(صوت الجنوب) وجهة نظر: أسرار التنمية في الصين وقدرتها على الاستمرار

(صوت الجنوب) وجهة نظر: أسرار التنمية في الصين وقدرتها على الاستمرار

2025-12-17 05:13:30|xhnews

بقلم: نشوى عبد الحميد

خلال رحلة على أحد الطرق السريعة في الصين عام 2024، لاحظت مظاهر التقدم والتطور والازدهار تنتشر على طول نهر اليانغتسي، الذي يربط شانغهاي بالعديد من المدن والمناطق الداخلية.

أُعجبت بشكل خاص بالبنية التحتية المتطورة والحديثة في الصين، بما في ذلك المطارات والطرق السريعة وشبكات السكك الحديدية فائقة السرعة، فضلا عن الاستخدام واسع النطاق للتقنيات المتقدمة. وهذه المرافق لا تقتصر على المدن الكبرى مثل بكين وشانغهاي فقط، بل تمتد لآلاف الكيلومترات في عمق المناطق الداخلية والريفية.

اليوم، حتى المقاطعات الداخلية مثل سيتشوان، التي تتألق حاضرتها تشنغدو كجوهرة في حوض سيتشوان عند منابع نهر اليانغتسي، قد برزت عالميا، وحظيت إنجازاتها بالتقدير لمسافات بعيدة تصل إلى هضبة الأهرامات في مصر.

وتبرز هذه الإنجازات اللافتة التوزيع العادل لفوائد التنمية، وتجسد فلسفة النمو الاقتصادي الصينية: إعطاء الأولوية للشعب، والسعي نحو تنمية عالية الجودة، وتعميق الإصلاحات، ومواءمة السوق الكفؤ مع الحكومة الفعالة، وضمان التنمية والأمن لجميع المواطنين.

كما تظهر هذه الإنجازات أن رؤية الرئيس شي جين بينغ للتحديث الشامل، التي تنص على تضييق الفجوات بين الأغنياء والفقراء، وبين المناطق الحضرية والريفية، قد اتخذت شكلا ملموسا في جميع أنحاء الصين الشاسعة.

 

-- الصين تظهر مرونة في ظل التوترات التجارية

إلى جانب تقدمها الاقتصادي المحلي، تعد النزاعات التجارية التي بدأتها الولايات المتحدة من أبرز القضايا التي تواجه الصين. وفي رأيي، ساهمت ثلاثة عوامل رئيسية على الأقل في تشكيل هذه النتيجة.

أولا: السوق الصينية المحلية الضخمة، حيث تنتج الصين سلعا ملموسة مع إيلاء الأولوية لرفاهية شعبها، مما أدى إلى إنشاء واحدة من أكبر أسواق المستهلكين في العالم. وتتجاوز قدرة هذه السوق على استيعاب الإنتاج الصناعي الصيني توقعات الدول التي تفرض تعريفات جمركية، وقد أثبتت جهود الصين لبناء "سوق موحدة وطنية" نجاحا باهرا.

ثانيا: تحول الصين من التصنيع إلى الابتكار، إذ يمثل هذا التحول نقلة نوعية من التركيز على الكمية إلى التركيز على الجودة، مما مكّن الشركات الصينية من الاستحواذ على حصة أكبر من السوق العالمية. وبينما لا تزال الصين أكبر منتج في العالم للسيارات الكهربائية والهواتف المحمولة وأجهزة الكمبيوتر المحمولة وغيرها من السلع عالية التقنية، فإنها تتصدر الآن تطوير المنتجات الراقية. وعلى سبيل المثال، تحظى السيارات الاقتصادية المصنعة في الصين، والتي تتميز بخصائص فريدة، بإقبال كبير من المشترين المصريين، كما دخلت شركات صناعة السيارات الصينية بقوة إلى قطاع السيارات الفاخرة خلال العامين الماضيين.

ثالثا: مرونة التجارة الخارجية الصينية، حيث أتاحت أسواق أمريكا اللاتينية وإفريقيا ودول الجنوب العالمي عموما للصين مجالا واسعا للتخفيف من آثار رفع الرسوم الجمركية وغيرها من التدابير الحمائية، ودعم النمو، مما يعكس عمق شبكة شراكاتها. كما شهدت التجارة مع دول الآسيان والمشاركين في مبادرة الحزام والطريق نموا ملحوظا، مع نمو قوي في صادرات التكنولوجيا الميكانيكية والكهربائية المتقدمة.

وتظهر أحدث بيانات الناتج المحلي الإجمالي كيف ساهمت هذه العوامل في دعم زخم التجارة الصينية، وإبراز قوة الاقتصاد الصيني، رغم الحرب التجارية التي بدأتها الولايات المتحدة.

