تقرير سنوي: مصر ترسخ دورها كوسيط فاعل في أزمات الشرق الأوسط
القاهرة 23 ديسمبر 2025 (شينخوا) رسخت مصر خلال العام 2025 دورها كوسيط فاعل في أزمات الشرق الأوسط، مثل غزة وإيران ولبنان والسودان وليبيا، مستغلة قوتها الدبلوماسية وشبكة علاقاتها الدولية لإحلال السلام والاستقرار في الإقليم.
ورغم الضغوط التي مورست على القاهرة، لم تتوقف مساعي مصر الرامية إلى إيجاد حلول عملية ومنصفة لأزمات الشرق الاوسط المشتعلة، حتى اضطرت إلى إعلان "خطوطها الحمراء" في بعض هذه القضايا مثل غزة والسودان.
-- وسيط فاعل
وعلى مدار الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، سعت مصر من خلال الوساطة بين إسرائيل وحركة المقاومة الإسلامية (حماس) إلى وقف إطلاق النار في القطاع الفلسطيني.
ونجحت جهود مصر، بجانب الولايات المتحدة وقطر وتركيا، في 9 أكتوبر 2025 في الوصول إلى اتفاق لوقف الحرب في غزة، بعد محادثات غير مباشرة بين إسرائيل وحماس في مدينة شرم الشيخ المصرية على ساحل البحر الأحمر.
وفي 13 أكتوبر 2025، وقع قادة مصر والولايات المتحدة الأمريكية وتركيا وقطر، خلال مؤتمر في شرم الشيخ، على "وثيقة شاملة" بشأن اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، لتنتهي الحرب التي راح ضحيتها أكثر من 70 ألف فلسطيني.
وعلى صعيد الملف النووي الإيراني، نجحت القاهرة في 9 سبتمبر 2025 في التوصل إلى اتفاق بين إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية لاستئناف التعاون بين الجانبين، وذلك بعد مشاورات مكثفة أجراها وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي مع الجانبين.
كما دخلت مصر على خط الأزمة بين لبنان وإسرائيل، عبر زيارات مكوكية إلى بيروت قادها عبد العاطي، الذي دعا إلى حصر السلاح في يد الدولة اللبنانية وانسحاب إسرائيل من الأراضي اللبنانية.
وفي الشأن الليبي، استضافت مصر الفرقاء الليبيين السياسيين والعسكريين في إطار جهودها الساعية إلى إيجاد توافق سياسي حول الملفات العالقة في ليبيا.
-- خطوط حمراء
وإلى جانب هذه المساعي الدبلوماسية المكثفة، اضطرت القاهرة حفاظا على أمنها القومي إلى الإعلان بوضوح وبشكل متكرر عن خطوط حمراء لا يمكن السماح بتجاوزها لاسيما فيما يتعلق بالأزمات في دول الجوار.
وفي 18 ديسمبر 2025، أعلنت الرئاسة المصرية عن "خطوط حمراء" بشأن الوضع في السودان، ولوحت باتفاقية الدفاع المشترك بين البلدين لضمان عدم المساس بهذه الخطوط.
وشملت هذه الخطوط "الحفاظ على وحدة السودان وسلامة أراضيه، بما في ذلك عدم السماح بانفصال أي جزء من أراضي السودان"، و"الحفاظ على مؤسسات الدولة السودانية".
وتعد هذه المرة الثالثة التي تعلن مصر "خطوطا حمراء" بشأن قضايا المنطقة، حيث سبق أن أكد الرئيس عبد الفتاح السيسي أن تهجير الفلسطينيين من غزة إلى مصر "خط أحمر لن نقبل أو نسمح به".
وبالفعل نجحت مصر في إفشال المخطط الأمريكي - الإسرائيلي لتهجير سكان غزة قسرا، وقادت الجهود لإعلان خطة لإعادة إعمار القطاع تم تبنيها عربيا وإسلاميا.
وسبق أيضا أن أعلنت مصر عن "خطوط حمراء" بشأن الوضع الميداني في ليبيا.
