أول مطعم خاص في الصين
بكين 19 نوفمبر 2018 (شينخوانت) يقع في زقاق ضيق يسمى "تسوي هوا" بالقرب من الشارع التجاري المشهور "وانغ فو جينغ" ببكين مطعم مزين بأسلوب الطراز المعماري التقليدي الصيني، حيث عُلقت الفوانيس الحمراء على السقف، وتجذب انتباه المارة لوحة خشبية قديمة كُتبت عليها عبارة "أول مطعم خاص في الصين". وبعد دخول هذا المطعم الصغير الذي لا تتجاوز مساحته 60 مترا مربعا، سترى أنه مليء بالزبائن المحليين والأجانب الجالسين حول 10 طاولات لتذوق الأطباق اللذيذة. هذا هو مطعم "يوه بين"- أول مطعم خاص أنشئ بعد تنفيذ سياسة الإصلاح والانفتاح في الصين.
قبل عام 1980، كان تناول وجبة في المطاعم ببكين أمرا في غاية الصعوبة، حيث كانت جميع المطاعم تقريبا مملوكة للدولة، وعددها قليل، وأسعار وجباتها عالية نسبيا. وكان الدخل الفردي في الشهر منخفضا، ووجبة واحدة في المطعم تستهلك جزءا كبيرا من الراتب الشهري لعامل عادي، لذا نادرما يذهب الناس إلى المطاعم. وتغير الان هذا الحال بفضل الجهود المبذولة من الزوجين "قوه بي جي" و"ليو قوي شيان" في 30 سبتمبر عام 1980.
وكان الزوجان قوه بي جي وليو قوي شيان يعملان طباخين في أحد المصانع الحكومية ببكين لمدة طويلة، وفي أوقات الفراغ، كان جيرانهما وسكان المجمع السكني يدعونهما دائما لطبخ وليمة الزفاف نتيجة مهارتهما الرائعة في الطبخ. وفي أحد الأيام من ربيع عام 1980، قرأ الزوجان خبرا في صحيفة حول قرار الحكومة الصينية بالإسراع بخطوات الإصلاح والانفتاح والتشجيع على تنمية اقتصاد القطاع الخاص، وخطرت على بالهما فكرة جريئة في ذلك الوقت، وقالا إن الجميع يحب الأطباق التي يطبخانها، فلماذا لا يفتحان مطعما خاصا لجذب الكثير من الناس لتذوق الأطباق الشهية بأسعار معقولة؟ ثم حولا منزلهما إلى مطعم صغير ومزين بأسلوب الطراز التقليدي الصيني، ووضعا فيه خمس طاولات وبعض المقاعد، وأطلقا على مطعمهما الجديد اسم "يوه بين" باللغة الصينية، وتعني هذه العبارة "تكريم الضيوف"، وأعربا عن أملهما في جعل كل شخص يشعر بالرضا والسعادة بعد تناول الطعام في مطعمهما. وفي 30 سبتمبر عام 1980، فتح الزوجان أول مطعم خاص في الصين، ولم ينسَ كل منهما مشهد يوم افتتاح المطعم وظل محفورا في ذاكرتهما، حيث كان الزقاق الضيق مكتظا بالناس، ويصطف الأشخاص الذين يريدون تناول الغداء في طابور طويل من الساعة الحادية عشرة حتى الساعة الرابعة بعد الظهر. ولم يتصور الزوجان أنهما سيكسبان 38 يوانا صينيا في أول يوم من افتتاح المطعم، وهذا الرقم كان يعادل الدخل الشهري لموظف عادي في ذلك الوقت. وأصبح المطعم موضوعا ساخنا حيث اجتذب الكثير من الصحفيين للتغطية ومتابعة أعماله.
وقد مضت حتى الآن 38 سنة على افتتاح مطعم "يون بين"، وكان الزوجان يحرصان على اختيار مكونات الوجبات بدقة، والطهي بكل عناية، وتعديل أنواع الأطباق باستمرار مع تغير أذواق الناس. وازداد عدد صفحات قائمة أطباق المطعم من صفحة واحدة في البداية إلى أكثر من ثلاثين صفحة حاليا. وكانت السيدة يان البالغة من العمر 70 عاما تسكن في زقاق قريب من المطعم، وقالت للمراسل إن الظروف الاقتصادية لأسرتها لم تكن جيدة في الماضي، ويتناول أفراد أسرتها وجبة في المطعم فقط بمناسبة حلول الأعياد. أما الآن، فتحسنت الظروف الاقتصادية كثيرا، حيث يذهبون في بعض الأحيان إلى المطعم ثلاث أو أربع مرات في الأسبوع، لكنهم يفضلون تناول أطباق الخضروات من أجل الصحة.
وجدير بالذكر، أن المطعم لا يجذب السكان المحليين فحسب، بل يجذب الكثير من الأصدقاء الأجانب. وحتى الآن، فقد استضاف المطعم ضيوفا أجانب من 77 دولة، بمن فيهم دبلوماسيون وصحفيون وسياح، ولا يأتون إلى المطعم من أجل تناول الوجبات اللذيذة ذات الخصائص البكينية فحسب، بل من أجل الإحساس بسعادة الصينيين التي جلبتها سياسة الإصلاح والانفتاح أيضا.
وتماشيا مع التنمية الاقتصادية وتحسين مستوى معيشة الشعب، تنتشر المطاعم حاليا في جميع أنحاء المدن الصينية، وقد أصبح تناول الوجبات في المطاعم أمرا شائعا وطبيعيا. ورغم ذلك، فإن مطعم "يوه بين" ما زال يحظى بإقبال كبير من الزبائن المحليين، بل ويستقبل أعدادا كبيرة من الضيوف القادمين من سائر مناطق البلاد وحتى بعض الدول الاجنبية، وليس ذلك بسبب مذاق أطباقه الشهية وحده، بل لأنه مطعم مفعم بالقصص، ويحمل ذكريات الناس، ويعتبر شاهدا على تغيرات هائلة طرأت على حياة الشعب والمجتمع الصيني.