تقرير سنوي: مراقبون فلسطينيون: السياسات الأمريكية تسهم في تعقيد الأزمات السياسية في فلسطين والشرق الأوسط
رام الله 23 ديسمبر 2025 (شينخوا) على الرغم من الخطاب الأمريكي المتكرر حول بناء "شرق أوسط جديد" قائم على الكرامة والازدهار والاستقرار، يرى مسؤولون ومحللون فلسطينيون أن السياسات الأمريكية تجاه القضية الفلسطينية خلال السنوات الماضية قد ساهمت فعليا في تعميق حالة عدم الاستقرار في الأراضي الفلسطينية والمنطقة ككل.
وفي مقابلات منفصلة مع وكالة أنباء ((شينخوا))، أشار المسؤولون والمحللون إلى وجود فجوة واضحة بين الخطاب السياسي الأمريكي من جهة، والواقع الميداني من جهة أخرى، حيث تستمر العمليات العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة، ويتوسع الاستيطان في الضفة الغربية، فيما يظل الأفق السياسي أمام حل الدولتين مغلقا حتى هذه اللحظة.
ولفت المراقبون إلى أن الخطاب الأمريكي الذي يتحدث عن السلام والتنمية لا يرافقه تحول في الممارسة العملية، ما يظهر الولايات المتحدة كطرف منحاز، وليس وسيطا محايدا، وهو ما يقوض فرص التوصل إلى تسوية عادلة ودائمة للصراع الفلسطيني-الإسرائيلي.
وقال المسؤول في حركة التحرير الوطني (فتح) صبري صيدم لوكالة أنباء ((شينخوا)) "إن النهج الأمريكي الحالي لا يعالج جذور الأزمة، بل يسهم في تراكم أزمات جديدة ذات أبعاد إنسانية وسياسية وأمنية"، موضحا أن الحديث عن الكرامة والازدهار يفقد مصداقيته مع استمرار العمليات العسكرية والحصار.
وأضاف أن الولايات المتحدة، من خلال دعمها السياسي والعسكري لإسرائيل، "فقدت دورها كوسيط نزيه وأصبحت طرفا مباشرا في الصراع"، مشيرا إلى أن هذا الدعم يشمل تقديم مساعدات عسكرية وبيع أسلحة تستخدم في العمليات الجارية على الأرض.
وأشار صيدم إلى أن بعض الخطوات الأمريكية الأخيرة، بما فيها إعادة تزويد إسرائيل بأسلحة ثقيلة، ساهمت في تصعيد المواجهة ورفع مستوى العنف، محملا واشنطن مسؤولية أخلاقية وسياسية عن النتائج المترتبة على هذه السياسات.
وشدد على أن تحقيق الأمن لا يمكن أن يتم عبر القوة العسكرية وحدها، بل من خلال العدالة وضمان حقوق الفلسطينيين، بما في ذلك حقهم في الحرية والاستقلال، معتبرا أن الاعتماد على الحلول العسكرية لقمع إرادة شعب كامل أثبت فشله تاريخيًا ولن يؤدي إلى استقرار طويل الأمد.
وتطرق صيدم إلى تنفيذ الولايات المتحدة مشاريع تحمل "مخاطر خفية"، تشمل مبادرات اقتصادية وإنسانية، مثل المشاريع المتعلقة بالميناء العائم وبعض البرامج التنموية المدعومة أمريكيا.
ولفت إلى أن "هذه المشاريع، رغم الطابع الإنساني أو التنموي الذي يروج لها، تحمل في طياتها إمكانية استخدامها كأدوات سياسية لفرض وقائع جديدة على الأرض، بما يخدم مصالح محددة ويقلل من قدرة الفلسطينيين على ممارسة سيادتهم أو تقرير مصيرهم".
وأضاف أن "هذه الخطط قد تُستغل لتوسيع النفوذ الأمريكي والإسرائيلي في المنطقة، متجاوزة الأطر القانونية الدولية، وهو ما يعزز المخاوف من استمرار التوتر وعدم الاستقرار في الأراضي الفلسطينية".
وأكد أن التوسع الاستيطاني المستمر في الضفة الغربية والتهجير القسري للسكان المحليين يعكس دعما غير مباشر لهذه المشاريع، ويشير إلى أن التعهدات الأمريكية بمنع ضم أجزاء من الأراضي لم تتحقق عمليا على الأرض.
