تقرير سنوي: العلاقات الصينية-العربية: نحو مرحلة أكثر نضجا وشمولا
بكين 24 ديسمبر 2025 (شينخوا) في ظل تغيرات وتقلبات كبرى لم يشهدها العالم من قبل في عام 2025، توطدت الثقة السياسية بين الصين والعالم العربي بشكل عام والصين ودول الخليج العربية بشكل خاص، وتعززت التبادلات الاقتصادية، وتزايدت التفاعلات الدبلوماسية، بفضل الصداقة الراسخة والتعاون متبادل النفع.
ومع اقتراب العام الجديد، توقع خبراء عرب أن تتجه العلاقات الصينية-العربية نحو مرحلة نضج أكبر وشراكة أفضل، ولا سيما أن القمة الصينية-العربية الثانية من المقرر أن تعقد العام المقبل، وهو ما من شأنه أن يضفي مزيدا من الزخم على هذه العلاقات المتينة والمثمرة.
-- ثقة متبادلة تزداد رسوخا
أشارت المهندسة هبة عباس محمد عباس، عضو اللجنة التنفيذية للمؤتمر العالمي للمرافق 2026 ورئيسة لجنة الاستدامة في جمعية المياه الكويتية، إلى أن العام الحالي شهد تعزيزا ملحوظا للتفاعل العربي-الصيني عبر توسيع مجالات الحوار السياسي وتفعيل آليات التعاون في إطار منتدى التعاون العربي-الصيني، مما أسهم في تعميق الثقة المتبادلة ودعم الشراكات في مجالات التنمية والطاقة والبنية التحتية. وقد شكّل هذا الزخم قاعدة قوية دفعت بالعلاقات الثنائية بين الصين وكل دولة عربية نحو مستويات أكثر نضجًا وتكاملاً.
واستشهدت بالزيارة التي قام بها هان تشنغ، نائب الرئيس الصيني، مؤخرا إلى دولة الكويت. ففي الفترة بين 28 أكتوبر و2 نوفمبر، قام هان تشنغ بزيارة إلى كل من السعودية والكويت، وحضر بعدهما القمة العالمية الثانية للتنمية الاجتماعية التي عقدت في قطر بناء على دعوة. كما اختتم وزير الخارجية الصيني وانغ يي في أواسط ديسمبر الحالي زيارته إلى ثلاث دول في الشرق الأوسط وهي الإمارات والسعودية والأردن.
وقالت إنه منذ انعقاد القمة الصينية-العربية الأولى، شهدت العلاقات الصينية-العربية، ولا سيما العلاقات الصينية-الخليجية، تطورًا لافتًا اتسم بالاستمرارية والعمق، إذ ارتفع مستوى الحوار السياسي بشكل ملحوظ، وتعززت الثقة المتبادلة من خلال الزيارات رفيعة المستوى وتوسيع آليات التشاور في مختلف القضايا الإقليمية والدولية.
كما أعربت هبة عباس عن التطلع إلى أن تمثل القمة الصينية-العربية الثانية لحظة محورية تُعيد صياغة مسار الشراكة بين الجانبين نحو مستوى أكثر عمقًا وتأثيرًا"، مشيرة إلى أن العلاقات العربية-الصينية أثبتت خلال الأعوام الماضية أنها علاقة قادرة على التطور المستمر.
عُقدت القمة الصينية-العربية الأولى وقمة الصين ومجلس التعاون لدول الخليج العربية في أواخر عام 2022، هو ما شكل حدثا ملحميا في تاريخ العلاقات الصينية-العربية وارتقي بها إلى مستوى عالٍ جديد. كما تجري حاليا على قدم وساق الأعمال التمهيدية للقمة الصينية-العربية الثانية.
وعند تعليقه على ذلك، لفت محمد الطيار الباحث السعودي في الاقتصاد السياسي إلى أن القمة كانت فصلاً من فصول التضامن والتعاون عكست الثقة المتبادلة والرؤية المستقبلية التي تخدم الجانبين ومن شأنها أن تنقلهما إلى مستقبل أكثر تعاوناً ليصلا معها إلى شراكة مستدامة تكون نموذجاً يحتذى به.
