بقلم/ عماد الأزرق
القاهرة 24 مايو 2017 (شينخوا) في محل ضيق مكتظ بالخامات وبالأدوات البسيطة، والأثاث المتواضع يجلس حسين قرفصاء أمام موقد نار، وإلى جواره نجليه يوسف وفاطمة يسابقون الزمن الذي يداهمهم لانتاج أكبر قدر ممكن من فوانيس رمضان التقليدية.
بضاحية القلعة بالقاهرة القديمة، حيث عبق التاريخ يفوح من كل مكان، ووسط أثار إسلامية تمتد لأكثر من 1200 عام، تنتمي للكثير من الدول والخلافات الإسلامية التي تعاقبت على حكم مصر، يقع محل عم حسين وأسرته لصناعة الفوانيس حيث شارع الركبية.
يعمل حسين سيد، والبالغ من العمر 42 سنة وشقيقه علي 58 سنة، بصناعة الفوانيس منذ أن كان عمره 4 سنوات، ، حيث توارثوا المهنة أبا عن جد.
يقول حسين لوكالة أنباء ((شينخوا)) وهو منهمك في العمل ممسكا بأداة اللحام اليدوية، ووضعا على ركبتيه فانوسا ضخما، يقوم بلحام أجزائه، "تلك المهنة توارثناها أنا وأخي عن أبائنا وأجدادنا، ونحن نورثها لأبنائنا".
وأضاف أنه ليس له مصدر دخل أخر، وأن صناعة الفوانيس هي مهنته ومصدر دخله الوحيد، مشيرا إلى أن لديه ثلاثة أبناء يوسف 9 سنوات بالصف الرابع الابتدائي، فاطمة 7 سنوات بالصف الثاني الابتدائي، ولاء عام ونصف.
وأكد صانع الفوانيس اليدوية أن أبناءه لايشعرون برمضان إلا عندما ينزلون الورشة ويشاركون في العمل وصناعة الفوانيس، ويعملون حتى في رمضان.
وأضاف أن اسرته تعتبر الأسرة الوحيدة بالقاهرة التي مازالت تقوم بتصنيع الفوانيس بالطريقة اليدوية بالكامل، مشيرا إلى أنه يستخدم في ذلك خامات الزجاج الملون والصفيح والقصدير واللحام.
وأوضح أنهم هم الذين يقومون بتصميم أشكال وأنماط الفوانيس، بدون اي تدخل من أي أحد، كما أنهم هم الذين يقومون بشراء كل المواد الخام و بتقطيعها وتشكيلها حسب التصميم الذي يتم تحديده وتنفيذها، "وكل ذلك يدويا بالكامل".
ونوه إلى أن أشكال الفوانيس غالبا ماتكون تقليدية، ولكن قد يدخل عليها بعض التطوير، مثل إدخال بعض الرسومات الفنية، أو تزيينها، أو كتابة بعض العبارات مثل "الله أكبر"، "رمضان كريم"، "أهلا رمضان"، وغيرها من العبارات.
ونفى حسين أن يكون الاقبال على الفوانيس التقليدية اليدوية قد تراجع، "بالعكس الاقبال عليها ثابت وكبير، حتى مع وجود الفوانيس المستوردة، حافظت الفوانيس التقليدية على وجودها ورونقها"، مشيرا إلى أن "الفوانيس المستوردة تفتقد للروح".
كما نفى أن تكون صناعة الفوانيس تواجه خطر الانقراض، قائلا "طالما هناك شهر رمضان، لا يمكن أن تنقرض صناعة الفوانيس، ولكن يمكن أن تتراجع الصناعة بعض الشئ نظرا لعدم دخول صناع جدد، فالمهنة يتوارثها الأجيال أبا عن جد، ولايدخلها غرباء".
وحول تأثير ارتفاع الأسعار على تجارة الفوانيس، قال ارتفاع الأسعار بشكل عام، أثر بلاشك على أسعار الفوانيس، نتيجة ارتفاع الخامات بشكل كبير، وخاصة مادة القصدير المستخدمة في اللحام، لارتباطها بسعر الدولار، ما أدى إلى ارتفاع أسعار الفوانيس بشكل كبير.
وأوضح أن الفوانيس الصغيرة التي كان سعرها يتراوح مابين 20 و25 جنيها اصبح سعرها الأن 40 و45، في السابق الشخص الذي لديه ثلاثة اطفال كان يشتري لهم فوانيس بنحو 60 جنيها الأن يشتري لهم مابين 120 و150 جنيها.
أما الفوانيس الكبيرة فأسعارها تتراوح مابين 70 -100 جنيه، وبالطبع هذه الاسعار تؤثر بشكل كبير على الاقبال وعلى الشراء، بحسب حسين صانع الفوانيس التقليدية
ونوه إلى أنه لم يحدث أي تطور في أسلوب وتكنيك صناعة الفوانيس التقليدية، قائلا " مازلنا نحرص على اتباع نفس الأسلوب اليدوي التقليدي، وإن كان هناك أخرون أدخلوا تطوير على صناعة الفوانيس باستخدام المكابس، ونحن الورشة الوحيدة التي تعمل يدويا بالكامل بالمنطقة".
وأشار إلى أن الفوانيس الكبس تكون بالضغط وبدون أي لحامات، وبالتالي فهي تكون معرضة للتلف السريع، ولكن اليدوي التقليدي يكون أكثر قوة ومتانة، وعمره أطول.
ولفت إلى أنه يقوم بتوريد الانتاج للتجار أصحاب المحلات التي تحصل على كميات كبيرة، بالأضافة للكثير من الأفراد الذين يحرصون على الشراء منا مباشرة.
وتابع "صناعة فوانيس رمضان ليست كما يعتقد الكثير أنها خلال شهر رمضان فقط، على غير الحقيقة، نحن نعمل طوال العام، ولا نتوقف، وهناك تجار يحصلون على الانتاج بشكل دائم ويقومون بتخزينه أو تسويقه للكثير من الاستخدامات، والكثير من الفنادق والقرى السياحية والشركات والمطاعم تستخدمها في الديكورات".
وبينما كان الأب يحدثنا وهو منهمك بلحام الفوانيس كان نجله يوسف 9 سنوات الصف الرابع الابتدائي، أكثر انشغالا بتقطيع الأسلاك والصفيح إلى شرائح.
ويحكي يوسف أنه يعمل مع والده في تصنيع الفوانيس منذ 4 سنوات، حيث يقوم بتقطيع السلك، وتقطيع وتجميع شرائح قبة الفانوس من الصفيح، مشيرا إلى أنه يقوم بالأعمال اليدوية بعيدا عن النار أو الزجاج حتى لا يصاب بأي أذى
لم يختلف حال فاطمة 7 سنوات بالصف الثاني الابتدائي، كثيرا عن حال شقيقها الأكبر يوسف، في مساعدة والدها بالعمل واكتساب الخبرات والمهارات منه دون تفرقة بين ولد أو بنت.
تقول فاطمة أعمل مع والدي وعمي منذ 3 سنوات، حيث أقوم بتقطيع السلك وتجميع القبة وأعطيها لأبي للقيام بأعمال اللحام، وأعمل مع والدي طول العام.
واتفق يوسف وفاطمة على أنهما يحصلان يوميا على مكافأة من والدهما خمس جنيهات لتشجيعهما على العمل.