النص الكامل لمقال موقع من الرئيس الصيني في صحيفة فرنسية بارزة
بكين 23 مارس 2019 (شينخوا) نشر مقال موقع من الرئيس الصيني شي جين بينغ، يوم السبت على صحيفة ((لو فيغارو)) الفرنسية الشهيرة، تحت عنوان "التحرك معا نحو التنمية المشتركة"، وذلك قبيل قيامه بزيارة دولة لهذا البلد الأوروبي.
وفيما يلي النسخة العربية للمقال:
التحرك معا نحو التنمية المشتركة
شي جين بينغ
رئيس جمهورية الصين الشعبية
بدعوة من الرئيس ايمانويل ماكرون، سأقوم قريبا بثاني زيارة دولة لفرنسا.
قبل خمس سنوات، وفي ربيع مزدهر، قمت بأول زيارة دولة لفرنسا، مع احتفال البلدين بالذكرى الـ50 لإقامة العلاقات الدبلوماسية. لقد منحتنا (الزيارة) فرصة لاستعراض الماضي، والتخطيط للمستقبل وفتح عصر جديد لشراكة استراتيجية شاملة ووثيقة ومستديمة بين البلدين. وبعد خمس سنوات، ومرة أخرى في ربيع مزدهر، سأقوم بزيارة أخرى لفرنسا. وأشعر بسعادة بالغة لرؤية أن العلاقات الصينية-الفرنسية تشع بالحيوية والتدفق.
وفي هذه الزيارة، سأحمل معي النوايا الطيبة لفرنسا. وهذه النوايا الطيبة تستند إلى إعجاب من كل من الشعب الصيني ومني شخصيا للتاريخ والثقافة الرائعين وللسحر الفريد التي تتمتع بها فرنسا. وهذه النوايا الطيبة مستلهمة أيضا من الكيفية التي تتشارك فيها الثقافات العظيمة في بلدينا وتستنيران ببعضهما البعض. سأحمل معي صداقة خاصة تجاه الشعب الفرنسي. هذه الصداقة متجذرة في الروابط الودية الطويلة الأمد بين بلدينا، ومتعززة بالتقارب الوثيق بين شعبينا بفضل الاحترام والثقة المتبادلين. سأحمل معي تطلعات عظيمة من 55 سنة مضت على دعمنا المتبادل وتعاوننا ذي المنفعة المزدوجة، إضافة إلى الإمكانيات الكبرى والآفاق المستقبلية التي تتمتع بها علاقاتنا الثنائية.
-- نحن نحقق تقدما أكثر ثباتا في دفع علاقاتنا للأمام. لقد بنيت علاقات عمل جيدة مع الرئيس ماكرون من خلال تبادل اللقاءات، والاتصالات الهاتفية والمراسلات. وقد عمق الجانبان الثقة السياسية المتبادلة، وكثفا التبادلات الرفيعة المستوى وحافظا على تواصل وتنسيق عاليي الجودة، من خلال أكثر من 30 من آليات الحوار والتشاور في المجالات الاستراتيجية والاقتصادية والمالية والثقافية ومجالات أخرى. وقد طورنا المزيد من وجهات النظر المشتركة حول القضايا العالمية الرئيسية، وحققنا تعاونا سليما ضمن الأمم المتحدة ومجموعة العشرين وإطارات العمل الأخرى، وعملنا سوية من أجل تسوية سلمية لقضايا إقليمية ساخنة، ولعبنا دورنا الهام في صيانة السلام والاستقرار والتنمية بالعالم. ومن خلال العمل المشترك لإبرام اتفاق باريس التاريخي وتطبيقه، وتقدم بلدانا على طريق الاستجابة العالمية حول تغير المناخ.
