الصفحة الأولى > الصين

كلمة الرئيس الصيني شي جين بينغ في المناقشة العامة للدورة السبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة

18:57:10 28-11-2015 | Arabic. News. Cn

العمل معا لبناء شراكة جديدة قائمة على تعاون الفوز المشترك وبناء مجتمع المستقبل المشترك للبشرية

كلمة في المناقشة العامة للدورة السبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة

(28 سبتمبر 2015، نيويورك)

شي جين بينغ، رئيس جمهورية الصين الشعبية

 

السيد الرئيس،

الزملاء الأعزاء،

قبل سبعين عاما، ناضل جيل سابق وحقق النصر في حرب مقاومة الفاشية، فطويت صفحة مظلمة من تاريخ البشرية، وكان ثمن هذا الانتصار باهظا.

قبل سبعين عاما، أسس ذلك الجيل ببصيرة ثاقبة الأمم المتحدة. لقد حملت هذه المنظمة الدولية ذات العمومية الكبرى، والتمثيل الواسع، والسلطات الكبرى تطلعات البشرية إلى مستقبل جديد، وبشرت بحقبة جديدة من التعاون. وكان ذلك مبادرة رائدة غير مسبوقة.

قبل سبعين عاما، جمع ذلك الجيل حكمته معا، وتم تبني ميثاق الأمم المتحدة، ما أرسى أسس النظام الدولي الجديد ووضع المبادئ الأساسية للعلاقات الدولية المعاصرة. كان ذلك إنجازا ذا تأثير عميق.

السيد الرئيس،

الزملاء الأعزاء،

في الثالث من سبتمبر، احتفل الشعب الصيني بمهابة مع سائر شعوب العالم بالذكرى السنوية السبعين لانتصار الشعب الصيني في حرب مقاومة العدوان الياباني والحرب العالمية ضد الفاشية. إن الصين، باعتبارها المسرح الرئيسي للحرب في الشرق، قدمت تضحيات بلغت 35 مليون فرد في حربها ضد القوات الرئيسية للعسكرية اليابانية. الصين لم تنقذ نفسها وشعبها فقط من الاستعباد، وإنما أيضا قدمت دعما قويا للقوات التي كافحت العدوان في الساحة الأوروبية وساحة المحيط الهادئ، فقدمت بذلك مساهمة تاريخية لتحقيق الانتصار النهائي في الحرب العالمية لمكافحة الفاشية.

التاريخ مرآة. فقط من خلال استخلاص الدروس من التاريخ يمكن للعالم أن يتجنب تكرار فاجعة الماضي. ينبغي أن ننظر إلى التاريخ بخشوع واحترام، ومن خلال منظور الضمير الإنساني. لا يمكن للماضي أن يتغير، ولكن المستقبل يمكن صياغته. إن حمل التاريخ في العقول ليس تكريسا للكراهية، وإنما الغرض منه هو التيقن من أن البشر لا ينسون دروسه. إن تذكر التاريخ لا يعني الهوس بالماضي، وإنما نحن بفعل ذلك نهدف إلى خلق مستقبل أفضل، ونقل شعلة السلام من جيل إلى جيل.

السيد الرئيس،

الزملاء الأعزاء،

لقد واجهت الأمم المتحدة اختبارات عديدة في السنوات السبعين الماضية. شهدت جهودا بذلتها كل الدول من أجل حماية السلام وبناء أوطانها والسعي إلى التعاون. إن الأمم المتحدة، وقد وصلت إلى نقطة بداية تاريخية جديدة، عليها التصدي للقضية المركزية، ألا وهي كيفية تعزيز سلام وتنمية العالم في القرن الحادي والعشرين.

يشهد العالم حاليا تطورات تاريخية متسارعة. وإن السلام والتقدم والتنمية عوامل كافية للقضاء على الحرب والفقر والتخلف. إن التحرك نحو عالم متعدد الأقطاب وصعود الأسواق الناشئة والدول النامية صار اتجاها لا يقاوم للتاريخ. لقد أدت العولمة الاقتصادية والمعلوماتية الاجتماعية إلى إطلاق وتعزيز قوى اجتماعية منتجة جديدة، وخلق فرص تنمية غير مسبوقة، بينما أدت إلى تهديدات وتحديات جديدة ينبغي أن نواجهها بشكل مباشر.