وفي السياق ذاته، لفت الدكتور عبد الله الهاجري، أستاذ تاريخ الكويت الحديث والمعاصر ورئيس قسم التاريخ بجامعة الكويت وأمين سر الجمعية التاريخية الكويتية، إلى أن الفترة الأخيرة شهدت تطورًا لافتًا في العلاقة بين الصين والعالم العربي، حيث بدأت الصين خلال السنوات الماضية في استكشاف العالم العربي بعمق أكبر، خصوصًا من بوابة التعاون الاقتصادي، ونفذت في عدد من الدول العربية مشاريع عملاقة بتقنيات متقدمة وتكنولوجيا عالية الجودة، مما رسخ الثقة بها.
وأكد عبد الله الهاجري أن القمة الصينية-العربية الثانية، المقرر عقدها في العام المقبل، ستكون محطة محورية جديدة لتعزيز التعاون الثنائي في مختلف المجالات، مشيرا إلى أن الدول العربية تنظر إلى الصين باعتبارها شريكًا استراتيجيًا موثوقًا يمكن الاعتماد عليه في مجالات التنمية والتكنولوجيا والطاقة والتعليم والدبلوماسية.
ومن جانبه، تطرق المحلل السياسي وأستاذ العلوم السياسية في جامعة نورث ويسترن في قطر، الدكتور خالد الحروب، إلى الدور الإيجابي للصين في المنطقة، موضحًا أن بكين حريصة على تقديم دعم مستمر للعالم العربي. وقال إن "الصين تعتبر شريكًا موثوقًا للدول العربية، فهي تدعم المبادرات السلمية وتعمل على تعزيز الاستقرار السياسي والاقتصادي، مع احترام كامل لسيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية".
وأرجع خالد الحروب ذلك إلى أن العلاقات بين الصين والدول العربية تمتد لعقود طويلة وتستند إلى الاحترام المتبادل والمصالح الاستراتيجية المشتركة. وعلى صعيد متصل، شدد الباحث السعودي في الاقتصاد السياسي الدكتور محمد الطيار على أن التعاون والثقة المتبادلة في تنامٍ مستمر، مما يخدم التعاون بين الجانبين العربي والصيني.
من ناحية أخرى، أوضحت هبة عباس أن آلية تعاون الجنوب العالمي التي تعمل الصين على تعزيزها تمثل إطارًا مهمًا يعيد تفعيل دور الدول النامية في تشكيل مسارات التنمية الدولية، من خلال نموذج تعاون يقوم على الاحترام المتبادل وتبادل الخبرات والبحث عن حلول عملية للتحديات المشتركة. وأضافت أن الصين، بما تمتلكه من تجربة تنموية راسخة وقدرة تنفيذية عالية، تقدم قيمة مضافة لهذا الإطار، من خلال مبادرات تتسم بالواقعية والمرونة، وتستجيب لاحتياجات الدول الشريكة في مجالات البنية التحتية، التكنولوجيا، والتحول الأخضر.
وأشارت إلى أن النهج الصيني هذا يحظى بتقدير واسع في المنطقة العربية، نظرًا لما يتسم به من احترام واضح لخصوصيات كل مجتمع وثقافته الوطنية، مضيفة أن الصين أظهرت، عبر مختلف مبادرات التعاون، تفهّمًا واحترامًا لهذه الخصوصيات، مما يخلق بيئة مريحة للتعاون ويعزز الثقة المتبادلة.
-- تعاون اقتصادي يزداد عمقا
تتجسد نتائج هذه الثقة السياسية في شق مجالات جديدة للتعاون الاقتصادي والاستثماري، إذ أوضحت هبة عباس أن التعاون على الصعيد التنموي توسع في مجالات الطاقة التقليدية والمتجددة، حيث أصبحت الصين شريكًا رئيسيًا في مشروعات الطاقة النظيفة والتحول الرقمي في دول الخليج، لافتة إلى أن السنوات الماضية شهدت تقدمًا مهمًا في المشروعات المقامة في إطار مبادرة الحزام والطريق بالمنطقة، خاصة في تطوير الموانئ والبنى التحتية وممرات التجارة، مما أسهم في تعزيز الترابط الاقتصادي وفتح آفاق جديدة للاستثمار.