-- لقد جعلنا ثمرة مصالحنا المشتركة أكبر. خلال فترة قصيرة لخمس سنوات، توسعت تجارتنا الثنائية بأكثر من 13 مليار دولار أمريكي، وازدادت الاستثمارات المتبادلة بأكثر من 20 مليار دولار. وأصبحت اللحوم ومنتجات زراعية عالية النوعية فرنسية أخرى، متزايدة الشعبية بين المستهلكين الصينيين. وأصبح مفاعل تايشان 1 النووي الذي بُني بتعاون صيني-فرنسي، أول وحدة مفاعل أوروبي مضغوط ترتبط بمحطة كهرباء. وتمتعت محطة هينكلي بوينت للطاقة النووية، وهي مشروع ثلاثي إيقوني بين الصين وفرنسا وبريطانيا، بانطلاقة جيدة. ودخل القمر الاصطناعي الصيني-الفرنسي لبحث المحيطات إلى مداره. ونحن نسعى للاستغلال الأمثل لإمكانيات التعاون بيننا في التنمية المستدامة والمالية، والطب والصحة، ومجالات أخرى. ومع تنامي تعاوننا في أسواق ثالثة، نحقق تقدما جيدا في التنفيذ المشترك لمبادرة الحزام والطريق.
-- نحن نوطد أساس صداقتنا. ومع وجود 102 من علاقات التآخي بين المقاطعات والمدن، طور البلدان شبكة سميكة من التبادلات والتعاون على المستوى دون الوطني. في عام 2018، هناك نحو 40 ألف طالب صيني يدرسون في فرنسا، وأكثر من 100 ألف طالب فرنسي يدرسون في الصين، وقام عدد قياسي من الصينيين بزيارة فرنسا. ولدى باريس المزيد من الرحلات المباشرة للصين أكثر من معظم المدن الأوروبية. ومثلما يلتقي عدد لا يحصى من الجداول الصغيرة لتصب في نهر عظيم، تسهم مختلف التبادلات الشخصية والثقافية الوثيقة في إثراء صداقتنا.
الربيع هو فصل البذار. خلال زيارتي، وبالإضافة إلى جني ثمار علاقاتنا المتنامية خلال السنوات الخمس الماضية، أتطلع أيضا إلى أن يعمل الجانبان معا لبذر بذور الأمل للتعاون المستقبلي.
وكما قلت، فإن الصين وفرنسا صديقان خاصان، وشريكا تعاون مزدوج المنفعة. إن العالم يشهد تغيرات رئيسية، قلّت رؤيتها خلال قرن، وتقف البشرية في مرحلة حرجة من التطور. والتحديات والمخاطر التي نواجهها لم تكن بمثل هذا التعقيد أبدا، وكذلك الفرص التي يمكننا استغلالها غير مسبوقة هي الأخرى. وباعتبارها شريكا استراتيجيا شاملا لفرنسا، ستواصل الصين المضي قدما وجنبا إلى جنب مع فرنسا. وآمل بأن يستغل البلدان الفرصة التاريخية، ويواجهان التحديات بجهود مشتركة، ويعمقان الثقة الاستراتيجية المتبادلة من أجل توسيع الأفق لتنميتنا المشتركة والرخاء المشترك.
ومن أجل النجاح لهذه المساعي، من المهم جدا أن نعمل وفق المبادئ الأربعة الرئيسية التالية:
الاستقلالية. بتوجيه من روح الاستقلالية قبل 55 عاما، تقدمت الصين وفرنسا، لكسر حواجز الحرب الباردة، والتواصل مع بعضهما البعض. ويجب أن نبقى محافظين على هذه الروحية ونحن نواجه وضعا دوليا مائعا وتزايدا في الحمائية والأحادية. ويجب أن نبقى على طريقنا، بدلا من أن ننجرف مع التيار. يجب أن نتمسك باستقلاليتنا ونصون الاحترام المتبادل، ونواصل التقدم كنموذج للدول ذات الأنظمة الاجتماعية والخلفيات الثقافية ومراحل التنمية المختلفة، ونتعايش جنبا إلى جنب بصداقة وتعاون. وبهذه الطريقة، سنسهم بحصتنا من أجل التعددية القطبية والمزيد من الديمقراطية في العلاقات الدولية.