يقول مثل صيني قديم: "الهدف الأعظم هو أن تخلق عالما يتشارك فيه الجميع حقا." السلام والتنمية والإنصاف والعدالة والديمقراطية والحرية مبادئ مشتركة للبشرية جمعاء، وهي الأهداف السامية للأمم المتحدة. ما زالت تلك الأهداف بعيدة المنال حتى الآن، ومن ثم ينبغي أن نواصل جهودنا. في عالم اليوم، علينا أن نجدد التزامنا بمقاصد وأهداف ميثاق الأمم المتحدة، وأن نبني نموذجا جديدا للعلاقات الدولية يقوم على التعاون المتبادل المنفعة وأن نخلق مجتمعا تتقاسم فيه البشرية المستقبل. ولتحقيق تلك الغاية، ينبغي أن نوجه جهودنا على النحو التالي:

- ينبغي أن نبني شراكات تعامل فيها الدول بعضها بعضا على أساس المساواة والانخراط في مشاورات وإبداء الفهم المتبادل. إن مبدأ المساواة في السيادة هو أساس ميثاق الأمم المتحدة، ينبغي أن ترسم كافة الدول مستقبل العالم. كل الدول متساوية. لا ينبغي للدول الكبيرة والقوية والثرية أن تفرض سلطتها على الدول الصغيرة والضعيفة والفقيرة. إن مبدأ السيادة لا يقتصر على فكرة أن سيادة ووحدة أراضي الدول لا تنتهك وأن الشؤون الداخلية لا تكون عرضة للتدخل. إنها تعني أيضا أن كافة الدول لها الحق في أن تختار نظمها الاجتماعية ومسارات تنميتها. ذلك الحق يجب التمسك به، ويجب احترام مساعي كافة الدول لتعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية وتحسين مستويات معيشة شعوبها.

- ينبغي أن نلتزم بالتعددية ونرفض الأحادية؛ ينبغي أن نتبنى الرؤية الجديدة بالسعي إلى الفوز الثنائي والفوز المشترك ونتائج إيجابية للجميع، وأن ننبذ العقلية القديمة المتمثلة في أن مكسب طرف يعني خسارة طرف آخر، أو أن الرابح يأخذ كل شيء. إن التشاور شكل هام للديمقراطية، وينبغي أن يكون أيضا سبيلا هاما لممارسة الحوكمة الدولية المعاصرة. ينبغي أن نحل النزاعات والخلافات من خلال التحاور والتشاور. ينبغي أن نصوغ شراكة عالمية على المستويين الدولي والإقليمي، وأن نتبنى مقاربة جدية للعلاقات بين الدول "تتسم بالحوار وليس المجابهة، وتسعى للشراكة بدلا من التحالف". ينبغي على الدول الكبيرة أن تتبع مبادئ نبذ الصراعات ونبذ المجابهة والاحترام المتبادل وتعاون المنفعة المتبادلة في معالجة علاقاتها. على الدول الكبيرة أن تعامل الدول الصغيرة على قدم المساواة، وأن تتبنى نهجا أخلاقيا وتضع الإنصاف والعدالة قبل مصالحها.  

- ينبغي علينا أن نقيم هيكلا أمنيا يتسم بالعدالة والإنصاف والمصالح المشتركة. في عصر العولمة الاقتصادية، فإن أمن كافة الدول مترابط ولا يستطيع أي بلد أن يحافظ على أمنه بجهده فقط ولا يمكن لأي بلد أن يحصل على الاستقرار على حساب استقرار البلدان الأخرى. إن مبدأ "الضعيف فريسة القوي" هو شريعة الغاب، ليس سبيلا مقبولا في العلاقات الدولية. ومن يلوذ إلى القوة بكل غطرسة سيرى أنه يرفع حجرا يقع على قدمه.

ينبغي علينا أن نتخلى عن عقلية الحرب الباردة بكل ظواهرها وأشكالها، ونبني الرؤية الجديدة القائمة على الجهود المشتركة والشاملة والتعاون والأمن المستدام. كما ينبغي علينا أن نؤكد على محورية الأمم المتحدة ومجلس أمنها في إنهاء النزاعات والحفاظ على السلام، وعلينا أن نسوي النزاعات عبر السبل السلمية والإجراءات القسرية معا، لتحويل العداء إلى صداقة. علينا أن ندفع التعاون الدولي في المجالين الاقتصادي والاجتماعي لانتهاج نهج متكامل في سبيل مواجهة التهديدات التقليدية وغير التقليدية والوقاية من ويلات الحرب.

