي يعيشه الأطفال بين ذاكرة الحرب ورغبتهم الفطرية في حياة طبيعية، مضيفا: "فكرة المعرض انطلقت من رمزية البيت في حياة الأطفال، منذ بداية الحرب، تعمل مؤسسة تامر على خلق مساحات للتعبير عن الذات عبر الرسم، خاصة للأطفال".

وأضاف: "اخترنا عنوان مسار العودة إلى البيت، "لأن البيت هو الأكثر استدامة في وعي الطفل، رغم أن القصف خف نسبيا، فإن تدمير البيوت ما زال هو الحالة السائدة، والأطفال حاولوا من خلال رسوماتهم الحديث عن رحلة استعادة البيت الذي فقدوه، ليس فقط البيت المادي، بل بيت الذكريات وبيت المعنى وبيت الذات".

وشارك في إنتاج أعمال المعرض نحو 120 طفلاً، معظمهم تعرضوا للنزوح مرة واحدة على الأقل، فيما اضطر آخرون للنزوح عدة مرات خلال الحرب، ويعيش هؤلاء الأطفال حاليا في مخيمات نزوح أو مراكز إيواء مؤقتة، وسط ظروف معيشية صعبة تتسم بالاكتظاظ ونقص الخدمات الأساسية، ما ترك آثارا واضحة على حالتهم النفسية.

وأوضح زقزوق أن الأطفال المشاركين مروا بتجارب قاسية شملت الخوف المستمر، والقلق، والحزن، وفقدان الشعور بالأمان، مضيفا أن الورش الفنية المصاحبة وفرت لهم مساحة آمنة للتنفيس عن هذه المشاعر، وساعدتهم على التعبير عن تجاربهم اليومية بطريقة غير مباشرة، ما أسهم في تخفيف التوتر النفسي وتعزيز الإحساس بأن أصواتهم مسموعة.

الصورة الملتقطة في 20 نوفمبر 2025 تظهر لعبة في منزل مدمر بعد غارات جوية إسرائيلية على حي الزيتون شرق مدينة غزة. (شينخوا)

وخلال جولة في المعرض، عبر عدد من الأطفال عن شعورهم تجاه التجربة، وقالت الطفلة رنا أحمد (10 أعوام)، نازحة مع عائلتها وتقيم حاليا في أحد مراكز الإيواء: "مشاركتنا في الرسم منحتني مساحة للتعبير عما أعجز عن قوله بالكلمات، "حسيت وكأني أنا التي رسمت كل شيء، كأن اللوحات تتحكي عني وعن خوفي وزعلي، لما شفت الناس واقفة قدام الرسومات، حسيت إنهم فهموا شعوري بدون ما أحكي، وهذا جعلني أرتاح قليلاً".

أما الطفل علي أحمد (12 عاما)، الذي اضطر للنزوح أكثر من مرة خلال الحرب وفقد منزله، فقال: "مشاهدة اللوحات مجتمعة ساعدتني على إعادة النظر فيما مررت به، لما رسمنا، كنت أحاول التعبير عما بداخلي، لكن لما شفت اللوحات كلها مع بعض، حسيت أن الذي حدث لنا واحد، وأن أطفالا كثيرين عاشوا نفس الشيء، وجعلتني اللوحات أشوف الذي حدث بطريقة مختلفة، وعرفت إنه رغم كل الخوف والدمار، لا يزال هناك أمل لنعود ونعيش حياة طبيعية".

بدورها، قالت الطفلة سلمى إبراهيم (8 أعوام)، أصغر المشاركين، وتقيم مع أسرتها في مخيم نزوح: "مشاركتنا في المعرض جعلتني أشعر بأن صوتي وصل للآخرين، أنا رسمت بيت وشجرة، وأحببت أن أشارك بلوحتي، لما شفت الناس يتطلعوا عليها فشعرت أن صوتنا مسموع، وأن هناك من هو مهتم بمعرفة ما نشعر به".

وشهد المعرض حضورا من الأهالي ومهتمين بالشأن الثقافي والاجتماعي، إلى جانب أطفال زاروا المعرض واطلعوا على أعمال أقرانهم، واعتبر المنظمون أن هذا التفاعل يشكل جزءا أساسيا من هدف المشروع، المتمثل في نقل تجربة الأطفال إلى المجتمع الأوسع وإبقاء قصصهم حاضرة في الذاكرة الجماعية.

وقالت تهاني الجمل، إحدى الحاضرات: "رسومات الأطفال تعكس بصدق الواقع الذي يعيشونه، ما رأيناه في اللوحات يعبر عن واقع قاس من العنف والجوع والحرمان، وجود الدم في كثير من الرسومات يدل على حجم المشاهد التي عاشها الأطفال، ويكشف كيف انعكس هذا الواقع داخلهم".

ويرافق المعرض تنظيم أنشطة للفنون التعبيرية تستهدف أطفالا آخرين، ضمن رؤية تعتمد الفن كوسيلة دعم نفسي واجتماعي، في ظل الأوضاع الاستثنائية في غزة، بهدف مساعدة الأطفال على استعادة جزء من توازنهم النفسي وبناء شعور بالانتماء والقدرة على التعبير، في وقت ما زالت فيه آثار الحرب ماثلة في تفاصيل حياتهم اليومية.

ويأتي معرض "مسار العودة إلى البيت" في سياق إنساني بالغ التعقيد، حيث يواجه أطفال غزة تحديات مستمرة تتعلق بالنزوح وفقدان المنازل وتراجع فرص التعليم، إضافة إلى الضغوط النفسية المتراكمة، ليشكل توثيقا بصريا لتجربة الحرب من منظور الأطفال، ورسالة إنسانية تنقل معاناتهم وآمالهم إلى خارج حدود المخيمات بلغة الفن التي تتجاوز الكلمات.

الصور