-- "مزيج نادر" من القدرات
ورأى الدكتور عبد المهدي مطاوع مدير منتدى الشرق الأوسط للدراسات الاستراتيجية والأمن القومي بالقاهرة، أن مصر لعبت دورا إقليميا مميزا خلال العام 2025 من عدة محاور، أولها ما يتعلق بالأمن والاستقرار في الإقليم خصوصا في قضية غزة، والوساطة في ملفي لبنان وإيران، ومكافحة الإرهاب في منطقة الساحل والصحراء.
وأضاف مطاوع، في تصريحات لوكالة أنباء ((شينخوا))، أن مصر دولة رائدة في العالم العربي وأفريقيا، وتقدم دعما سياسيا للسلطة الفلسطينية وليبيا، كما حاولت حل أزمة اليمن بالتركيز على الحلول السياسية، فضلا عن أن استثماراتها في البنية التحتية لدول حوض النيل تعمق دور مصر الاقتصادي في أفريقيا لموازنة التدخلات الخارجية.
وتابع أن "مصر نجحت في ترسيخ دورها الإقليمي والدولي بسبب مجموعة من العوامل الثابتة والمتغيرة، التي عززت مكانتها، فهناك عوامل جيواستراتيجية ثابتة مثل الموقع الفريد لمصر ووجود قناة السويس كشريان ملاحي عالمي مما جعل مصر طرفا أساسيا في أمن الطاقة والتجارة الدولية، بالإضافة إلى أن مصر تعتبر جسرا بين أفريقيا وآسيا وأوروبا مما جعلها بوابة للقوى الدولية نحو الشرق الأوسط، فضلا عن وزنها الحضاري والجغرافي والسكاني".
وأردف مطاوع أن "هناك عوامل أخرى سياسية ودبلوماسية أعطت مصر دورها الإقليمي مثل الاستقرار السياسي والعسكري، فمصر لديها جيش قوى لذلك هي شريك أمني لا غني عنه للدول العربية خصوصا في مواجهة التطرف وعدم الاستقرار".
واستطرد قائلا إن "مصر تلعب دورا دبلوماسيا متوازنا، وتحافظ على العلاقات مع جميع الأطراف دون انحياز كامل، ولديها دور وسيط تاريخي اكتسبته كطرف نزيه في المفاوضات خصوصا بين الفلسطينيين والإسرائيليين".
ومن بين هذه العوامل أيضا "عوامل أمنية واستخباراتية حيث كان لمصر دور بارز في مكافحة الإرهاب في الإقليم نظرا لخبراتها في مكافحة التطرف"، بالإضافة إلى "التحالفات الإقليمية الاستراتيجية لمصر، التي تملك علاقات واسعة مع دول الخليج، وشراكة مع القوى العظمى مثل أمريكا وروسيا".
وأوضح مطاوع أن "مصر تجمع مزيجا نادرا من الثوابت الجغرافيا والتاريخية مع سياسات خارجية مرنة وقدرات عسكرية وأمنية ضخمة ما عزز دورها الإقليمي وجعلها لاعبا إجباريا ورئيسا في معظم معادلات الشرق الأوسط وأفريقيا".
-- توازن استراتيجي
وأكد الدكتور مختار غباشي الأمين العام لمركز الفارابي للدراسات أن "مصر وسيط إقليمي يسعى إلى حلول سلمية لقضايا المنطقة، وقامت بهذا الدور في أزمة غزة، وأيضا في الوصول إلى اتفاق بين إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية".
وأضاف غباشي لـ((شينخوا)) أن "دور مصر محوري في الكثير من ملفات المنطقة مثل فلسطين والسودان وليبيا على سبيل المثال، فمصر ركيزة إقليمية ودورها أساسي في هذا النطاق".
وأشار إلى أن "مصر تتبع سياسة التوازن الاستراتيجي بين القوى العالمية وتعزز دورها الإقليمي ولعبت دورا كبير جدا في تهدئة الأوضاع في المنطقة".