ونما الناتج المحلي الإجمالي للصين بنسبة 5.3% على أساس سنوي في النصف الأول من العام، متجاوزا التوقعات الدولية. وبلغ فائضها التجاري نحو تريليون دولار أمريكي في الـ 11 شهرا الأولى من هذا العام، على الرغم من الرسوم الجمركية الأمريكية، مما يؤكد فعالية تخطيطها الاستراتيجي.

 

-- الصين والجنوب العالمي: شركاء في النمو

وبصفتها دولة رئيسية في الجنوب العالمي، يرتبط نمو الصين ارتباطا وثيقا بنمو الدول النامية الأخرى.

على الصعيد السياسي، سعت الصين جاهدة إلى تعزيز النظام العالمي متعدد الأقطاب، مما منح الجنوب العالمي نفوذا أكبر في الشؤون الدولية. وقد كان لمبادرات الصين الرامية إلى تحسين الحوكمة العالمية، والتي تهدف إلى تقوية آليات وأنظمة الأمم المتحدة ووكالاتها، أثر بالغ. والجدير بالذكر أن دعم الصين لدور قيادي أكبر لدول الجنوب العالمي ساهم في اختيار مصري لرئاسة اليونسكو. وهذا يفسر جزئيا سبب استمرار توسع نفوذ الصين وتجارتها في إفريقيا، رغم المنافسة من الغرب، وسبب بروزها كشريك رئيسي ومشارك فاعل في العديد من آليات التعاون الإقليمي والعالمي، من المحيط الهادئ إلى غرب إفريقيا.

أما على الصعيد الاقتصادي، فيقدم النمو الاقتصادي الصيني فوائد مشتركة كبيرة للدول النامية. إذ توفر الصين منتجات عالية الجودة ومتطورة تقنيا بأسعار تنافسية للغاية مقارنة بالبدائل الغربية. وهذا يساعد الدول النامية على تلبية احتياجاتها بأقل قدر من النفقات الرأسمالية. وتقدم الصين منتجات صديقة للبيئة بأسعار تنافسية، مما سهّل تدفق السيارات الكهربائية إلى المدن النامية ذات الكثافة السكانية العالية مثل القاهرة وكراتشي وجاكرتا.

ولتعزيز التعاون المثمر بين الصين ودول الجنوب العالمي الأخرى، يجب بذل جهود مشتركة في المجالات التالية:

أولا: التدفقات المالية - حجر الزاوية في التنمية

يرتكز النظام الرأسمالي الغربي على التمويل كأداة رئيسية، إلا أن المؤسسات المالية الغربية فشلت باستمرار في تلبية احتياجات التنمية في دول الجنوب العالمي بشكل كاف. لذا، ثمة حاجة إلى بدائل مثل نظام المدفوعات المصرفية عبر الحدود الصيني (CIPS)، وهو نظام المقاصة والتسوية الوطني للمعاملات باليوان عبر الحدود، لدعم أوسع نطاق ممكن من الأنشطة الاقتصادية في دول الجنوب العالمي.

ثانيا: الاستثمار في الزراعة وإنتاج الغذاء. ويمثل توظيف التكنولوجيا والآلات الصينية المتقدمة في دول الجنوب العالمي، إلى جانب آليات التمويل التي تغطي تكاليف الإنتاج، إمكانات هائلة. ويوفر هذا القطاع فرصا واعدة، لا سيما في إفريقيا، حيث لا تزال مساحات شاسعة غير مزروعة أو تزرع بأساليب بدائية ذات إنتاجية منخفضة.

ثالثا: تعميق التبادل الثقافي والتعليمي. رغم أن هذه الجهود لا تزال في مراحلها الأولى، إلا أنها تهدف إلى تنشئة قادة المستقبل الملتزمين بالمشاركة في تنمية الجنوب العالمي. وتقدم الصين منحا دراسية وبحثية لدول الجنوب العالمي، مما يتيح لآلاف الطلاب والمهنيين والخبراء المصريين والعرب والأفارقة الدراسة في جامعات صينية مرموقة. وتواصل هذه المؤسسات توسيع برامجها في مجالات رائدة مثل التنمية الخضراء، والروبوتات، والذكاء الاصطناعي، والطاقة المتجددة. ومن شأن الجهود المتواصلة في هذه المجالات أن تعزز التواصل والتفاهم المتبادل بين الصين ودول الجنوب العالمي الأخرى.

 

ملحوظة المحرر: نشوى عبد الحميد وكيل الهيئة العامة للاستعلامات المصرية، رئيس الإدارة المركزية لإعلام أوروبا والأمريكتين وآسيا وأستراليا بالهيئة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتبة ولا تعكس بالضرورة آراء وكالة أنباء ((شينخوا))

الصور