مقالة خاصة: فك شيفرة المعجزة الاقتصادية الصينية

2017-09-29 15:15:42
Video PlayerClose

بكين 29 سبتمبر 2017 (شينخوا) ربما لا تزال المعجزة الاقتصادية التي حقتتها الصين في العقود الأخيرة تثير حيرة العديد من الدول الغربية حتى الآن ، في وقت تعايش فيه الصين في كثير من الأحيان اختلافات في الآراء حول الفهم التقليدي لمعنى الاشتراكية بالشكل الصحيح والمناسب، حيث تذهب بعيدا خارج معايير النظرية السياسية والاقتصادية المعروفة.

فبينما لا تزال العديد من الدول الغربية تعاني من استمرار ركودة الوضع الاقتصادي فيها، فإن الصين شهدت مستويات ملحوظة في النمو وحافظت على استقرار اقتصادها رغم الظروف الدولية المعقدة والمتشابكة. وهذا يعود من دون شك إلى القيادة القوية والصارمة من الحزب الشيوعي الصيني، الذي يختلف بشكل واضح عن الأنظمة السياسية الغربية التي تقوم على التعددية الحزبية لتتعاقب تلك الاحزاب على اعتلاء سُدة السلطة بالتناوب، الأمر الذي غالبا ما يسبب الكثير من المشاحنات والمماحكات بينها خلال طريقها لاعتلاء هرم السلطة.

وقبيل انعقاد أعمال المؤتمر الوطني التاسع عشر للحزب الشيوعي الصيني، سيكون لزاما على الدول الغربية العمل على فك شيفرة المعجزة الاقتصادية الصينية التي من شأنها أن تضيئ ملامح مستقبل الصين والعالم بأسره.

حزب ماركسي عصري

لطالما تساءلت الدول الغربية كيف يمكن لدولة ذات حضارة موغلة في القدم أن تتحول إلى العصرنة بهذه السرعة رغم بقاءئها تحت قيادة حزب ماركسي. وبعض تلك الدول تُرجع السبب بشكل خاطئ إلى أن العصرنة التي تشهدها الصين كانت نتاجا لنجاح الليبرالية الجديدة.

إلا أن حقيقة الأمر تختلف عن التحليلات التي تتبناها العديد من الدول الغربية، حيث يقول يوان فانغ تشنغ البروفيسور في كلية العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة إعداد المدرسين بوسط الصين إن النجاح الصيني لا يعتمد فقط على المعجزة الاقتصادية التي حققتها البلاد ، وإنما أيضا لأسباب سياسية.

ويتابع يوان قائلا إن القيادة القوية للحزب الشيوعي الصيني والتمثيل الواسع النطاق قد ضمنا معا إرساء أسس نظام سياسي متين ومستقر وبيئة تنموية مناسبة.

وبدوره أيّد البروفيسور تشن شو قوانغ جامعة الحزب التابعة للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني آراء المحللين والخبراء السياسيين في هذا الصدد ، حيث قال إن أحد المنافع والفوائد الرئيسية للنظام السياسي الصيني تتمثل باستقراره الذي يضمن تشكيل ووضع خطط تنموية طويلة المدى، إلى جانب تنفيذها بطرق فعالة.

وأشار تشن إلى أن الحزب الشيوعي الصيني قد تمكن من المحافظة على التناسق في التزاماته المختلفة التي تعهد بتحقيقها، وطريقة صناعته للسياسات، فضلا عن الاستمرار في قدرته على التكيف والتعامل مع الظروف المتغيرة على الصعيدين الداخلي والدولي.

وقال تشن: " لقد نجح الحزب الشيوعي الصيني بشكل فعال وملموس في تجنب سلوكيات وممارسات الفيتوقراطية قصيرة المدى خلال فترة حكمه، وبهذا ضمن تحقيق وإرساء تناسق واستقرار السياسات والاستراتيجيات الوطنية".

وفي هذا السياق، تجدر الإشارة إلى ما قاله العالم السياسي البارز صامويل هنتينغتون ذات مرة بأن اتجاه ومسار العصرنة بالنسبة لدول العالم الثالث كان مليئا بالعقبات والصراعات ، وان المنظمات السياسية التي تسعى لتحقيق العصرنة كانت مفتاحا لتعزيز المحافظة على الاستقرار بالنسبة لعملية العصرنة.

والحزب الشيوعي الصيني ضمن هذا السياق يعكس تماما نموذجا ومثالا عن تلك المنظمات السياسية العصرية التي تعتبر في مقدمة الحلول والإجابات لفهم اللغز الكامن وراء المعجزة الاقتصادية التي حققتها الصين.