- ينبغي علينا أن نسعى لتحقيق تطلعاتنا للتنمية المتصفة بالانفتاح والإبداع والتسامح والمصالح المشتركة. علمتنا الأزمة الاقتصادية العالمية في عام 2008 بأن ترك رؤوس الأموال وشأنها لتسعى إلى تحقيق الربح إنما سيولد أزمات جديدة. لا يمكن للسوق التي تفتقر إلى الأخلاق أن تدعم تنمية وازدهار العالم. ولا يمكن أن يستمر التفاوت بين الأغنياء والفقراء، وذلك يتناقض مع العدل والإنصاف. علينا أن نستخدم "اليد الخفية" و"اليد المكشوفة" لتحقيق التفاعل بين قوة السوق ودور الحكومة والسعي إلى تحقيق الفعالية والإنصاف في آن واحد.

لن تكون التنمية مجدية إلا إذا كانت شاملة ومستدامة. ومن أجل تحقيق هذا الهدف، هناك حاجة للانفتاح والمساعدة المتبادلة والتعاون على أساس مصلحة الجميع. ما زال حوالي ثمانمائة مليون شخص يعيشون اليوم في حالة من الفقر المدقع، ويموت حوالي ستة ملايين طفل دون الخامسة كل سنة، وحوالي ستين مليون طفل في العالم لا يذهبون إلى المدارس. لقد اعتمدت قمة التنمية المستدامة للأمم المتحدة التي اختتمت مؤخرا أجندة تنمية لما بعد 2015، ولا بد من ترجمة هذه الالتزامات إلى أفعال وأن نعمل معا لإتاحة الفرص للجميع للتنمية والعيش الكريم في المستقبل.

- ينبغي علينا أن نعزز التبادل بين الحضارات على أساس تحقيق الوئام واحترام الاختلافات وأن يتعلم كل منا من الآخر. فالعالم أجمل بتنوعه الثقافي، وهذا التنوع يؤدي إلى التبادل، والتبادل يحمل في طياته الامتزاج، والامتزاج يلد التقدم.

تعامل الحضارات يحتاج إلى روح الوئام واحترام الاختلافات والتعلم من ميزات الحضارات. ولا يمكن للعالم أن يحافظ على التنوع الثقافي والازدهار إلا عن طريق الاحترام المتبادل والتعلم من بعضنا البعض والتعايش المتناغم. تتبلور في الحضارات المختلفة الحكمة والمساهمات من قبل الأمم المختلفة، ولا يوجد تفوق لبعض الحضارات على الأخرى. على الحضارات المختلفة أن تتحاور، لا يتنافى بعضها مع بعض، وأن تتبادل فيما بينها، بدلا من أن تستبدل أي منها الأخرى. التاريخ البشري مسيرة من التفاعل والتكامل والاندماج، وعلينا أن نحترم تنوع الحضارات ونتعامل على قدم المساواة ونتعلم بعضنا من البعض، ونستفيد من ميزات الحضارات، في سبيل دفع التنمية المبتكرة للحضارة البشرية.

- وينبغي أيضا أن نبني نظاما إيكولوجيا يعطي الأولوية للطبيعة والتنمية الخضراء. فالبشرية تستطيع أن تستغل الطبيعة وأن تحولها، لكننا جزء من هذه الطبيعة. وينبغي أن نرعاها ولا نضع نفسنا فوقها. علينا علاج التناقض بين التنمية الصناعية والطبيعة بطريقة سليمة، ونسعى إلى التعايش المتناغم بين البشر والطبيعية ونحقق التنمية المستدامة للعالم والتنمية الشاملة للإنسان.

