بقلم وو سحر
بكين 17 يناير 2016 (شينخوا) من المقرر أن يبدأ الرئيس الصيني شي جين بينغ بعد غدا الثلاثاء الموافق يوم 19يناير جولته إلى منطقة الشرق الأوسط تشمل المملكة العربية السعودية ومصر وإيران. وتعد الزيارة للدول الثلاث زيارة للمنطقة بأكملها نظرا لما تتمتع به هذه الدول من ثقل سياسي وقدرة اقتصادية وقوى عسكرية وتأثير دينى في المنطقة، وعلى الأخص مصر كونها تستضيف مقر جامعة الدول العربية وتحظى بمكانة فائقة في العالم العربي لما قدمته من إسهامات له.
وليس بالغريب أن يتطلع شعوب الدول الثلاث ودول المنطقة بكل شغف إلى هذه الزيارة، إذ أنها تعد أولى زيارة للرئيس شي منذ توليه منصبه قبل ثلاث سنوات، وتزامنا مع هذا الحدث التاريخى، أصدرت الحكومة الصينية يوم الأربعاء الماضى للمرة الأولى وثيقة رسمية حول سياسة الصين تجاه الدول العربية، استعرضت خلالها الروابط التاريخية التي تجمع الصين بالدول العربية وآفاق التعاون المشترك بينهما، وتعتبر هى بمثابة خارطة طريق واضحة المعالم تؤطر للعلاقات الصينية العربية على الأمد الطويل.
وتكمن أهمية الجولة في أنها لا تعزز الصداقة التقليدية ودفع التعاون بين الصين ودول الشرق الأوسط في شتى المجالات فحسب، بل تتيح أيضا فرصة لشعوب هذه المنطقة للتعرف على الصين، إذ تعتبر دولة نامية مثلها وقدوة يمكن أن تحذو حذوها لإيجاد طريق نمو يناسبها.
فقد طورت أكبر دولة سكانا في العالم خبراتها في الحوكمة الوطنية وابتكرت نمط نمو فريدا لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية بسرعة مدهشة لتصير هذه الدولة الفقيرة المتخلفة ثاني أكبر اقتصاد فى العالم في غضون ثلاث عقود.
أما منطقة الشرق الأوسط، بوصفها "برميل البارود"، لما شهدته من حروب ونزاعات وصراعات لا تعد وتحصى، تعتبر من أكثر المناطق اضطرابا وهشاشة في العالم.
وتصاعدت حدة التوترات والاضطرابات منذ بداية العقد الثانى من القرن الحالي، حيث شهدت منطقة الشرق الأوسط احترابات أهلية فى كل من ليبيا واليمن وسوريا، وتفشي تنظيم الدولة الإسلامية في بعض دول المنطقة، وانهار التضافر العربي في القضايا العربية الهامة، بما في ذلك القضية الفلسطينية، مما أدى إلى تهميش القضية وتصعيد المواجهات بين الفلسطينيين وإسرائيل. وزاد من خطورة الوضع تفجر الأزمة بين إيران والسعودية في بداية العام الجديد.
وتحول الأزمات الداخلية والخارجية سياسيا وعسكريا وعرقيا دون ركوب دول وشعوب المنطقة قطار التنمية العالمية والتمتع بخيرات النمو الاقتصادى والاجتماعى، مع تسجيل دول هذه المنطقة أدنى معدل نمو لها في عام 2015 بمعدل دون 2.8 في المئة، وفقا لاحصاءات صندوق النقد الدولى. والأكثر من ذلك، أجبرت النزاعات والصراعات المستمرة، عددا لا بأس به من المواطنين على ترك ديارهم وأوطانهم والمخاطرة بحياتهم فى مواجهة الأمواج المتلاطمة في عرض البحر الأبيض المتوسط من أجل كسب لقمة العيش وتأمين مستقبل أفضل لأطفالهم في دول أوروبا.
فقد عملت ولا تزال الكتلة الغربية بقيادة الولايات المتحدة، القوى العظمى الوحيدة في العالم، كلاعب رئيسي في قضايا الشرق الأوسط طوال الوقت، لكن الوقائع والحقائق أثبتت بكل وضوح أن هذا اللاعب لم يكن عادلا ولا جادا، بل لعب في كثير من الأوقات دورا سلبيا ومنحازا، لتحقيق مصالحه الخاصة والأنانية، وصب مرارا الزيت على النيران وشن الحروب وأثار النزاعات بدلا من احتوائها وحلها.