كيف يمكن لاقتصاد سوق اجتماعي أن يبقى حيويا

يعتقد البعض في الدول الغربية أن وجود النظام السياسي الاشتراكي واقتصاد السوق هو أمر متناقض ويعكس مفارقة كبيرة، الأمر الذي يجعل أولئك المحللين مشوشين وغير واضحي الرؤية والفهم لحقيقة وطبيعة النجاجات التي حققها النموذج الصيني.

لكن فهم هذا الواقع لا يتم بهذه الطريقة، فببساطة؛ إن وضع المفهومين السابقين (النظام السياسي الاشتراكي و اقتصاد السوق) في مقابل بعضهما البعض يعتبر تجاهلا كبيرا للإمكانيات والأداء الضخم والقوة الكامنة لهذا النموذج .

وحول ذلك يقول تشن: " إن وجود نظام سياسي اشتراكي من جهة، واقتصاد سوق من جهة أخرى، لا يعتبر أمرا غير متوافق بطبيعته".

فمنذ ثمانينيات القرن العشرين، اعتمدت الصين ودول اشتراكية أخرى جميع المبادرات الإصلاحية لكن النتائج المحققة قد جنحت نحو اتجاهات مختلفة وغير مقنعة النتائج، ولذلك؛ سعى الحزب الشيوعي الصيني نحو جمع القوى الكامنة في نظامه السياسي مع مبادئ وأسس السوق.

ولقد كان المفتاح الأساسي لتلك النجاحات هو ضمان تحقيق توازن جيد ومعقول بين قوانين كل من الحكومة والسوق.

وضمن هذا السياق، تجدر الإشارة إلى القرار الإصلاحي الهام التي تم اتخاذه في العام 2013 والذي قال بأن الصين تهدف إلى تمكين السوق من لعب دور "حاسم" في جمع الموارد، الامر الذي ثمّنه المحللون والخبراء عاليا ووصفوه بأنه اختراق هام وبارز.

ومن خلال تغير قواعد السوق من أساسية إلى حاسمة، كانت الصين تتبع مبادئ اقتصاد السوق، بينما تعطي الحكومة دورا أفضل في زيادة فعالية السياسات الكلية للبلاد .

وحول هذا الموضوع قال يان جي رونغ البروفيسور في كلية الإدارة الحكومية التابعة لجامعة بكين: "إن السوق لوحده غير قادر على ضمان استقرار الاقتصاد الأمر الذي يجعل من التدخل والإشراف الحكومي أمرا ضروريا".

ومن خلال التمسك بالمسار والنهج الثابت والإبداع المستمر، حافظ الحزب الشيوعي الصيني على بقاء الاقتصاد الصيني على مسار صحيح ومستدام، فضلا عن الاختراقات البارزة في الإصلاح الهيكلي لجانب العرض وزخم النمو الجديد.

لماذا لن يتم تغريب الصين

تقول بعض النظريات السياسية الغربية التقليدية بأن لا مفر من أن الصين ستتمكن من اللحاق بالديمقراطية الغربية عندما تصبح ثرية إلى حد كاف، لتصبح كليا في النهاية مثل بقية الأنظمة السياسية الغربية.

وعلى الرغم من ذلك؛ قال مارتين جاك الزميل البارز في جامعة لندن للعلوم الاقتصادية والسياسية في كتابه "عندما تحكم الصين العالم" قال من الممكن ألا يتحقق نهوض الصين لتصبح قوة عالمية من خلال اتباع نفس النهج والمسار الذين اتبعتهما كل من الولايات المتحدة الامريكية وبريطانيا.

ويعتقد بعض العلماء والخبراء الغربيين أن على الدول العصرية إما أن تكون غربية أو تنتهج الأسلوب والنمط الغربيين، إلا أنه وعلى الرغم من ذلك، فإن الصين تختلف عن غيرها من الدول العصرية.

فضلا عن ذلك، فإن لمقاومة تغريب الصين منطقه الخاص ووجهات نظر تتعلق بظروف التاريخ واليوم.

فمنذ العصور القديمة، تمسكت الصين دائما بفكرة توزيع الثروة بين جميع أبناء شعبها، وهو ما يشير إلى نفس القيم الاشتراكية . ومن أجل هذا السبب؛ ورغم قدوم الماركسية من الغرب، إلا أنها توافقت مع الثقافة الصينية ولقيت قبولا من قبل الصينيين واستمرت على ذلك حتى الآن .

