(وسائط متعددة) تقرير سنوي: لبنان وسوريا والعراق بين مطرقة التحولات السياسية وسندان الضغوط الأمنية والاقتصادية

(وسائط متعددة) تقرير سنوي: لبنان وسوريا والعراق بين مطرقة التحولات السياسية وسندان الضغوط الأمنية والاقتصادية

2025-12-24 00:05:15|xhnews
في الصورة الملتقطة يوم 14 مارس 2025، ماكينة تنظف أنقاض المنازل التي دمرتها إسرائيل في بلدة الخيام في لبنان. (شينخوا)

بيروت 23 ديسمبر 2025 (شينخوا) أجمع محللون من دول المشرق العربي في لبنان وسوريا والعراق على اختلاف مقارباتهم، بأن العام 2025، كان عاما للتحولات وتصاعد للمخاطر وتراكم للضغوط في بلدانهم بما يضيق قرارها الوطني.

وأوضح المحللون في توقعاتهم للعام المقبل خلال مقابلات مع وكالة أنباء ((شينخوا))، أن الاستقرار يبدو مؤجلا، وسط أزمات وضغوط في البلدان الثلاث، ووجود سلاح خارج المؤسسات الرسمية، والتدخلات الخارجية، والاقتصاد المشروط، مودعا أياها في بيئة إقليمية غير مستقرة مفتوحة على كل احتمالات الاحتواء أو الانزلاق إلى الأسوأ.

وفي هذا السياق، تكشف المقاربات إلى أن أزمات دول لبنان وسوريا والعراق هي أزمات متصلة، صحيح أنها متعددة الوجوه، لكنها غير منفصلة وتترافق معها في وقت واحد ضغوط أمنية واقتصادية تطبق عليها في حالة ضغط متكاملة.

-- لبنان بين حصرية السلاح والتجاذبات الإقليمية

يواجه لبنان مرحلة مفصلية تتقاطع فيها الاستحقاقات الأمنية مع الضغوط السياسية والدبلوماسية الإقليمية والدولية، في ظل قرار الحكومة حصر السلاح بيد الدولة، وتكليف الجيش وضع خطة لتنفيذه قبل نهاية العام 2025.

ووسط المسار الدبلوماسي التفاوضي الذي يتبناه لبنان ومخاطر التصعيد الإسرائيلي بالحرب، يرفض (حزب الله) توسيع حصرية السلاح خارج جنوب الليطاني مشترطا لمناقشته مع الحكومة في سياسة البلاد الدفاعية، انسحاب إسرائيل من النقاط المحتلة في الجنوب.

وفي فرص تنفيذ القرار وانعكاساته على الاستقرار، يبدو وفق آراء للمحلل السياسي والدبلوماسي جورج علم والكاتب والمحلل سمير منصور، أن مستقبل لبنان يبقى رهينة توازنات إقليمية ودولية معقدة، وأن قرار حصر السلاح يشكل مفتاحا لأي استقرار سياسي أو اقتصادي.

ورأى جورج علم أن "قرار حصر السلاح حمل بعدا سياديا في سياق التداعيات، التي نتجت عن انخراط (حزب الله) في الصراع الإقليمي وتحول لبنان إلى ساحة مواجهة مفتوحة".

وأكد أن خيار الدولة لتنفيذ القرار يمر عبر المسار السياسي والدبلوماسي، وليس العسكري، نظرا لحساسية الوضع الداخلي وحرص الجيش اللبناني على تجنب أي صدام داخلي.

واعتبر أن الجيش اللبناني برغم خطواته الميدانية لحصر السلاح جنوب الليطاني، يفتقر إلى الإمكانات المالية والعسكرية الكافية، ما يجعل نجاح الخطة مرتبطا بالمساعدات الخارجية وبالتفاهمات الدولية، ولا سيما الموقف الأمريكي.

من جهته، لاحظ سمير منصور مؤشرات مقلقة باستمرار احتلال إسرائيل لأراض لبنانية ومواصلتها الغارات يوميا على لبنان في ظل تهديدات إسرائيلية مدعومة أمريكيا، منبها بأن التهديدات الإسرائيلية وعدم حصر السلاح سينعكس سلبا على الأمن والسياسة والاقتصاد.