الانفتاح والمنفعة المزدوجة. كل من الصين وفرنسا أمة عظيمة تتمتع بتقاليد الانفتاح وروحية التعاون. ونفذت الصين الإصلاح والانفتاح على مدى 40 عاما، وستواصل المزيد من الانفتاح مستقبلا. وآمل بأن يواصل بلدانا الوقوف معا في الرفض التام للحمائية، والتمسك باقتصاد عالمي مفتوح وجعل العولمة الاقتصادية أكثر انفتاحا وشمولا وتوازنا ومنفعة للجميع. وتأمل الصين في العمل مع فرنسا لتعميق التعاون الشامل في المجالات التقليدية مثل الطاقة النووية والطيران والفضاء، وتطوير مجالات جديدة للتعاون مثل الزراعة والابتكار التكنولوجي، وتحقيق تقدم أكبر في تعاوننا ضمن مبادرة الحزام والطريق، والأسواق الثالثة. نحن نرحب بفرنسا في معرض الصين الدولي للواردات، ونريد استيراد المزيد من المنتجات والخدمات الفرنسية عالية النوعية، لتلبية الطلبات المتزايدة للشعب الصيني من أجل حياة أفضل. ونأمل بأن تختار المزيد من الشركات الفرنسية الاستثمار والقيام بالأعمال في الصين والمشاركة في الفرص التنموية في الصين. ونأمل أيضا برؤية الأعمال الصينية وهي تقوم بأعمال أفضل في فرنسا وتسهم بالمزيد في التنمية الاقتصادية والاجتماعية الفرنسية.
الشمولية والتعلم المتبادل. إن تطور تاريخ البشرية يظهر أن التبادلات والتعلم المتبادل بين الحضارات قد جعلت عالمنا أكثر تلونا، وهيأت دعائم أقوى للتعاون بين الدول والأمم. وكممثلتين لثقافات شرقية وغربية، تفخر كل من الصين وفرنسا بتقاليد رائعة لكونهما مفتوحتين وشاملتين. وآمل بأن يخطو بلدانا خطوات أكبر في تعاوننا في شؤون الثقافة والسياحة والتعليم والرياضة والشباب، وعلى الصعيد دون الوطني، وآمل برؤية تعاوننا يلعب دورا نموذجيا في دفع التبادلات الثقافية والشعبية بين الصين والغرب.
الإحساس القوي بالمسؤولية. إن ما حدث خلال الـ55 عاما الماضية، يظهر أن الصين وفرنسا، يمكنهما من خلال عملهما معا، أن يحدثا فارقا. ففي الوقت الذي تقف فيه البشرية عند مفترق حاسم للتطور، يجب أن تسمو الدول الكبيرة إلى مستوى التحدي. وإن الصين وفرنسا كلاهما عضو دائم بمجلس الأمن الدولي. وتأمل الصين في تعزيز التنسيق مع فرنسا لصيانة التعددية والتمسك بالمبادئ الأساسية التي تحكم العلاقات الدولية، مدعومة بأهداف ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة. نحن بحاجة إلى أن نتكاتف لمجابهة التحديات وندفع الرخاء والاستقرار العالميين ونبني مجتمع المصير المشترك للبشرية.
الصينيون يؤمنون بأن "رحلة الألف ميل تبدأ بالخطوة الأولى"، في حين أن فيكتور هوغو قال "ذلك الوقت القليل يكفي لتغيير كل الأشياء". نحن نقف الآن على نقطة بداية جديدة. لنجعل الصين وفرنسا تتكاتفان وتطلقان خطوات ثابتة في رحلة مشتركة نحو إنجازات أحدث وأكبر في التعاون الصيني-الفرنسي.