مقالة خاصة: في الذكرى الـ15 لحرب العراق...طريق الانتعاش طويل وسط تحديات معقدة وجمة
بكين 19 مارس 2018 (شينخوا) غدا... تحل الذكرى الـ15 للهجوم العسكري الذي شنته الولايات المتحدة على بلاد الرافدين تحت ذريعة حيازة نظام صدام حسين لأسلحة دمار شامل في تحرك خرج عن نطاق مجلس الأمن الدولي وتعارض مع ميثاق الأمم المتحدة وذلك دون العثور على أي من "أسلحة الدمار الشامل" تلك حتى يومنا هذا.
ولقد استطاع هذا البلد بل ومنطقة الشرق الأوسط برمتها على مدى هذه السنوات التغلب على صعوبات وتحديات مختلفة أنتجتها هذه الحرب على الأصعدة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية . ففي الآونة الأخيرة، حقق العراق نصرا على الإرهاب بدحره لتنظيم (داعش) عسكريا؛ وفي 12 مايو المقبل، سيشهد انتخابات برلمانية من شأنها أن تنقل العراق إلى مرحلة بناء الدولة. ولكن في ظل ما تسببته هذه الحرب من آلام لمنطقة الشرق الأوسط بوجه عام ومن مشكلات عديدة ومعقدة للعراق بوجه خاص، فسوف يحتاج الأمر إلى قطع طريق طويل لسنوات أخرى حتى يحققا الانتعاش المنشود.
-- العراق: توقعات متفائلة وتحديات جمة
إن العراق يعاني بشدة من تداعيات حرب العراق ومن أعباء مكافحة الإرهاب ومن الآثار التي خلفها انخفاض أسعار النفط لفترة طال أمدها، حيث سجل إجمالي الناتج المحلي للعراق نموا بالسالب فيما وصل معدل البطالة لديه في عام 2017 إلى 16.1 في المائة.
وفي مجال الاقتصاد، أبقت مؤسسة "بي أم أي ريسرش" البحثية التابعة لوكالة "فيتش" للتصنيف الائتماني، في تقريرها القطري لتقييم المخاطر بالنسبة للعراق لعام 2018، على رؤيتها المستقبلية للتنمية في البلاد عند "نظرة إيجابية"، حيث توقعت ارتفاع معدل نمو الناتج الإجمالي الحقيقي للعراق هذا العام، وهو ما يعكس نظرة متفائلة نسبيا تجاه الاقتصاد العراقي انطلاقا من تعزز الثقة المصاحبة لارتفاع أسعار النفط والجهود المبذولة لإعادة بناء شبكة البنى التحتية المتضررة في البلاد. ومع ذلك،فإن ضعف الإنتاج في ضوء التخفيضات التي حددتها منظمة أوبك،والمخاطر السياسية القائمة،سيؤثران على الآفاق الاقتصادية لهذا البلد خلال السنوات القادمة.
وتتنبأ المؤسسة في تقريرها بأن يزداد الطلب على الواردات في عام 2018 على خلفية إعادة فتح المسارات التجارية والحاجة إلى سلع رأسمالية لعملية إعادة الإعمار. كما يرى التقرير أن الوضع المالي للحكومة العراقية سيشهد بعض أوجه التحسن المتواضعة خلال السنوات القادمة حيث سيسهم ارتفاع أسعار النفط في تحقيق إيرادات أعلى ؛ ويتوقع أن تسجل الحكومة العراقية عجزا في الموازنة يعادل 6.9 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2018.
ولكن التقرير حذر من أن المخاطر السياسية ستظل قائمة، وخاصة في الفترة التي تسبق انتخابات مايو القادم التي من المزمع أن تنقل العراق من مرحلة بناء الديمقراطية إلى بناء الدولة، وسط مخاوف بشأن حالة الاستقرار الأمني والسلم المجتمعي والمشكلات الطائفية في العراق فضلا عن تنافس قوى على كسب مجال نفوذ هناك.
-- الشرق الأوسط: أنين بعد كسر التوازنات
يرى المحللون أن أكبر الآثار الخطيرة لحرب العراق على المنطقة وحتى العالم هو أنها كسرت نوعا من التوازن بين الأيديولوجيا العلمانية والأيديولوجيا الدينية في الشرق الأوسط، وتمثل ذلك في بروز شبح الإرهاب والتطرف واشتعال الصراع الطائفي وسط حالة الفراغ السياسي والإداري.