-- الرصيد في "السلة الأمريكية"

وذهب جورج علم إلى اعتبار أن "لبنان يفتقر إلى سياسة خارجية فاعلة لانعدام عناصر القوة لديه، ولبقائه عالقا بين النفوذ الإيراني والضغط الأمريكي - الإسرائيلي"، كما رأى أن الدولة اللبنانية وضعت رصيدها في "السلة الأمريكية"، ما يجعل دور لبنان مرهونا بما يرسم له في إطار "الشرق الأوسط الجديد"، على حد قوله.

في المقابل، أشار سمير منصور إلى أن بيروت تكثف تحركاتها الدبلوماسية لاحتواء التهديدات الإسرائيلية بالحرب، مؤكدة تمسكها باتفاقية الهدنة لعام 1949 ورفضها أي مسار سلام في المرحلة الراهنة.

ولفت في هذا الصدد إلى أهمية الدعم الفرنسي والخليجي، وإلى تحسن العلاقات مع سوريا، في ظل تعهدات الإدارة السورية الجديدة باحترام سيادة لبنان وعدم التدخل في شؤونه.

واستبعد جورج علم إمكانية تحول اتفاق وقف العمليات العدائية بين لبنان وإسرائيل إلى اتفاق سلام، مشددا على أن الانقسام الداخلي اللبناني يعمق مأزق الخيارات، فيما أشار سمير منصور في الحديث عن السلام إلى تمسك لبنان بالحل الشامل المرتبط بقيام الدولة الفلسطينية وعودة اللاجئين.

-- العلاقة اللبنانية - السورية   

واعتبر سمير منصور أن علاقة لبنان وسوريا دخلت مرحلة جديدة، عنوانها التطبيع وضبط الحدود ومعالجة الملفات العالقة، مع إعادة النظر في الاتفاقيات السابقة، في ظل أداء سوري جديد يتسم بالبراغماتية.

ورأى علم أن "التحولات في سوريا، ورفع العقوبات، كلها عوامل ستنعكس على موازين القوى في لبنان، ضمن مسار ترسمه واشنطن بالتنسيق مع حلفائها خصوصا، وأن لبنان وسوريا وضعا رهانهما على المسار الأمريكي".

واتفق المحللان علم ومنصور على أن أي دعم مالي أو إعادة إعمار للبنان يبقى مشروطا بحصر السلاح وبالإصلاحات المالية والإدارية، ولفت علم إلى أن المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، تعثرت بسبب بطء الإصلاحات، فيما شدد منصور على أن مدخل النهوض الاقتصادي يتمثل بإقرار القوانين الإصلاحية واستعادة الثقة الدولية.

في الصورة الملتقطة يوم 23 مارس 2025، متسوقون يشترون حلوى ملونة وسلعا تقليدية في سوق البزورية التاريخي في العاصمة السورية دمشق. (شينخوا)

-- سوريا ومسار الاستقرار

بعد مرور عام على التغييرات الجذرية التي شهدتها سوريا، ما تزال الأسئلة مطروحة بقوة حول الاستقرار وأمن المجتمع وشكل الدولة المقبلة.

وفي هذا الصدد، تتقاطع رؤيتان متباينتان للمحللين السوريين علي يوسف وفراس علاوي لـ((شينخوا))، بأن سوريا تقف عند مفترق بين مسار تدريجي نحو استقرار يراه علاوي، ومخاطر فوضى وانقسامات داخلية يحذر منها يوسف، وذلك في وقت تراهن فيه الإدارة السورية على الاستقرار من خلال منطق الدولة وتحقيق الأمن وإطلاق إصلاحات حقيقية مع التموضع إقليميا ودوليا ضمن شبكة علاقات متوازنة.

-- الآفاق السياسية والأمنية

وقد لفت يوسف إلى محاذير تتعارض والاستقرار في سوريا، وبينها "أشكال اقتتال داخلي والاصطفافات الإثنية والطائفية"، وتأثيرات الدورين الإسرائيلي والأمريكي في "خلط الأوراق السورية"، على حد تعبيره.

واعتبر علاوي أن ما بعد الأزمة "يفرض مرحلة انتقالية غير مستقرة، إلا أن الخطوات التي اتخذت تسير باتجاه الاستقرار"، مشيرا إلى إجماع دولي وإقليمي على استقرار سوريا و نهوضها الاقتصادي.

وفي السياق شدد يوسف، على أن أي ضمان للأمن يبدأ بتجريم خطاب الكراهية وتطبيق المساءلة القانونية، في حين اعتبر علاوي، أن الحكم الجديد قادر على ضمان أمن المواطنين والأقليات عبر تشريعات تكفل المواطنة المتساوية، وسحب السلاح المنفلت، وتحقيق العدالة الانتقالية، متوقعا وقوع خروقات محدودة مع "تركيز دولي على تعزيز الاستقرار في سوريا لمنع عودة تنظيم (داعش)".

