الظروف الصعبة التي تعيشها سوريا(شينخوا/يانغ تشن)
دمشق 7 مارس 2016 ( شينخوا) أجبرت الظروف الصعبة التي تمر بها سوريا ، الكثير من النساء على الانخراط في سوق العمل بدافع الحاجة للحصول على المال، وتدبير أمور أسرهم ، في ظل ارتفاع معدلات البطالة في البلاد بسبب الصراع الدامي الناشب منذ قرابة الخمس سنوات.
وتواجه المرأة في سوريا تحديات وصعوبات كبيرة، ولكنها تمكنت من إثبات قدرتها على التكيف مع الظروف التي تمر بها البلاد ، وأن تتغلب على بعض التحديات من خلال إتقانها للعمل تارة، وأصرارها على النجاح في أية تجربة تخوضها تارة أخرى .
واعتبرت السيدة أم يزن رحاب العصفور، وهي أم لأربعة أولاد أن الظروف الصعبة التي تمر بها البلاد جعلتها تنخرط في العمل بعد وفاة زوجها، لتعمل في مهنة إعداد الطعام الشعبي والتراثي في محافظة السويداء (جنوب سوريا).
وقالت أم يزن لوكالة أنباء ((شينخوا)) بدمشق، والتي وقفت في محل صغير بوسط بلدة مفعلة، شمال شرقي مدينة السويداء، وأمامها بعض الأدوات البسيطة تستخدمها في طهي الطعام، إن " الظروف الصعبة التي أفرزتها الأزمة السورية، ووفاة زوجي الذي كان يعمل ويكسب أموالا تكفينا، دفعتني لاحقا للعمل مكانه"، مؤكدة أن هذا الأمر لم يكن سهلا عليها في ظل وجود تحديات وصعوبات كثيرة، منها ارتفاع نسبة البطالة، وانخفاض مستوى الدخل عند الكثير من الأسر، الأمر الذي أثر سلبا على عملها في طهي الطعام وبيعه للناس.
وأضافت أم يزن، وهي تعد وليمة الكسكسي، وهي أكلة شعبية شائعة في المغرب العربي، جلبها زوجها الذي كان يعمل في ليبيا في تسعينيات القرن الماضي، لتكون هذه الأكلة محط شهرة في البلدة، وبجانبها والدتها الطاعنة في السن، "العمل بالنسبة لي عبادة كما يقال، وقيمته كبرى، واستطعت أن اتغلب على الصعوبات والتحديات التي واجهتني بالعمل من خلال إتقانه، واستطعت اكتساب احترام الآخرين عبر الالتزام بالموعد دون أية تقصير.
وأكدت أم يزن، أنها تعمل بكل إخلاص وتفاني، لافتا إلى أن المرأة في سوريا تعيش الآن ظروفا صعبة، وهذا الأمر انعكس على أدائها في المنزل، بسبب غيابها لساعات خارج المنزل.
وأضافت أم يزن، وقد اغرورقت عيناها بالدمع "أتمنى أن تنهي هذه الأزمة ، وأن يسفح المجال للمرأة أن تطالب بحقوقها التي غابت بسبب ما يحدث في سوريا".
ولم يكن الوضع بأحسن حال لدى أم أحمد (47 عاما)، التي حرق منزلها في حرستا بريف دمشق الشرقي، خلال الأزمة الطاحنة، وأضطرت للعمل كبائعة للخضار أمام أحد المحلات ، كي تكسب بعض المال يسد رمق بيتها الذي استأجرته في أطراف العاصمة دمشق.
وقالت أم أحمد لوكالة ((شينخوا)) بدمشق " لقد هجرنا من منزلنا قبل حوالي ثلاث سنوات من حرستا بعد أن سيطر عليه المسلحون، ودارت اشتباكات عنيفة بين الجيش السوري والمسلحين، فحرق المنزل بكل محتوياتها بعد خروجنا منه بأشهر"، مؤكدة "لقد خسرنا كل شيء ، لم نعد نملك سوى بعض القطع الذهبية التي نبيع منها عندما نحتاج لدفع الإيجار" .
وأضافت أم أحمد ولديها 6 أولاد منهم أربعة صبيان وبنتان، التي وقفت في سوق شعبي لبيع الخضار والفاكهة في دمشق، وهي تنادي بصوت أجش يشق عنان الفضاء، على البضاعة التي تشتريها بأسعار قليلة وتربح منها ما يجعلها تعيش بشكل يومي مرتاحة "لم يكن أمامي من خيار سوى فتح بسطة للخضار أمام أحد المحلات ، لكي أتغلب على الوضع الذي أجبرنا عليها"، مشيرة إلى أنها مستأجرة غرفتين صغيرتين في الزاهرة بجنوب دمشق، وزوجها مريض لا يقوى على العمل، مؤكدة أن هذا الظروف دفعتها للعمل ولساعات طويلة كي تؤمن احتياجات المنزل.