إلا أن الحزب الشيوعي الصيني يركز على عامة الشعب وليس على رأس المال، باعتباره أهم عنصر في الاشتراكية ، كما أنه لطالما حرص على تمثيل مصالح الأغلبية الساحقة لأبناء الشعب الصيني. وهذا تحديدا يعكس الأسباب الرئيسية التي تجعل من الحزب الشيوعي الصيني مختلفا عن بقية الأحزاب السياسية الأخرى ، ولماذا لا يمكن تغريبه وجعله يسير على خطى النموذج الغربي للأحزاب السياسية.

وعلى مدار الأربعين عاما الماضية، تجاوز إجمالي الأداء والإمكانيات الاقتصادية للصين نظيره في بريطانيا وفرنسا وألمانيا واليابان، فيما تمكن أكثر من 700 مليون من الخروج من براثن الفقر، ولذلك؛ فإن ما حققته الصين يعتبر بحق معجزة اقتصادية عصرية.

لقد حدد الحزب الشيوعي الصيني العام 2020 كعام ستحقق فيه الصين مجتمع الرفاه على نحو معتدل المعروف باللغة الصينية بـ "شياوكانغ" على جميع الصعد والمستويات.

وفي هذا السياق، تجدر الإشارة إلى ما ورد في تقرير المؤتمر الوطني الثامن عشر للحزب الشيوعي الصيني بـ :" لقد قمنا برفض السياسة القديمة والجامدة لإغلاق الأبواب ، وأي محاولة للتخلي عن الاشتراكية واتخاذ مسار خاطئ".

إن الصين اليوم لا تختار مكانا لها بين الشرق او الغرب، فبدلا عن ذلك، تتمسك بمسارها التنموي الخاص وسط المشهد الدولي المتغير، وهذا في حد ذاته مساهمة كبيرة من أجل التنمية السياسية للجنس البشري.

وحول ذلك قال تشنغ تاشنغ تشونغ الخبير في بناء الحزب بجامعة فودان في شانغهاي :" إن أياً من التأثيرات والانعكاسات الغربية ستؤثر في ثقة وإيمان ومنطق الامة الصينية".

كيف لنهوض الصين أن يؤثر على العالم

عندما كان عدد من الدول الغربية يصارع في السابق لتجاوز الاوضاع الاقتصادية المنكمشة والمشاكل الاجتماعية والشعبوية، ركز الخبراء والمحللون في جميع أصقاع العالم على تأثير تلك الصراعات والمشاكل الغربية على مستقبل نهوض الأمة الصينية.

فقد وصفت صحيفة "فايننشال تايمز" نهوض الصين ذات مرة بأنه الحدث الاكثر أهمية في ذلك العصر، وقالت إن إحياء ونهوض دول يشكل عدد سكانها خمس إجمالي سكان العالم سيكون له آثار كبيرة وعميقة على مستقبل العالم بأسره.

وبينما وصف نابليون بونابرت الصين بأنها " أسد نائم" قبل قرنين من الزمن، إلا أنه قال إن إيقاظ ذلك الأسد "سيهز أركان العالم بأسره".

وعلى الرغم مما قاله بونابرت، إلا أن الرئيس شي جين بينغ عبر عن نهوض وإحياء الأمة الصينية بشكل أكثر دقة ومنطقية حيث قال إن إيقاظ الأسد الصيني هو " إيقاظ لكائن مسالم وودود ومتحضر" لا يملك على الإطلاق أي نوايا لتهديد أي كان.

وبدلا من هز أركان العالم، ها هي الصين اليوم تجلب المزيد من الفرص للعالم، وتنخرط على نحو متزايد مع بقية دول العالم، وتقدم إسهامات كبيرة للسلام والازدهار العالميين.

وستمضي الصين قدما وبعيدا عن مجرد إطلاق الشعارات والأقوال ، فالصين التي اعتادت على توفير المنتجات فقط ، باتت اليوم تعرض وتطرح الحلول الناجعة على الصعيد الدولي. ومن خلال مفهومها ونظرتها لمجتمع عالمي من المستقبل المشترك، ومبادرتها الخاصة بالحزام والطريق، فإن الصين تتطلع قدما لتأسيس عالم أكثر عدلا ومساواة وتوزانا، لأن نهوض الصين ليس جيدا فقط لأبناء الأمة الصينية، وإنما للعالم بأسره.

KEY WORDS: الصين,الاقتصاد
YOU MAY LIKE
010020070790000000000000011101421366484081