ولم تحقق ما يسمى بـ"الديمقراطية الغربية" تطلعات وآمال شعوب المنطقة في الحصول على أنظمة اجتماعية متقدمة وقدرة إنتاج متطورة وحياة رغدة، بل جلبت الوبال على المنطقة بقصد، وهو ما تجلى في انهيار الأنظمة وتقويض التوازن القائم وتأجيج الانقسام والتشتت الداخلى وإضعاف نسيج الأمة العربية.
أما الصين، على خلاف الولايات المتحدة، لا تفرض إرادتها على الآخرين، وتقدم المساعدات دون شروط مسبقة، وتدعو دائما إلى حل النزاعات والصراعات الإقليمية عبر الوسائل السلمية، ولم تلق تصرفات ودعوات الصين استجابة وترحيبا في أول الأمر ووصمت بـ " الضعف وعدم القدرة"، لكن مع مرور الوقت، برهنت التطورات في الكثير من القضايا في منطقة الشرق الأوسط في سوريا وليبيا واليمن على سبيل المثال على صحة موقف الصين واتفاق دعواتها الرامية إلى الحل السياسي والسلمي مع مصالح هذه الدول وظروف هذه المنطقة.
ومع نمو قوتها الاقتصادية وبروزها على الصعيد العالمى، تلعب الصين دورا أكثر حيوية في القضايا الدولية وتصير علاقاتها مع منطقة الشرق الأوسط أكثر قربا، وقد بدأت بعض الدول العربية "التحرك شرقا" لتعزيز علاقاتها مع الصين والتعلم من خبراتها وتجاربها.
وتأتي زيارة شي الأولى لمنطقة الشرق الأوسط تجاوبا مع هذه النزعة ، ومن المتوقع أن يلقي الرئيس شي أثناء زيارته لمقر جامعة الدول العربية خطابا هاما يشرح فيه سياسات الصين في العهد الجديد تجاه العالم العربي، ويطرح اقتراحات وخطط الصين لمساعدة الدول العربية على التخلص من حالات التخلف الاقتصادية والاجتماعية وإيجاد الحلول للنزاعات المزمنة والقضايا المعقدة.
وقد أكد الرئيس شي مرارا لدى استقباله زعماء الدول العربية خالص أمل واستعداد بلاده لتقاسم ما لديها من خبرات في الحوكمة والاقتصاد مع الدول العربية ومساعدتها على دفع قدراتها التصنيعية بالمال والتكنولوجيا والمهارات.
وطرح الرئيس شي مؤخرا بناء "مجتمع المصير المشترك" كفكرة رئيسية لمعالجة العلاقات الدولية وإنشاء مجتمع إنساني خال من الحرب والنزاع لتحقيق النمو والرخاء المشترك لجميع البشر.
وتتكون هذه الفكرة من خمسة أجزاء ألا وهى: إقامة علاقة شراكة جديدة تتسم بالمعاملة المتساوية والتفاهم والمشاورات، وتأسيس هيكل أمني يقام على أساس العدالة والإنصاف، والسعى وراء مستقبل من النمو من خلال تبني سياسة الانفتاح والابتكار والمنفعة المتبادلة، ودفع التبادل بين مختلف الحضارات والتعلم من بعضها البعض مع الحفاظ على التباين والخلاف بينها، وإقامة نظام إيكولوجي يحترم الطبيعة والنمو الأخضر.
وبينما تعمل الصين والدول العربية حاليا على إتمام مهمة تطوير البلاد وتحسين مستوى معيشة الشعوب، تواجهان في طريقهما فرصا تاريخية لم يسبق لها مثيل، وقد تلهم هذه الفكرة ساسة ونخب الدول العربية لإيجاد النمط المميز الذي يتناسب وخصائص هذه المنطقة، وإقامة نظام سياسي واجتماعي فريد، وتحقيق نمو اقتصادى سريع.
إن زيارة شي تتيح فرصة لشعوب الشرق الأوسط للتعرف على الصين عن كثب والتعلم واستخلاص العبر من خبراتها وتجاربها لترجمة "الحلم العربي" إلى وقائع ملموسة جنبا إلى جنبا مع الشعب الصينى في طريقه لتحقيق "الحلم الصيني" .
النص الكامل: وثيقة سياسة الصين تجاه الدول العربية |
مقالة خاصة: جولة الرئيس الصيني في الشرق الاوسط تذهب إلى ما هو أبعد من النفط |
(أهم الموضوعات/الصين) الثمار الوافرة للزيارات الخارجية للرئيس الصيني شي جين بينغ عام 2015 |