لقد انبثق تنظيم داعش وجماعات إرهابية أخرى عن تنظيم القاعدة في العراق بعد سقوط نظام صدام حسين. ورغم أن العراق وسوريا أعلنا انتهاء داعش عسكريا، إلا أن المعركة الإقليمية والدولية ضد الإرهاب لا يزال أمامها شوطا طويلا عليها أن تقطعه لأن أيديولوجيا التطرف والإرهاب لم تنته بعد.
وأيدت هذه الرؤية دارسة أجراها مركز الأبحاث الأمريكي "مجلس العلاقات الخارجية" وأفادت بأن تنظيم القاعدة أعاد في السنوات الأربع الماضية بناء نفسه بهدوء وركز نفوذه ونشاطه في سوريا واليمن والصومال، حيث كان من بين التنظيمات الإقليمية الأكثر استغلالا للاضطرابات التي تشهدها المنطقة منذ عام 2011. كما أشارت الدراسة إلى أن عدد القوات الموالية للقاعدة وفروعه يصل حاليا إلى عشرات الآلاف، منوهة إلى أنه عدد قادر على زعزعة الاستقرار المحلي والإقليمي.
إضافة إلى ذلك، فإن المواجهة الطائفية في حقبة ما بعد صدام أشعلت حالة من الصراع بين القوى الكبرى في المنطقة وخارجها. فعلى الجانب الإقليمي، أصبح العراق على هامش تنافس بين السعودية وإيران وخاصة في ظل القراءات الشائعة حول وجود وكلاء لإيران في المنطقة. وأما على الجانب الخارجي، فقد دعا وزير الخارجية الأمريكي السابق ريكس تيلرسون في أكتوبر الماضي الفصائل الشيعية في العراق إلى العودة إلى "ديارها"، ليصبح الأمر أكثر تعقيدا.
-- تحالف دعاة الحرب: تفكك وسط مأزق الإدارة الدولية
بعد 15عاما، اعترف معظم دعاة الحرب بخطأهم. ويرى محللون أن سمعة الولايات المتحدة ومكانتها تشهدان تراجعا أمام حلفائها فيما يخص مسألة الإدارة الدولية، لتتحول العلاقة بينهما من "حلفاء إلى شركاء"، وتجسدت حالة انعدام الثقة المتبادلة بجلاء في كثرة الإخفاق في تشكيل جبهة موحدة في ملفات دولية عديدة أخرى، صعدت إلى الواجهة في عصر ما بعد الحرب، خشية تكرار الكارثة التي حدثت في العراق.
وفي نفس السياق، حولت الولايات المتحدة دفة أولويتها - في إطار إستراتيجيتها للدفاع الوطني لعام 2018 التي صدرت في يناير المنصرم - من مكافحة الإرهاب إلى التنافس بين القوى الكبرى. ولم تول،عقب انسحاب قواتها من أراضي العراق والنجاح في إنهاء داعش عسكريا، اهتماما بمسألة إعادة إعمار هذا البلد الذي تضررا كثيرا جراء حرب لا مبرر لها. وفي ختام مؤتمر دولي عقد في الكويت في فبراير الماضي، صدرت تعهدات بمنح العراق 30 مليار دولار لإعادة إعماره، وهى تعهدات بعيدة عن مبلغ الـ88.2 مليار دولار الذي أعلن وزير التخطيط العراقي سلمان الجميلي حاجة العراق إليه لإعادة الإعمار. وفي الواقع، لم تقدم الولايات المتحدة للعراق خلال هذا المؤتمر سوى قروض، وهو ما يؤكد مجددا على عدم مصداقية واشنطن على الساحة الدولية.
وفي الوقت ذاته، أشار تقرير صدر مؤخرا عن المعهد الدولي لبحوث السلام في العاصمة السويدية ستوكهولم إلى أن الولايات المتحدة مثلت 34 في المائة من إجمالي مبيعات الأسلحة في العالم خلال الفترة ما بين عامي 2013 و 2017 وأن نصف هذه المبيعات أو 49 في المائة من إجمالي صادرات الأسلحة الأمريكية تدفق إلى الشرق الأوسط.
ومن هنا يتضح أن الولايات المتحدة استفادت من الوضع الجيوسياسي الذي تعيشه بلدان المنطقة بعد حرب العراق، ولكنها لم تقدم في الواقع المساعدة الكافية لدفع هذه البلدان نحو طريق الانتعاش.