وربط صيدم الدور الأمريكي في فلسطين بسياق إقليمي ودولي أوسع، مشيرا إلى سعي واشنطن لتثبيت نفوذها في الشرق الأوسط في ظل تنافس دولي متصاعد، مؤكدًا أن مشاريع التطبيع والممرات الاقتصادية الجديدة تُطرح في إطار رؤية استراتيجية تتجاهل الحقوق الفلسطينية، وتتعامل مع القضية بوصفها ملفًا ثانويًا ضمن ترتيبات إقليمية أوسع.
من جهته، وصف تحسين الأسطل، نائب نقيب الصحفيين الفلسطينيين، الدور الأمريكي بأنه "شراكة فعلية" فيما يتعرض له قطاع غزة من تدمير وتهجير وحصار.
وقال الأسطل لوكالة أنباء ((شينخوا)) إن الدعم الأمريكي شمل توفير أدوات عسكرية ولوجستية استُخدمت في تدمير البنية التحتية والمناطق السكنية، ما أدى إلى تدهور غير مسبوق في الأوضاع الإنسانية.
وأضاف أن "الحماية السياسية التي توفرها واشنطن في المحافل الدولية تعمّق من أزمة غزة وتجعلها منطقة تواجه تحديات خطيرة على صعيد قابلية العيش".
واتهم الأسطل واشنطن بمحاولة تقديم مبادرات إنسانية لا تعالج جوهر الأزمة، معتبرا أن بعض هذه المبادرات تُستخدم لتخفيف الضغوط الدولية دون إحداث تغيير حقيقي على الأرض.
وتابع أن "الخطة الأمريكية التي تضم 20 بندا، والتي رُوج لها كمسار لوقف الحرب، تفتقر إلى التزامات واضحة على الجانب الإسرائيلي، ولا تحتوي على جداول زمنية أو آليات إلزام، ما يقلل من فعاليتها في تحقيق وقف دائم لإطلاق النار أو رفع الحصار".
وأشار الأسطل إلى أن التناقض بين الخطاب والممارسة أصبح واضحا، إذ تتحدث الولايات المتحدة عن تهدئة، في وقت تستمر فيه العمليات العسكرية وتستمر القيود على دخول الإمدادات الطبية والإنسانية.
واعتبر أن "هذا الواقع يعكس توافقا بين واشنطن وتل أبيب، يقوم على تجاهل الرواية الفلسطينية وتقارير المنظمات الدولية التي توثق الأضرار في المستشفيات والمؤسسات التعليمية والدينية".
ولفت الأسطل إلى أن الخطر لا يقتصر على الحرب الجارية، بل يمتد إلى محاولات الالتفاف على القانون الدولي وطمس حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني، مؤكدا أن "تراجع قضية الدولة الفلسطينية في الخطاب السياسي الأمريكي يعكس خضوعا لضغوط داخلية وخارجية، ويقوض الأساس القانوني للقرارات الدولية المتعلقة بالقضية الفلسطينية".
وفي السياق نفسه، قال الكاتب والمحلل السياسي حسام الدجني لوكالة أنباء ((شينخوا)) إن "الخطة الأمريكية الحالية تعكس اختلالًا في ميزان الالتزامات، إذ تفرض ضغوطا مستمرة على الفلسطينيين بينما تغيب آليات مساءلة الطرف الأقوى"، مشيرا إلى أن هذا النهج يضعف الثقة بأي دور أمريكي كوسيط ويعزز القناعة بأن السياسات الأمريكية تنحاز إلى إدارة الصراع بدلا من حله.
وأضاف الدجني أن توظيف القضية الفلسطينية ضمن صراعات النفوذ الدولية يحمل مخاطر كبيرة على استقرار المنطقة، محذرا من أن تجاهل الحقوق الفلسطينية لن يؤدي إلا إلى دورات جديدة من التوتر والعنف. وأكد أن أي مقاربة لا تنطلق من إنهاء الاحتلال واحترام القانون الدولي ستظل عاجزة عن تحقيق سلام حقيقي.
وأوضح أن "استمرار النهج الأمريكي الحالي يسهم في تعميق الأزمة بدلًا من معالجتها، ويغذي حالة عدم الاستقرار في فلسطين والشرق الأوسط." مؤكدا أن "تحقيق سلام مستدام يتطلب تغييرا جوهريا في السياسات، يقوم على احترام القانون الدولي، وإنهاء الاحتلال، وضمان الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، باعتباره المدخل الأساسي لأمن دائم واستقرار حقيقي في المنطقة".






