تحقيق إخباري: صناعة العود في بغداد.. ألق التاريخ والحان تشد السامعين

2018-09-14 16:49:59|arabic.news.cn
Video PlayerClose

الصورة: صناعة العود في بغداد

في الصورة الملتقطة يوم 26 أغسطس 2018، مشهد لعراقي يعمل على تصنيع "العود" في ورشته وسط العاصمة العراقية بغداد.

بغداد 14 سبتمبر 2018 (شينخوا) مزيج من موسيقى عذبة وأصوات سنادين ومطارق يشدك وانت تمر بشارع الرشيد التراثي وسط بغداد، لتجد نفسك على اعتاب سوق تخصص في صنع آلة العود الموسيقية العراقية الموغلة في القدم.

حين تضع أقدامك في أحد المحلات العتيقة بهذا الشارع العريق يبهرك ذلك الكم من صور الفنانين والمثقفين الذين زاروا هذا السوق وتبضعوا أجود أنواع العود منه، فيما يستقبلك صاحب المحل بمعزوفة جميلة على أوتار عود بذل في صنعه واتقانه من الجهد ما بذل.

وفي السياق ذاته، قال علي العبدلي صاحب ورشة لصناعة العود العراقي ورث المهنة عن والده محمد العبدلي أحد صناع العود المعروفين والذي يمارس مهنته منذ نحو 40 عاما "صناعة العود في العراق، صناعة قديمة تعود إلى الحضارات السومرية والبابلية والاكدية، وتطورت بمرور الزمن حتى ظهر الفنان المعروف زرياب في العصر العباسي الذي اضاف وترا جديدا إلى العود الذي كان يتألف من ثلاثة أوتار فاصبحت اربعة وعند سفره إلى الاندلس زادها إلى خمسة أوتار فزاد من جمالية العزف على العود".

وحول أبرز صناع العود في بغداد يقول العبدلي "إن هناك عددا من الاسماء التي لمعت بمجال صناعة العود العراقي واوصلته إلى مصافي الموسيقى العالمية ومنهم الاسطى علي العجمي وابنه محمد علي، ومحمد فاضل، وعلوان الصالح، ونجم عبود، ونجاح البغدادي، وغيرهم ممن اسهموا بالمحافظة على هذه المهنة واتقان العمل فيها".

وأضاف "إن من الفترات الذهبية التي مرت بها صناعة العود في العراق الحديث هي فترة السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، حيث المهرجانات الثقافية والفنية والحفلات والنوادي الموسيقية متواصلة على مدار العام، كما توسعت الدراسة في معاهد وكليات الفنون الجميلة والأقسام الموسيقية فيها".

وتابع العبدلي "ان هذه العوامل انعشت صناعة العود بشكل كبير، واصبح له سوق رائج على المستوى الداخلي والخارجي، اذا كان يزور العراق المئات من الفنانين العرب والاجانب فضلا عن السياح ومحبي الالات الموسيقية، الامر الذي انعكس ايجابا على صناعة وتجارة العود، فمعظم الفنانين الذين يزورون بغداد تكون لهم إطلاله على سوق صناعة العود أو ما يعرف محليا بـ (سوق العوادين) وهو سوق يضم مجموعة من المحلات المتجاورة في حي حسن باشا المطل على شارع الرشيد وسط بغداد وهو من أقدم شوارع بغداد وأكثرها اهتماما بالثقافة والفنون ويضم مجموعة من المقاهي الفنية والمكتبات العلمية وخصوصا في شارع المتنبي المتفرع عنه.

ولفت إلى أن من الأمور التي زادت في انتعاش سوق العود في ذلك الوقت هو وجود عدد من الحرفيين المتميزين الذين عملوا على أساس الجودة والمتانة ودقة الانتاج وعدم وجود دخلاء على المهنة كما هو موجود حاليا، حيث تنتشر في بعض الاماكن محلات لبيع العود المزيف وهؤلاء اساؤوا لمهنة صناعة العود.

وأوضح العبدلي وهو يشير إلى مجموعة من الصور التي غطت جزءا من جدار المحل، أن العديد من مشاهير الفن والغناء العربي قد زاروا هذا المحل ومنهم وديع الصافي وفريد الأطرش وبليغ حمدي فضلا عن كبار الفنانين العراقيين.

اما سنان سمير (45 عاما) صاحب محل لصناعة واصلاح العود، فقال وهو يقف في ورشة صغيرة ملحقة بمحله ويمسك بيده آلة عود قيد العمل، "إن صناعة العود تحتاج إلى خبرة ودقة عالية ومعرفة بانواع الخشب المستعمل في صناعته وطريقة التعامل مع الخشب بالشكل الذي يوصلنا إلى صنع آلة متميزة من ناحية الشكل والصوت والمتانة".

وأضاف إن العود يصنع على مراحل تستخدم فيها أنواع متميزة من خشب السيسم والأبانوس والصندل والزان والرارنج والمهوكني والجاوي، حيث يتم تشريحها على شكل قطع لصنع (الطاسة)، وهي ظهر العود المقوس اما وجه العود وهو الجزء الاهم فيحتاج إلى مهارة خاصة ودقة بمعرفة سمك الخشب الذي يصنع منه والنقوش التي تزينه ومن ثم تثبيت (زند) العود (يده) ومجموعة بيت مفاتيح الأوتار وأخيرا تثبت الأوتار على العود ليصبح جاهزا للعرض".