وشدد علي يوسف، على أن الإصلاحات الاقتصادية الشاملة تبقى رهينة الاستقرار الأمني، إذ لا يمكن جذب الاستثمارات في ظل المخاطر، معتبرا أن سن تشريعات اقتصادية متوافقة مع المعايير الدولية يشكل مدخلا للنهوض الاقتصادي.

بدوره، أكد علاوي أن توفير بيئة قانونية واقتصادية مستقرة، وتشجيع التكامل الاقتصادي الإقليمي، كفيل بإنتاج اقتصاد صلب، يحد من البطالة والهجرة ويعزز الاستقرار الاجتماعي.

-- العراق بين الضغوط وحفظ الاستقرار     

مع تصاعد التحولات الإقليمية، بات العراق أمام معادلة معقدة تقوم على إدارة حذرة لعلاقاته الإقليمية والدولية، مع معالجة التحديات الداخلية والحفاظ على الاستقرار، بمعالجة ملف الفصائل المسلحة إلى جانب إصلاحات أمنية واقتصادية.

وبين الحذر من ارتدادات المشهد السوري، ومحاولات التنسيق مع الجوار، تبقى قدرة العراق على تثبيت الاستقرار مرهونة بترسيخ مؤسسات الدولة.

في هذا الإطار، عرض لـ ((شينخوا)) كل من الخبير العراقي ياسر مطلق، رئيس مؤسسة فواصل للبحوث والدراسات، والباحث العراقي علي موسى المحمود من مركز الرفد للإعلام والدراسات الاستراتيجية، قراءتين متقاطعتين لموقع العراق وخياراته في المرحلة المقبلة.

وأشار مطلق إلى أن العراق يراقب التطورات السورية بحذر شديد، نظرا لطول حدوده المشتركة وتشابك مصالحه الأمنية والاقتصادية مع دمشق.

ولفت إلى أن "بغداد تخشى من انعكاسات أي انفلات أمني في سوريا، سواء لجهة تنشيط شبكات التهريب أو تسلل جماعات مسلحة عابرة للحدود، في ظل وجود فصائل عراقية مرتبطة بمحاور إقليمية مختلفة".

من جانبه، رأى المحمود أن ملف الفصائل المسلحة يشكل أحد أبرز التحديات أمام الدولة العراقية، حيث "تواجه الحكومة ضغوطاً أمريكية متزايدة لنزع سلاح هذه الفصائل، في مقابل رفضها التخلي عن سلاحها بدعم من قوى إقليمية، ما يضع بغداد في موقع بالغ الحساسية".

وأشار إلى أن "بعض الفصائل تمتلك نفوذا سياسيا ونيابيا، إلى جانب قوتها العسكرية وعلاقاتها الوثيقة مع إيران، الأمر الذي يجعل أي خطوة غير محسوبة قابلة لإحداث تداعيات خطيرة على الاستقرار الداخلي، خاصة في حال توسع المواجهة الإقليمية".

أما مطلق، فرأى أن "العراق يحاول الحفاظ على دور معتدل عبر الموازنة بين متطلبات السيادة وضغوط الخارج، لتجنب تحوله إلى ساحة صراع مفتوحة بين المحاور".

-- الآفاق السياسية والأمنية والتحديات الاقتصادية

وتوقع ياسر مطلق استقرارا سياسيا نسبيا في العراق، إذا نجحت القوى الكبرى في بناء توازنات داخلية بعد الانتخابات، محذرا من أن الضغوط الاقتصادية قد تزيد من الاحتقان الإجتماعي، فيما يبقى الوضع الأمني هشا في ظل استمرار نشاط الفصائل خارج إطار الدولة.

ورجح المحمود في المقابل أن "تتجه الأوضاع نحو التسويات بفعل ضغط الواقع الداخلي، ودور اللاعبين الدوليين القادرين على فرض معادلات جديدة".

وحول الانتخابات البرلمانية، رأى مطلق أنها يمكن أن تسهم في انتاج حكومة تلتزم بخارطة طريق إصلاحية، فيما اعتبر المحمود أنه إذا لم تخرج الانتخابات عن سياق المحاصصة الطائفية والحزبية، فإن أوضاع العراق قد تسير إلى ما لا يحمد عقباه.