وقالت إن التعاون برز أيضا في مجالات الأمن الغذائي، والتكنولوجيا، والاقتصاد الرقمي باعتبارها مسارات واعدة، موضحة أن العديد من المشاريع العربية-الصينية المشتركة بدأت تتحول من رؤى إلى برامج عملية، مما يضع العلاقات العربية-الصينية في موقع متقدم مقارنة بالسنوات الماضية.
كما رأت أن تعزيز التعاون القائم بين الصين ودول المنطقة في إطار الصداقة التقليدية ومبادرة الحزام والطريق يمكن أن يستفيد من توسيع الشراكات في مجالات البنية التحتية الحديثة، الاقتصاد الرقمي، والطاقة النظيفة، والابتكار التكنولوجي.
وشددت هبة عباس على أنه من خلال مبادرة الحزام والطريق، أثبتت الصين أنها لا تبني شبكات التجارة فحسب، بل تبني جسورًا من الثقة والاحترام المتبادل والشراكة العادلة، وهو ما يفسّر نظرة العديد من دول المنطقة، ومنها الكويت، إلى التعاون مع الصين بوصفه تعاونًا موثوقًا ومبنيًا على مبادئ راسخة.
وأشارت إلى أن الجانب العربي يثمّن هذا التعاون ويقدّر عمقه ويحترم نهجه القائم على الصداقة الصادقة والاحترام المتبادل، ويرى فيه مسارًا واعدًا يفتح آفاقًا أرحب للتنمية والشراكة بين الجانبين، بما يعزز الاستقرار والازدهار للمستقبل.
وفي هذا الإطار، سلط خالد الحروب الضوء على أن الصين صديق طويل الأمد للعالم العربي، مؤكدا أن الشراكة التي تجمع بين الجانبين تشكل نموذجًا للتعاون.
في الوقت نفسه، نوه عبد الله الهاجري إلى أن المرحلة المقبلة ستشهد تطورًا أعمق في عدد من المجالات، أبرزها: توسّع أكبر في مشاريع البنية التحتية، بما يتوافق مع خطط التنمية الخليجية الطموحة وتعزيز التعاون في مجالات التعليم والتبادل الثقافي والأكاديمي، وهو مسار يفتح آفاقًا واسعة لتقريب الشعوب وتطوير القدرات العلمية.
وعلى صعيد آخر، ذكرت هبة عباس أن آلية الجنوب العالمي توفر مساحة أوسع لدول الشرق الأوسط للانخراط في شراكات مرنة ومبتكرة، تستفيد من الخبرات الصينية في مجالات التنمية المستدامة، الاقتصاد الرقمي، والربط التجاري، مضيفة أن هذه الآلية تشكل فرصة لتعميق التعاون بين دول المنطقة والصين ضمن مسار يقوم على التوازن والمكاسب المتبادلة، ويدعم تطلعات الشعوب نحو مستقبل أكثر استقرارًا وازدهارًا.
وشدد عبد الله الهاجري على أن العلاقات الصينية العربية تتجه نحو مرحلة نضج أكبر وشراكة أفضل، قائمة على المصالح المشتركة والاحترام المتبادل، وأن القمة المقبلة ستشكّل خطوة متقدمة لترسيخ هذا المسار وتعميقه.
أما محمد الطيار، فقد ركز على التعاون الاقتصادي المكثف بين السعودية والصين، قائلا إنه من أهم ملامح التطورات الاقتصادية بين البلدين نمو حجم التبادل التجاري في أقل من عقد من 41 مليار دولار إلى أكثر من 107 مليارات دولار، وزيادة حجم الاستثمار الصيني في عام 2024 بنسبة 29 في المائة، ما جعل أكثر من 750 شركة صينية تعمل في السعودية. وذكر "هذا يجعلنا متفائلين بأننا في طريق تحقيق نمو أكبر واستدامة وشراكة استراتيجية مستدامة مع الصين".