وبالرغم من هذه السوداوية في المشهد الذي تعيشه أم أحمد، فالابتسامة لا تفارق محياها، ودائما تتكلم مع الزبائن وتقنعهم بشراء الخضار، وتقول عن نفسها بأنها "محظوظة" .
في حين أن أم هشام التي تبلغ من العمر 55 عاما أم لأربعة أولاد ، تحمل إجازة جامعية اختصاص فلسفة، لم يحالفها الحظ في بداية مشوارها العملي في مجال التدريس، فدخلت في مرحلة لاحقة للعمل في قطاع الصحة كمرشدة نفسية لعدة سنوات، وقررت بعدها فتح مخبز لصنع الخبز العربي كمنشأة صغيرة في منزلها، لتصبح بعد سنوات من هذا العمل " شيخ كار" كما يقال في هذه المهنة، تضاهي في عملها الرجال الذين يعملون في ذات المهنة.
وقالت أم هشام في تصريحات لوكالة ((شينخوا)) وهي تقف في مخبزها بكل كبرياء وترتدي مريولا أبيض " أنا فخورة في عملي خاصة عندما أرى أولادي ، وهم يحملون شهادات عاليا في التحصيل العلمي .. أيضا أنا فخورة لأنني استطعت أن أحقق ذاتي رغم وجود تحديات كبيرة محيطة في مجتمعي".
وأضافت أم هشام ، التي لا تتوانى عن توزيع قطع من الخبز الساخن على الزبائن، بابتسامة تملؤ وجهها "هذه المهنة أعتز بها، واخترها لكونها تراث يمثل أجدادنا، وعملت على إحيائها من جانب، ومن جانب آخر حققت لي دخلا ماديا مناسبا ساعدني في تعليم أولادي "، مؤكدة أن فكرة العمل لاقت رفضا في البداية من الأسرة ، ولكن مع مرور الوقت والنجاح الذي حققته بدأت الصورة تتغير، وراح الكل يساعدني في العمل دون أي حرج .
ومضت أم هشام تقول "حتى الناس كنت أرى في عيونهم نوعا من النقد"، مشيرة إلى أن نقاء المهنة والنجاح في العمل كانا كافيين لتغيير رؤية الناس لعمل المرأة في مجتمعاتنا، مبينة أنها استطاعت أن تعلم أولادها الأربعة تعليما عاليا ، وأن ترسل اثنين منهم إلى روسيا للحصول على شهادات في الهندسة.
ودعت أم هشام قريناتها من النساء للعمل وإثبات ذاتهن في المجتمع، وأن تصرن على العمل والتغلب على التحديات والصعوبات التي تواجههن بالصبروالعزيمة، وعدم الاستسلام للواقع المرير.
وأشارت أم هشام التي مارست هذه مهنة صنع الخبز العربي منذ أكثرمن 6 سنوات، إلى أن الأزمة السورية عكست آثارا سلبية على عملها من خلال نقص بعض المواد الأولية الداخلة في صناعة الخبز كالقمح والغاز، موضحا أنها استطاعت التغلب على هذه المشاكل بشيء من الحكمة والصبر.
ومن جانبها قالت الناشطة السورية كوثر كمال إن وضع المرأة السورية تدهور كثيرا في ظل الأزمة السورية، بسبب غياب التشريعات الناظمة لعملها، واستغلالها وعدم إعطائها الأجر المناسب الذي يتناسب مع ساعات العمل الذي تقوم به.
وأضافت الناشطة كمال وهي رئيس جمعية عطاء المعنية بالأرامل والمطلقات في محافظة السويداء لوكالة ((شينخوا)) بدمشق إن "نسبة البطالة مرتفعة جدا في سوريا عموما وفي محافظة السويداء خصوصا ، وخاصة في ظل الأزمة "، مؤكدة أن الحرب حصدت مئات الآلاف من الرجال والشبان، وهذا كله حمل المرأة أعباء إضافة ، فهي مضطرة للبحث عن عمل في ظروف صعبة، لافتة إلى أن أكثرهن يعملن بأجور قليلة لا تكفي، وهذا إجحاف بحق المرأة .
وتحدثت كمال عن غياب التشريعات الضمانة لحقوق المرأة، إضافة الى التحديات التي تواجهها سواء كانت اجتماعية أو اقتصادية أو أمنية، مؤكدة أن كل هذا انعكس سلبا على واقع المرأة السورية عموما .
وبحسب الإحصاءات، فإن معدل النمو السكاني على المستوى الكلي ارتفع في ظل الأزمة ضمن المقاييس العالمية وبلغ 2.3%، في حين بلغ معدل الهجرة بنهاية 2014 نحو 3 ملايين شخص.
وأكدت الإحصاءات الرسمية أن معدل البطالة بين الشباب ارتفع إلى ما نسبته 60-70%، في حين أشارت إلى أن قوة العمل كانت للقطاع الخاص، والذي شكل 70% من العمالة.