بناء الحضارة الإيكولوجية هام لمستقبل البشرية. على المجتمع الدولي أن يتعاون معا لشق طريق لبناء الحضارة البيئية العالمية وبناء الوعي لاحترام الطبيعة وطاعتها وحمايتها، والمثابرة على السير في طريق الاقتصاد الأخضر والدوري والانبعاثات الكربونية المنخفضة والتنمية المستدامة. سوف تقوم الصين بمسؤوليتها وبدورها، كما أنها ستواصل المساهمة في هذه المساعي المشتركة، وتحث الدول المتقدمة على تحمل مسؤوليتها التاريخية والوفاء بالتزاماتها بتخفيض الانبعاثات ومساعدة البلدان النامية على التكيف مع تغير المناخ وتخفيف أثره.

السيد الرئيس،

الزملاء الأعزاء،

يعمل أكثر من مليار وثلاثمائة مليون صيني على تحقيق الحلم الصيني المتمثل في النهضة العظيمة للأمة الصينية. يرتبط هذا الحلم الصيني ارتباطا وثيقا بأحلام شعوب العالم. ولا يمكن تحقيق الحلم الصيني بدون بيئة دولية سلمية ونظام دولي مستقر، وبدون الفهم والدعم والمساعدة من قبل شعوب العالم. إن تحقيق الحلم الصيني لا بد أن يأتي بمزيد من الفرص لدول العالم ويساهم أكثر في سلام العالم وتنميته.

سوف تواصل الصين المشاركة في المساعي الرامية لتحقيق السلام العالمي، وتلتزم بالتنمية السلمية مهما كانت التطورات على الساحة الدولية ومهما كانت قوة الصين في المستقبل. لن تسعى الصين إلى الهيمنة والتوسع وإيجاد مناطق نفوذ لها.

سوف تكون الصين على الدوام مساهمة في التنمية العالمية، وسوف تلتزم بطريق التنمية المشتركة واتخاذ استراتيجية الانفتاح المتصفة بتحقيق المصالح المشتركة والفوز المشترك. إننا على استعداد لتقاسم ثمار تنميتنا وفرصها مع العالم، ونرحب بكل من يريد ركوب "قطار الصين" للتنمية، وأن ينضم إلينا في مسيرة التنمية حتى نحقق التنمية المشتركة.

سوف تواصل الصين حماية النظام الدولي والتزام طريق التعاون والتنمية. كانت الصين البلد الأول الذي وقع على ميثاق الأمم المتحدة، وسوف تحافظ على المبادئ الدولية والنظام الدولي القائمة على مقاصد ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة. ستستمر الصين الوقوف إلى جانب سائر الدول النامية، وتدعم بقوة زيادة تمثيل وصوت البلدان النامية ولا سيما الدول الإفريقية في نظام الحوكمة الدولية. وسيكون صوت الصين في الأمم المتحدة صوت الدول النامية أبدا.

هنا أود أن أنتهز هذه الفرصة لأعلن عن قرار الصين بتأسيس صندوق الصين- الأمم المتحدة للسلام والتنمية بمليار دولار أمريكي على مدى عشر سنوات لدعم الأمم المتحدة وقضية التعاون المتعددة الأطراف، بما يساهم مساهمة جديدة لتحقيق السلام والتنمية في العالم. كما أود أن أعلن أن الصين سوف تنضم إلى آلية القدرة الاحتياطية الجديدة للأمم المتحدة لحفظ السلام، وقررت لذلك أن تكون أول دولة في إنشاء فرقة شرطة دائمة لحفظ السلام، وقوة احتياطية لحفظ السلام قوامها 8000 فرد. وأود أن أعلن علاوة عن ذلك أن الصين سوف توفر مساعدات عسكرية بدون مقابل بمائة مليون دولار أمريكي للاتحاد الإفريقي في السنوات الخمس المقبلة، لدعم بناء القوات الاحتياطية الأفريقية والقوات الأفريقية للاستجابة الفورية للطوارئ.

السيد الرئيس،

الزملاء الأعزاء،

مع دخول الأمم المتحدة عقدا جديدا من الزمان، فلنتعاون تعاونا أوثق من أجل بناء شراكة جديدة قائمة على التعاون المتبادل المنفعة ومجتمع يتقاسم البشر مستقبله. لنرسخ في أعماق قلوب الناس فكرة حب السلام وبغض الحرب ، ولتنتشر التنمية والازدهار والإنصاف والعدالة في كل ربوع العالم.

شكرا للجميع.

 

ألصق عنوان البريد الإلكتروني لصديقك في الفراغ اليمين لإرساله هذه المقالة
010020070790000000000000011101451348645201