تحقيق إخباري: "الثأر" مرض مزمن في جنوب مصر.. وجهود رسمية وشعبية لوقف "سلسال الدم"

2018-07-28 22:49:55|arabic.news.cn
Video PlayerClose

قنا، مصر 28 يوليو 2018 (شينخوا) تعد ظاهرة "الأخذ بالثأر" من أخطر الظواهر الاجتماعية التي تواجه المجتمع المصري، وخاصة في صعيد مصر الذي يسيطر عليه الطابع القبلي.

ولظاهرة "الأخذ بالثأر" أثار اجتماعية واقتصادية وأمنية وإنسانية ونفسية سلبية بالغة على الفرد والمجتمع على حد سواء، تمتد لعدة أجيال ولا تقتصر على جيل واحد.

ويحي غالبية مواطني قرى محافظة قنا خاصة من الأطفال والنساء على أمل أن يجد حياة خالية من القتل والدم المصحوب بمشاعر الحزن والخوف من ذويهم وعشيرتهم.

وسجلت الأعوام العشرة الأخيرة جريمة ثأر علي الأقل شهريا، حيث بلغت عدد جرائم الثأر خلال هذه الفترة بمحافظة قنا وحدها نحو 200 جريمة ثأرية، بلغت ذروتها في العام 2009.

ويعد "نجع معلا" بقرية الحجيرات التابعة لمركز قنا، أحد الأمثلة الصارخة الشاهدة على جريمة الثأر وآثارها، الأمر الذي دفع المواطنون ليطلقوا عليه "نجع الأرامل"، إذ لا يخلو منزل فيه من أرملة أو يتيم فيما يعيش الرجال الأحياء بالجبل إما هربا من القتل أو هربا من يد العدالة.

ويربى الأطفال في "نجع معلا" شأنه في ذلك شأن الكثير من قرى ومدن صعيد مصر، علي ثقافة "الأخذ بالثأر" بما يحافظ على دائرة الدم والموت.

ويعاني النجع من الأمية والجهل نظرا لتدني نسبة التعليم فيه والتي لا تتجاوز 10 بالمائة، فيما تتجاوز نسبة الأرامل نسبة 90 بالمائة من المتزوجات، بحسب سكانه.

وتقول فتحيه العسيلى (70 عاما)، من "نجع معلا" بقرية الحجيرات، إنها فقدت زوجها وابنها منذ ما يقرب من 15 عاما بسبب الثأر ولم يتبقى لها سوء ابن واحد وثلاث بنات.

وأضافت العسيلي لوكالة أنباء ((شينخوا)) إنه رغم وجود عدد من المشكلات بالقرية، إلا أن التفكير الغالب علي جميع النساء في القرية يتمثل في القتل والثأر وحمل السلاح.

ولفتت إلى أن الأرملة تفضل أن يأخذ ابنها بالثأر لعائلته حتى وإن فقدته هو الآخر، والأهم من وجهة نظرها أن تسير مرفوعة الرأس، مشيرة إلى أنه كثيرا ما تعلن النساء خوض حرب الثأر بأنفسهن.

ويروي محمد عويس (62 عاما)، بينما يجلس علي مصطبة أمام منزله بـ "نجع معلا" قريه الحجيرات، أن نجل شقيقه البالغ من العمر 15 عاما راح ضحية إحدى الخصومات الثأرية، مضيفا أن والده عندما شاهده غارقا في دمائة سقط ميتا، وتم دفنهما سويا في مقبرة واحدة.

وأشار عويس لوكالة أنباء (شينخوا) إلى أن تلك الخصومة استمرت عدة سنوات حتي تم التصالح بقبول القودة منذ ما يقرب من عام ونصف ووقف نزيف الدم بفضل جهود لجان المصالحات والأجهزة الأمنية والشعبية.

و"القودة" مراسم يتم فيها حضور القاتل على مرأى ومسمع عدد كبير من الناس سيرا على الأقدام حاملا كفنه على يده ليقدمه إلى أهل القتيل الذين لهم الحق أن يعفوا ويصفحوا عنه أو يقتلوه، وغالبا ما يتم الصفح عن القاتل ويتوقف نزيف الدم ومسلسل الأخذ بالثأر.

أحد التلاميذ، والذي طلب ذويه عدم الافصاح عن اسمه، والبالغ من العمر 12 عاما، بالصف السادس الابتدائي، بمدرسة الحجيرات للتعليم الأساسى، قال "أتمني أن أتلقى العلوم الدراسية من المدرسين بالمدرسة الذين لا نجدهم لأنهم يخافون من الحضور للمدرسة خوفا من المشاكل الثأرية بين العائلات وبعضها بالقرية، خاصة وأن جميع المدرسين من خارج القرية".