ورأى مطلق أن مواجهة التحديات الاقتصادية تتطلب إصلاحات هيكلية عميقة، تشمل تحديث أنظمة الضرائب والجمارك وتعزيز الشفافية والحوكمة المالية وإصلاح القطاع المصرفي ومكافحة الفساد، بما يتيح جذب الاستثمارات والاستفادة من فرص إعادة الإعمار.

وينسجم هذا الطرح مع رؤية المحمود الذي يؤكد ضرورة اختيار كفاءات وتكنوقراط لإدارة الملف الاقتصادي، مع إحياء الصناعة المحلية وتنشيط التبادل التجاري مع دول الجوار، بما يحقق قدراً من التكامل الاقتصادي.

وأجمع المحللان على أن إعادة الإعمار وتحسين البنية التحتية تمثلان ركيزة أساسية للاستقرار، عبر خلق فرص عمل وإعادة الثقة بالمؤسسات.

وشددا فيما يخص التهريب والنزوح، على أهمية استخدام تقنيات المراقبة الحديثة وتعزيز التعاون الحدودي، وتبادل المعلومات الاستخباراتية.

ورأى مطلق أن بغداد تحاول في سياستها الخارجية موازنة علاقاتها بين واشنطن وطهران مع التركيز على تعزيز سيادة القرار الوطني، ملاحظا سعي دمشق إلى إعادة بناء علاقاتها الإقليمية والدولية، في حين تبقى السياسة الخارجية اللبنانية رهينة توازنات داخلية متقلبة.

في الصورة الملتقطة يوم 11 نوفمبر 2025، مسؤولو الانتخابات يفرزون الأصوات في مركز اقتراع في بغداد، العراق. (شينخوا)

-- لبنان وسوريا والعراق في مواجهة التحديات الإقليمية

شهدت منطقة دول المشرق العربي في العام 2025 سلسلة تطورات متدحرجة استفاد منها المحور الأمريكي - الإسرائيلي، في محاولة تنفيذ رؤيته في إطار إعادة رسم النفوذ الدولي الإقليمي وفرض إدارة أمريكية إسرائيلية لوجهات السياسة والأمن في دول مأزومة داخليا، وضعيفة مؤسساتيا، وتتعايش فيها الدولة مع قوى موازية.

المحللان اللبنانيان جورج علم وسمير منصور تناولا مسألة التعاون الأمني بين لبنان وسوريا والعراق، بوصفها جزءا من مشهد إقليمي أوسع تحكمه الضغوط الأمريكية الإسرائيلية.

ورأى علم أن الدول الثلاث تحاول وفق ظروف كل منها الخروج من دائرة الهيمنة الإقليمية، إلا أن الخشية تكمن في الوقوع تحت هيمنة تقودها الولايات المتحدة وإسرائيل، اللتان تتحكمان راهنا بمفاصل حيوية.

وفيما يخص التعاون الأمني، أكد علم أن التنسيق القائم بين الدول الثلاث يقتصر على ملفات محددة، أبرزها مكافحة الإرهاب وشبكات المخدرات والتهريب، ويتم ذلك بدعم وإشراف أمريكي.

بدورهما، اتفق المحللان السوريان على أن التهديدات العابرة للحدود، وفي مقدمتها تنظيم ((داعش)) ، تشكل دافعا رئيسا لتنسيق الجهود بين سوريا ولبنان والعراق.

واتفق يوسف مع علاوي أن إسرائيل تشكل عاملا مشتركا في حسابات الدول الثلاث، لكن من دون  بلورة استراتيجية مشتركة للتعامل معها.

من جهتهما، توافق المحللان العراقيان على أن التنسيق بين العراق ولبنان وسوريا، تحكمه دوافع أمنية واقتصادية مشتركة في مقدمتها الإرهاب وضبط الحدود.

ولاحظ ياسر مطلق مؤشرات على تنام عراقي/ سوري في التنسيق الأمني، تجلت في لقاءات بين أجهزة أمنية وعسكرية في بغداد ودمشق.

واعتبر مطلق أن الصراع بين حزب الله وإسرائيل يشكل عاملا مركزيا في معادلة عدم الاستقرار على مستوى الإقليم، إذ إن أي تصعيد بين إسرائيل و"محور المقاومة" ينعكس تلقائيا على بغداد ودمشق، مشددا على أن التنسيق الأمني بين الدول الثلاث يكتسب أهمية مضاعفة لمنع انتقال الأزمات عبر الحدود، وضبط التهديدات العابرة للدول.

الصور