طوكيو 24 يوليو 2015 (شينخوا) إن الصرخة العامة وما تلاها من تراجع في معدل تأييد رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي وإدارته عقب تمرير مشروعات القوانين الأمنية المثيرة للجدل في مجلس النواب الأسبوع الماضي، كشفا أن آبي قرر دفع تمرير مشروعات القوانين في عملية تصويت بالأغلبية قام بها حزبه إنطلاقا من علمه بأن الجماهير لن تقبلها على الإطلاق بغض النظر عن عدد الساعات التي أنفقت في مناقشتها.
ووصفت مصادر مطلعة على هذا الأمر تحرك آبي أحادي الجانب بأنه علامة على "خيبة أمل" آبي إزاء جماهير يتنامي لديها وعي أكبر بالاتجاه ذي النزعة العسكرية الذي يحاول زعيمها دفع بلادها إليه -- وهو اتجاه قوبل بالرفض اجتماعيا ودستوريا على مدار السنوات الـ70 الماضية منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية.
وبرز مثل هذا الوعي في عدد من المظاهرات المدنية رفيعة المستوى التي أقيمت حول مبنى الدايت الوطني والتي وصلت بعض أعدادها إلى رقم لم يشهد منذ مظاهرات الطلاب في ستينات القرن الماضي حيث تضخم عدد المشاركين فيها ليتجاوز 100 ألف قبل يوم من دفع تمرير مشروعات القوانين المثيرة للجدل في مجلس النواب، في علامة واضحة على أن آبي تسبب في نفور ناخبيه لأنه لم يوضح لهم على النحو الكافي أنه إذا ما سن مجلس الشيوخ (مجلس المستشارين) هذه التشريعات الأمنية ، فإنها ستسمح لقوات الدفاع الذاتي اليابانية بالقيام بدور أكثر اتساعا مع حلفائها في الخارج بما في ذلك أدوار على المسارح النشطة.
لقد تحدث آبي باستمرار عن مناخ أمني متغير في منطقة آسيا - الباسيفيك باعتباره أحد الأسباب التي تجعل اليابان في حاجة إلى تعزيز قوتها العسكرية في محاولة للتأثير على الرأى العام، ولكن الزعيم الياباني بالغ في تقدير الدعم الذي يحصل عليه من الجماهير بعد إعادة تفسيره أحادية الجانب للدستور من أجل صياغة مشروعات القوانين الأمنية هذه وقبل دفعه تمرير مشروعات القوانين لتأسيس مجلس للأمن القومي وسن قانون للأسرار الخاصة، وكلاهما يلقى معارضة شديدة من الجماهير.
وكشف أحدث استطلاع للرأى أن معدل تأييد حكومة آبي تراجع بواقع 37 في المائة، وهو أدني مستوى له منذ توليه مهام منصبه في أواخر عام 2012 وعقبة ضخمة أمام عملية سن سلسلة من مشروعات القوانين الأمنية في مجلس الشيوخ في جلسة الدايت الموسعة التي ستعقد قبل نهاية سبتمبر.
وقد صرح لوران سينكلير المتخصص في أبحاث شؤون منطقة آسيا الباسيفيك لـ((شينخوا)) "لقد أدركت الجماهير اليابانية أخيرا مدى تلاعب آبي عندما يتعلق الأمر بالسياسات والقوانين التي يعتقد أنها ينبغي أن تمضى قدما. ونحن على يقين الآن بأنه أكد لواشنطن أن التشريعات الأمنية الحالية ستمضى قدما، حتى قبل أن تبدأ جديا النقاشات الحزبية حول مشروعات القوانين المثيرة للخلاف هذه، وفي فرضية وقحة بأن الشعب الياباني سيسقط في الفخ ويقبل أي اتجاه يقرر آبي أنه الأفضل للبلاد مهما كان".
وأضاف "ولكن بالنسبة لآبي، فقد آتي ذلك بنتائج عكسية هائلة حيث أوضحت الجماهير الآن أنها لا توافق على تحركات آبي أحادية الجانب، وخاصة تلك المتعلقة بالمادة رقم 9 من الدستور الياباني ومحاولات آبي لتجويفها. ويمكنهم رؤية احتمالية حدوث المزيد من محاولات إعادة التفسير في المستقبل والتي يمكنها أن تجلب تهديد الحرب الحقيقي إلى عتبة اليابان أو تؤدى كحد أدنى إلى سقوط قتلى بين أفراد قوات الدفاع الذاتي أثناء قيامهم بأدوار خارج البلاد غير معنيين بها".
ومضى سينكلير في حديثه موضحا أنه انطلاقا من شعور مختلط غريب "باليأس والواجب"، سعى آبي وإدارته في الأيام الأخيرة إلى كسب المزيد من الدعم الجماهيري وهكذا يسهل تحويل مشروعات القوانين إلى قوانين في مجلس الشيوخ بعدد من الطرق "الميكافيلية" بما فيها إرضاء الجماهير بالسقطة المتعلقة باستضافة طوكيو الألعاب الأولمبية لعام 2020 وفي الوقت نفسه المبالغة في التهديد المفترض لأحد أقرب الجيران لليابان لتبرير المشروعات الأمنية محل الشك.
وأشار إلى أن "اليابانيين يساورهم قلق شديد من أن تنتقل الديون التي ستنجم عن استضافة الألعاب إليهم عبر حكومة بلدية طوكيو وألا تتعامل معها الحكومة المركزية التي تعاني بالفعل من دينها الثقيل".
وذكر بعض المحللين أن آبي، في مواجهة تضاؤل الدعم الجماهيري نتيجة سقطة استضافة الألعاب، قرر تحويل انتباهه إلى "ثقافة الخوف" التي يعمل على إذكائها منذ عودته إلى منصبه مجددا في عام 2012. وإذا ما استطاع أن يقنع الجماهير بأن اليابان تحت التهديد ويخلق قدرا كافيا من القلق والخوف في المجتمع، فإن مشروعات القوانين الأمنية التي يدعمها، والتي ينظر لها حاليا على أنها مثيرة للخلاف، سينظر لها على أنها شر لابد منه لحماية الأمة.
وقال سينكلير إنه "بغض النظر عما قد يكون أو قد لا يكون عليه الوضع الفعلي في الصين، فإن حديث اليابان عما وصفته بأنه تطوير الصين أحادي الجانب لحقول الغاز في بحر الصين الشرقي يأتي في أعقاب إصدار الكتاب الأبيض حول الدفاع لعام 2015، وهذا بوضوح تحرك محسوب لإثارة التوترات ومواصلة إثارة ضجيج (التهديد الصيني)، ويتعلق بشكل أكبر بسعي إدارة آبي إلى تشويه سمعة الصين في محاولة لحشد التأييد المتضائل من جماهير تساورها الشكوك، ويصب في صميم تحركاته الرامية إلى صنع إرث تجاه إعادة التسليح".
وذكر في الختام "يمكن القول باختصار إن توقيت الحملة الأخيرة من إثارة ضجيج (التهديد الصيني)، التي تأتي بعد أقل من أسبوع على دفع تمرير مشروعات القوانين الأمنية في مجلس النواب ضد إرادة الجماهير، بعيد كل البعد عن إمكانية القول أنه جاء على سبيل الصدفة. فمع آبي، لا مجال للصدف".