بكين 21 أكتوبر 2017 (شينخوا) إن كل شخص تابع خطاب شي جين بينغ خلال الجلسة الافتتاحية للمؤتمر الوطني التاسع عشر للحزب الشيوعي الصيني قد وصلته رسالة واضحة وصريحة مفادها : إن عصرا جديدا قد بدأ.
ووسط إعلان شي بأن الاشتراكية ذات الخصائص الصينية قد دخلت عصرا جديدا، بيّن شي أن " التناقض الرئيسي" الذي يواجه المجتمع الصيني الذي استمر لـ 36 سنة قد تغير الآن ، حيث بات تحولا " يؤثر على كامل المشهد العام".
إن " التناقض الرئيسي" هو مصطلح بات أغلب الصينيين معتادين عليه منذ المدارس الإبتدائية ، إلا أن قلة قليلة فقط من الأجانب والخبراء في الماركسية سيعرفون هذا المصطلح الذي يبدو غامضا عن المصطلحات السياسية السائدة.
يفسر الماركسيون العالم من خلال ما يعرف بـ ديالكتيك المادة. أما التناقض أو ما يعرف بـ "القوى المتعارضة الديناميكية" فهي تقبع في كل مكان في المجتمع وتقود التغيرات الاجتماعية . وبالتالي فإن " التناقض الرئيسي" هو ما يحدد المجتمع ويُعرّفه. كما انه ومن خلال تعريفه وحله، يتمكن المجتمع من التطور بطريقة سلمية. أما ترك الأمر دون حل، فمن شأنه أن يقود إلى الفوضى التي من شأنها أن تفضي في النهاية إلى الثورة، كما تنبأ ماركس.
ومنذ توليه مقاليد الحكم في العام 1949، عرّف الحزب الشيوعي الصيني التناقض الرئيسي، وكما يتغير الزمن وتتغير التناقضات، وضع الحزب وصاغ سياسات جديدة تتلاءم وتتجاوب بدورها مع تلك المتغيرات.
وبفترة قصيرة بعد العام 1949، كان التناقض الرئيسي هو " الشعب ضد قوى الإمبريالية والإقطاعية وفلول الكومينتانغ" ثم تطور ليصبح فكريا " البروليتاريا ضد البرجوازية" ما قاد إلى فترة طويلة من الاضطراب الاجتماعي عبر عموم أرجاء البلاد .
وفي العام 1981، غيّر الحزب الشيوعي الصيني من تقديراته ورؤيته للتناقض الرئيسي إلى " التناقض بين الاحتياجات المادية والثقافية المتزايدة للشعب والإنتاج المجتمعي المتخلف" وهو ما يعتبر تحولا سياسيا تاريخيا في قلب الإصلاح والانفتاح . وبالتالي فإن تطوير الاقتصاد الذي يتم بشكل رئيس من خلال النمو كان أمرا صادق الحزب الشيوعي الصيني عليه واعتبره بمثابة " المهمة المركزية". وأطلق العنان على نحو غير مسبوق لإصلاحات اقتصاد السوق، التي كان ينظر إليها في ذلك الوقت على أنها رصاصة سحرية لتحويل الإنتاج.
ونما الاقتصاد الصيني ليصبح ثاني أكبر اقتصاد بالعالم، وليتوسع بواقع نحو 10 بالمئة كل عام على مدار أكثر من ثلاثة عقود. وأضحت الصين مصنع العالم. وباتت الأسواق تعج بالسلع الاستهلاكية، التي كانت بالكاد ترى في البلاد عام 1981.
وباتت قائمة "صنع في الصين" أطول بكثير اليوم، وأصبحت المنتجات أكثر تطورا وجودة وتشكل كل شيء تقريبا، لتتحول البلاد حاليا إلى مختبر وسوق العالم، حيث برزت شركات الإنترنت العملاقة وسط ازدهار الطلب الاستهلاكي المدعم بأحدث تكنولوجيا للهواتف المحمولة، ما أكد بالتالي على ان فترة " تراجع الإنتاج الاجتماعي " قد ولّت إلى غير رجعة أبدا وإلى الأبد .
وقال شي :" إن ما نواجهه حاليا هو التناقض بين حاجة الشعب المتزايدة إلى حياة جميلة والتنمية غير المتوازنة ولا الكافية".
وعلى الرغم من التحسينات الضخمة التي شهدتها البلاد على مختلف الصعد والمجالات، إلا ان مشكلة كالضباب الدخاني لا تزال ماثلة بوضوح.
ولذلك قال شي :" لم يطرح التوسع المتزايد لحاجة الشعب إلى حياة جميلة مطالب أعلى من الحياة المادية والثقافية فحسب، بل أدى إلى تزايد المطالب المتعلقة بالديمقراطية وحكم القانون والإنصاف والعدالة والأمن والبيئة وغير ذلك من المجالات. "
وفيما تظهر الاختلافات والفروق واضحة بين مختلف المناطق الصينية بشكل حاد، ما يؤدي إلى ظهور فجوة متزايدة في مستوى الدخل الشخصي بين من يملكون ومن لا يملكون، وهو أمر يشغل بال العامة ولا يجب التغاضي أو السكوت عنه أبدا.
وسعيا منه لمعالجة هذا الامر، فإن الحزب الشيوعي الصيني يهدف من خلال سياساته لتحقيق المزيد من التوازن، وتنمية أكثر جودة عبر كافة مناطق البلاد والقطاعات، حيث من المتوقع أن يستمر الامر على هذا النحو لبعض الوقت ليتم تحقيق هذه السياسات والأهداف ، وربما حتى يشهد التناقض الرئيسي تحولا جديدا.
لم يكن شي مقتضبا في كلماته، فقد قال إن الصين ما زالت وستظل لفترات طويلة من الزمن في المرحلة الأولية من الاشتراكية، في حين لم تتغير كذلك المكانة الدولية للصين كأكبر دولة نامية في العالم.
فاستراتيجية شي التنموية ذات المرحلتين تمتد لـ 30 عاما، بهدف كبير يتمثل بجعل الصين " دولة اشتراكية حديثة قوية" وذلك بحلول أوساط القرن الحادي والعشرين.
إن صينا "مزدهرة وقوية وديمقراطية ومتحضرة ومتناغمة وجميلة" فقط، ستكون جاهزة لتخطي العتبة للعبور إلى مرحلة جديدة من الاشتراكية .