وتابع سمير"بحسب ما أكد لي والدي، فان العمل بالسوق خلال فترة السبعينيات والثمانينيات، كان لاينقطع وطلبات الفنانين من الدول العربية، والفنانين العراقيين متواصلة، حيث كنا نبيع آلة العود التي نصنعها يدويا للسياح والوفود التي تأتي للمشاركة في المهرجانات مثل مهرجان بابل والمربد والاحتفالات الرسمية بالمناسبات والاعياد الوطنية، ولكن الامور تغيرات بعد العام 2003، حيث انخفضت المهرجانات الفنية وتدهورت الاوضاع الامنية والاقتصادية وظهرت تيارات دينية متشددة تعادي الفن بكل اشكاله".

ولصانع العود، عامر علي العواد، قصة عشق مع هذه الآلة التي يصفها بـ"الساحرة" قائلا "بدأت رحلتي بالعمل بمجال صناعة العود العام 1984 عندما عملت مساعدا للصانع الكبير وعازف العود المرحوم نجم عبود في هذه الورشة التي اعمل بها حاليا بسوق العوادين، فقد استهواني العمل بهذا المجال واخذ كل وقتي وتفكيري لاني بصراحة اعشق الموسيقى وخصوصا العود فهو يسحرني ويشدني بانغامه الشجية".

واضاف ان صناعة العود في العراق قديمة مثل قدم تاريخ وحضارة هذا البلد وبحسب المصادر التاريخية التي اطلعت عليها بحكم اهتمامي بهذه الصناعة، فان تاريخ هذه الآلة في بلاد الرافدين يعود إلى العام 2350 قبل الميلاد، مبينا انها كانت في البداية عبارة عن قطعة خشب يقومون بتجويفها وربط الاوتار عليها، ولكنها تطورت بمرور الزمن حتى وصلت إلى الشكل الذي هي عليه الان.

ومضى يقول "إن من ما يميز العود العراقي، واعني به الذي يصنع يدويا وليس العود الذي يصنع بواسطة الآلات، هو ذلك التناغم الكبير بين دقة الصنع والالوان والزخارف التي تزينه والمعزوفات الرائعة التي تؤدى بواسطته بالحان تحارب التطرف وتعزف لغد أجمل".

وتابع العواد، ان الفنانين والسياح من مختلف الدول كانوا يتسابقون على اقتناء ما صنعته أيادي الحرفيين في هذا السوق من أعواد جميلة ومطرزة ولا يبالون بأسعارها لجودتها العالية ولما للعود العراقي من شهرة تاريخية".

وعن الاسعار التي تباع بها آلة العود، أوضح العواد أنه ليس هناك سعر محدد وانما يتوقف الامر على المواصفات التي يطلبها الزبون من حيث نوعية الخشب واللون والنقوش والزخارف التي يريدها والحقيبة التي يوضع فيها العود ونوعية الجلد الذي تصنع منه، مشيرا إلى أن هناك أنواع بسيطة الصنع تباع باسعار مناسبة لطلبة المعاهد الموسيقية.

واعتبر حسن ابراهيم (65 عاما) وهو عازف عود، ان الكثير من معالم الحياة الثقافية والفنية قد شهدت بعد العام 2003 تدهورا وتراجعا كبيرا وان من بين ذلك صناعات وحرف اشتهرت بها البلاد ومنها صناعة العود، اذ ترك العنف والصراعات السياسة والتطرف اثارا واضحة في كل مجالات الحياة.

واضاف أنه على الرغم من هذه الصعوبات الا ان صناعة العود وبوجود عدد لا بأس به من الحرفيين الذين اجادوا هذه الصناعة وابدعوا فيها حتى وصلت إلى مصافي العالمية ما زالت تحظى باهتمام قطاع كبير من الفنانين وطلاب كليات ومعاهد الفنون وهواة الموسيقى الذين يأتون من مختلف محافظات البلاد وحتى من خارجها لشراء ما يحتاجونه والاستماع إلى الانغام العذبة التي تنطلق من ورش السوق بريشة فنان جاء يجرب آلته التي اشتراها أو صانع يريد الاستماع إلى الآلة التي ابدع في صنعها.

وتابع ابراهيم ان صناعة آلة العود في العراق تعتبر من الصناعات التراثية التي يعود تاريخها إلى ما قبل الميلاد بمئات السنين، لاسيما وان المخطوطات الأثرية التي يعود تاريخها إلى الحضارات الأولى في بابل وشور واكد، تشير بوضوح إلى أن الموطن الأصلي لهذه الآلة هو بلاد الرافدين.

وأكد أن العود العراقي، انتشر بشكل واسع في مختلف الدول العربية وذلك لجودته ودقة صناعته، مبينا ان كل الفنانين العرب الذين زاروا بغداد قد اقتنوا اعوادهم من امهر صناع العود في هذا البلد ومنهم محمد فاضل العواد، الذي صنع للكثير من الفنانين ومنهم فريد الأطرش ومنير بشير وطلال مداح ونصير شمه عازف العود العراقي المعروف على مستوى العالم اليوم.

ووفقا لموسوعة (ويكبيديا) فقد، قامت جامعة اوكسفورد باقتناء أحد اعواد محمد فاضل ووضعته في متحف الجامعة، مضيفة ان من اشهر العرب الذين اقتنوا عود محمد فاضل، فهم الملك فيصل الثاني وبعض ملوك العرب ومن الفنانين، فريد الأطرش العام 1962، وأم كلثوم وعبد الحليم ومحمود الكويتي وسعدون جابر وكاظم الساهر ومن العازفين علي الإمام وجميل بشير ومنير بشير وروحي وغانم حداد.

   1 2 3 >  

010020070790000000000000011101451374678831