على الرغم من عدم توفر الإحصاءات الرسمية حول حجم التبادلات الاقتصادية والتجارية بين الصين والدول العربية لعام 2025 حتى الآن، فإن حجم التجارية الصينية-العربية في عام 2024 وحده وصل إلى 407.4 مليار دولار أمريكي، مسجلا زيادة قدرها 2.3 في المائة عن العام الذي سبقه.
-- دور صيني إيجابي في تسوية النزاعات الإقليمية
قالت هبة عباس إنه لا يمكن الحديث عن مستقبل العلاقات العربية-الصينية دون الإشادة بالدور المتنامي للصين الصديقة على الساحة الدولية، مشيرة إلى أن الصين اليوم تمثل قوة ريادية في التنمية المستدامة والاقتصاد الرقمي، وقوة دبلوماسية تمتلك رؤى واضحة وتتبنى مواقف ثابتة تقوم على احترام السيادة وعدم التدخل. وأضافت أن هذا النهج يجعل الصين شريكًا موثوقًا وقادرًا على إضفاء طاقة إيجابية على الاستقرار الإقليمي.
من جانبه، أوضح عبد الله الهاجري أن الصين تبنّت في سياستها الخارجية مبدأ احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها، وهو ما جعلها تحظى باحترام متزايد في العالم العربي. وفي السنوات الأخيرة، برز حضور الصين في المنطقة ونقلت رؤيتها العادلة تجاه قضايا الشرق الأوسط، مشددا على أن موقفها من القضية الفلسطينية يعد مثالًا واضحًا على التزامها بالعدالة والإنصاف؛ حيث اتخذت مواقف ثابتة ومساندة للحقوق العربية، وتطرح حلولًا سياسية سلمية بعيدة عن منطق الإقصاء أو الضغط.
وفي المقابل، قال محمد الطيار إن الصين، بصفتها صديقا قديما للدول العربية تتبنى موقفا عادلا في المسرح السياسي الدولي، ولم تدخر أي جهد لدفع حل القضايا المزمنة في الشرق الأوسط عبر الطرق السياسية، مشيرا إلى اتفاق مارس 2023 بين السعودية وإيران في الصين، والذي نتج عنه استئناف العلاقات بين البلدين. وأكد أن هذا يدل على التأثير الإيجابي للصين ورؤيتها في خلق استقرار سياسي يقود إلى نمو اقتصادي.
أما خالد الحروب، فأوضح أن الصين حافظت على موقف حيادي ومتوازن في النزاعات الإقليمية، مما منحها قدرة على لعب دور الوسيط بين الأطراف المختلفة. وقال إن الصين تبذل جهودًا حقيقية لدعم الحلول السياسية للنزاعات الإقليمية، تشجع دائمًا الحوار والتفاوض بين الأطراف المختلفة، وتؤمن بأن الحلول المستدامة تأتي من الاتفاقيات السياسية المبنية على تفاهم متبادل.
وتوقع أيضا أن يتعاظم دور الصين في المنطقة خلال السنوات القادمة، مؤكدًا أن الصين تمتلك القدرة على تقديم مبادرات جديدة للسلام، خصوصًا في الملفات المعقدة.
وأوضح خالد الحروب أن "المشاركة الصينية في تسوية النزاعات الإقليمية تساهم في الحد من الأزمات الدولية، وتقلل من احتمالية تحول الصراعات إلى صراعات كبرى تؤثر على الأمن العالمي".
وقال إن "هذا الدور يجعل الصين شريكًا موثوقًا للمجتمع الدولي، ويساعد على بناء نظام دولي أكثر توازنًا واستقرارًا"، مشيرا إلى أن الدبلوماسية الصينية القائمة على الحوار، والتوازن، واحترام مصالح جميع الأطراف تمثل نموذجًا يمكن للدول الأخرى الاستفادة منه، وتمهد الطريق لمزيد من الاستقرار والتنمية في المنطقة خلال السنوات المقبلة.
وأعربت هبة عباس عن ثقتها بأن المستقبل يحمل فرصًا كبيرة للعلاقات العربية-الصينية، وللشراكات الخليجية-الصينية تحديدًا، وأن استمرار هذا المسار سيقود إلى تعاون أكثر نضجًا وشمولًا يخدم التنمية والاستقرار في المنطقة والعالم.