وأشار إلى أنه "لا يوجد بالقرية من يكمل تعليمه إلا نادرا، بينما نتعلم منذ الطفولة المبكرة من أهلنا حمل السلاح وكيفية استخدمه ودخولنا المعارك الثأرية رغم عنا".

وتابع بلهجة يملؤها الأسى "أتمنى أن أجد نفسي يوما ما أحمل القلم بدلا من السلاح كي استطيع أن أصبح يوما ما نافعا لوطني ولأهل قريتي".

يضيف محمود عبد المعز، (65 عاما)، موجه سابق بالتربية والتعليم، بقرية المحروسة، التابعة لمركز قنا، وهو والد إحدى ضحايا الخصومات الثأرية، حيث قتل ولده بعدة طلقات من الرصاص قبيل الاحتفال بزفافه، بينما كان الاستعداد لإقامة العرس على قدم وساق، وتوفيت والدته حزنا وكمدا عليه بعد نحو 10 أشهر.

وأشار عبدالمعز لوكالة أنباء (شينخوا) إلى أنه بعد حوالي عامين ونصف العام تمت الاستجابة لمفاوضات لجان المصالحات، وقبل بالقودة وأنهي الخلاف من أجل أن تعيش القرية فى أمن وسلام، وليحافظ على باقى أولاده من أن يلقوا نفس المصير.

ولم يسلم النائب حمزة أبو سحلي عضو مجلس النواب المصري (البرلمان) عن دائرة فرشوط شمال محافظة قنا، هو الأخر من دائرة الدم والقتل، إذ فقد ابنه الأكبر الذي سقط صريعا خلال الصراع الثأري بين عائلته وعائلة المخالفة.

وأكد أبو سحلي لوكالة أنباء (شينخوا) أن المصالحة الثأرية التي أجرتها الجهات الرسمية والشعبية قد أوقفت سلسال الدم بين العائلتين وأشعرته بالسلام النفسي واحترام الجميع بعد إبرامه الصلح مع العائلة الأخرى وإقناع أهله بضرورة قبول الصلح.

من جانبه، أشار اللواء عبد الحميد الهجان محافظ قنا إلى تنفيذ 100 مصالحة ثأرية بين عائلات المحافظة خلال الأربع سنوات الماضية، معتبرا ذلك الرقم الأكبر خلال العشر سنوات الماضية.

وأكد الهجان لوكالة أنباء (شينخوا) أن القيادة السياسية تجعل من أولوياتها تجفيف كافة الصراعات الثأرية بمنطقة جنوب الصعيد وخاصة محافظة قنا عاصمة قبائل الصعيد.

ولفت إلى خطورة ظاهرة الثأر باعتبارها من أشد معوقات التنمية، منوها بأن الصلح يساهم في البناء والتقدم وتحقيق خطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية لا تأتى إلا بالأمن والأمان.

ونوه محافظ قنا بالدور الذي تلعبه العادات والتقاليد الطيبة التي يمتاز بها أهالي الصعيد وأبناء محافظة قنا وخاصة ما يتعلق بالعفو عند المقدرة، الأمر الذي ساهم بنصيب كبير في نزع فتيل الفتن والخصومات.

فيما أكد اللواء علاء العياط مساعد وزير الداخلية مدير أمن قنا أنه بالتزامن مع المصالحات الثأرية المتواصلة خلال السنوات القليلة الماضية، شنت الأجهزة الأمنية أكبر حملات أمنية في تاريخ الصعيد لجمع الأسلحة غير المرخصة وضبط الخارجين علي القانون القائمين علي تلك التجارة الدموية.

وقال العياط، لوكالة أنباء (شينخوا)، إن عدد قطع السلاح المضبوطة بلغ أكثر من 3000 قطعة سلاح ناري غير مرخص و أكثر من 20 ألف طلقة نارية خلال العامين الماضيين، علاوة علي تفعيل نقاط الشرطية بقري الثأر والمعروفة إعلاميا بقري الدم والنار "السمطا، وحمرا دوم، وأبو حزام، وكوم هتيم".

وأضاف إن هذه الإجراءات كان لها أبلغ الأثر في تضييق الخناق علي كافة العناصر الخارجة علي القانون التي تأجج الصراعات الثأرية بين العائلات والقبائل بمحافظة قنا، مؤكدا الإلتزام بسياسة وزارة الداخلية المصرية بالقضاء على عادة الثأر والخصومات خاصة في جنوب صعيد مصر.

الصور

010020070790000000000000011100001373542901