حلب، سوريا 28 يوليو 2017 (شينخوا) في مشهد لم يألفه أهالي مدينة حلب (شمال سوريا) منذ سنوات خلال الحرب المستعرة في الأحياء الشرقية القريبة من قلعة حلب الشهيرة، يوم الجمعة خرج الآلاف من أهالي المدينة لزيارة القلعة وراحوا يلتقطون الصور التذكارية مع عائلتهم.
هذا المشهد ربما كان اعتياديا قبل نشوب الأزمة السورية في مارس 2011، حيث كانت هذه القلعة من أهم المقاصد السياحية في سوريا عموما وحلب خصوصا، وبجانبها كانت تنتشر أهم الأسواق القديمة التي تروج للصناعات الحلبية العريقة من نسيج وأعمال يدوية نحاسية، وصابون الغار والزعتر الحلبي، كل هذه الأشياء كانت تعطي للقلعة تألقا إضافيا، يزيد من أهميتها التاريخية والحضارية.
اليوم هذه القلعة التي كانت شاهد عيان على المعارك والعمليات العسكرية التي جرت خلال السنوات الخمس الماضية، وكانت قلوب الحلبيين خصوصا والسوريين عموما تعتصر ألما وخوفا من سقوط هذه القلعة بيد المسلحين، وتعرضها للدمار والخراب، لأنها حسب رأيهم تشكل هوية خاصة لمدينة حلب.
لكن القلعة بعد أن استعاد الجيش السوري السيطرة على الأحياء الشرقية في ديسمبر عام 2016، وخروج المسلحين منها، لم تتعرض لأي خطر جسيم، فما زالت القلعة شامخة تطل على مدينة حلب من جهاتها الأربع، ومسرحها أيضا لم يتعرض للأذى ، باستثناء سقوط قذيفة صاروخية على الجهة الغربية الشمالية للقلعة استهدفت متحفا وجامعا أثريا بداخلها ، وكان حجم الخراب كبيرا، كما أن واجهة القلعة الأمامية التي تشكل مدخلا لها، تظهر عليه بعض الثقوب وهي آثار رصاص اخترق ذلك المدخل، دون أن يحدث فيه أي خلل.
وتشكل قلعة حلب جزءا من المدينة القديمة، التي أدرجتها منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونيسكو)، منذ العام 1986، في قائمة مواقع التراث العالمي.
ويعود تاريخ هذه المعلم التاريخي إلى الألفية الثالثة قبل الميلاد.
وأكد خبراء اليونيسكو، بعد تقديرهم العاجل لدرجة الدمار الذي تعرضت له حلب القديمة، أن 60% من المنشآت التاريخية الواقعة في المنطقة ألحقت بها أضرار خطيرة خلال الحرب.
وأشارت المنظمة في بيان أصدرته يوم 20 يناير الماضي إلى أن 30% من الجزء القديم لحلب تم تدميره بشكل كامل.
واجتمع آلاف المواطنين بين رجال ونساء وأطفال أمام قلعة حلب، وراح قسم منهم يعقد حلقات الدبكة على إيقاع الموسيقى الحلبية التي تطربهم، ويتجمع آخرون أمام المدخل يريدون الدخول لمشاهدة كامل مدينة حلب، إلا أن الجيش لم يسمح لهم لأسباب أمنية.
لكن في مقابل مدخل القلعة لاتزال أكوام الركام والأنقاض موجودة كجبال على جانبي الطريق المؤدية إلى القلعة، وهي الأسواق القديمة التي كان يؤمها السياح في سنوات قبل الأزمة، وأهمها خانة الشونة والذي يعد أهم سوق أثري في المدينة قد حرقت بالكامل وتعرضت للقصف لدرجة لم تعد ملامحه واضحة.
وقال محمد نور 32 عاما، وهو يلتقط صورة سلفي أمام مدخل القلعة لوكالة أنباء ((شينخوا)) بدمشق إن "قلعة حلب هي رمز مدينة حلب"، وأعرب عن سعادته لرؤيتها سالمة، وتحت سيطرة الدولة السورية من جديد.
وأشار إلى أن مسلحي المعارضة المسلحة أرادوا طمس الهوية السورية عبر تدمير المعالم الأثرية، وحرق الأسواق التراثية، مؤكدا أن القلعة ستبقى شامخة ومقصدا سياحيا لمن يعرف قيمتها التاريخية.
ومن جانبه عبر أبو محمد الصوص (53 عاما) الذي جاء من حي الإذاعة الموجود في الشطر الغربي من المدينة مع عائلته لرؤية القلعة، وتفقدها، عن فرحته برؤية أهالي حلب الذين جاؤوا لزيارة القلعة.
وأضاف لوكالة ((شينخوا)) بدمشق إن "القلعة أعيد إليها تألقها منذ أيام عندما أقيم بداخلها حفلة غنائية كبيرة للفنان الحلبي الكبير شادي جميل"، مبينا أنه تحدى كل الصعوبات التي واجهته من أجل مسرح القلعة مضاء، والحياة تعود لهذا الصرح الحضاري الكبير.
وتريد عشرات العائلات التي احتشدت أمام مدخل القلعة أن تدخل للتمتع بجمال القلعة، واستعادة بعض الذكريات، إلا أن الإجراءات الحكومية منعتهم من إكمال المشوار، إلا أن ذلك لم يشكل لهم أي إزعاج على الإطلاق ، بل اكتفوا برؤية القلعة من الخارج وهذا كاف بالنسبة لبعضهم.
ورفض أحد الجنود السوريين المسؤولين عن حماية القلعة الإفصاح عن اسمه، قائلا إن "القلعة لم تسلم من أذى الإرهابيين عبر حفرهم للأنفاق تحتها بغية الوصول إليها وتفجيرها"، مؤكدا أن عناصر الجيش السوري منعوا تقدم المسلحين باتجاه القلعة وظلت صامدة تروي للأجيال قصصا وحكاية.
وتابع يقول إن "هذه القلعة صمدت طيلة 1600 يوم، وظلت عصية على التخريب وعلى من أراد أن يدمرها، لأنها حقا هي مدينة أبي فراس الحمداني، والشاعر العربي المشهور المتنبي، الذي يوضع تمثال رمزي له في أحد ساحات حلب.
وخلال أربع سنوات من الحرب ظلت حلب مقسمة إلى شطرين، الغربي منها بيد الجيش السوري والشرقي بيد مسلحي المعارضة.
وكانت حلب، التي تعد من أكبر المدن في سوريا، هي العاصمة التجارية الأولى لسوريا قبل نشوب الأزمة في مارس 2011.
واعتبرت معركة حلب أكبر إنجاز تحققه القوات السورية خلال الصراع المستمر في البلاد منذ أكثر من ست سنوات.