تحقيق إخباري: حوار بين كبار المفكرين في "عصر الإنترنت"...المكتبة الرقمية الصينية العربية تنشئ "فضاء الصداقة الافتراضي"
بكين 14 مايو 2019 (شينخوا) "هذه الحروف العربية تعني مكتبة، صحيح؟" هكذا قال ون تشيوان، أحد المهندسين بمكتبة الصين الوطنية، وهو يشير إلى كلمة "المكتبة" على شبكة إلكترونية عربية رغم أنه لم يدرس اللغة العربية من قبل إطلاقا.
بعد 4 سنوات من عمله في مشروع "المكتبة الرقمية الصينية العربية"، أصبح عاشقا للحضارة العربية وخبيرا فيها لدرجة أنه بدأ يفهم بعض الكلمات العربية.
تضم المكتبة الرقمية الصينية العربية 36 كتابا من مكتبة الملك عبد العزيز العامة و22 كتابا من جامعة الدول العربية و18 كتابا من فرع مؤسسة الملك عبد العزيز للدراسات الإسلامية بالمغرب و9 كتب من المكتبة الوطنية الكويتية و4 كتب من دار الكتب التونسية.
هذا علاوة على 100 كتاب صيني والعشرات من فيديوهات المحاضرات المدبلجة باللغة العربية لعرض ثقافات صينية مثل أوبرا بكين وفن قص الورق وفن الخط وغيرها. كما سيتسنى على هذا الموقع الإطلاع على مجموعة من الكتب الإلكترونية "للكلاسيكيات الصينية القديمة"، وعلى رأسها كتب عن "التراث الثقافي غير المادي" مثل "الأنسجة والمطرزات الحريرية" و"كيف تستمتع بفن الخط الصيني".
وقد تم تطوير موقع "المكتبة الرقمية الصينية العربية" إلى نسختين أحداهما باللغة الصينية والأخرى باللغة العربية لتوفر مصادر معلومات في مجالات الثقافة والحضارة العربية والصينية في شكلها الرقمي سواء كتب أو دوريات أو بيانات ببليوجرافية أو صور فوتوغرافية أو تسجيلات صوتية أو أفلام سمعبصرية.
كما تلعب المكتبة دورا في إقامة علاقات توأمة وشراكة بين المكتبات الوطنية في الدول العربية والصين، وإتاحة الفرصة أمام الباحثين والمهتمين بالشؤون العربية والصينية في مختلف مجالات حقل البحث العلمي والدراسات المهنية للاستفادة مما تتيحه تلك المكتبات من نتاج فكري عربي وصيني.
في الواقع، يعود تاريخ التبادلات بين الحضارتين الصينية العربية إلى أكثر من ألفي عام، منذ أن شق تشانغ تشيان مبعوث أسرة هان الإمبراطورية طريق الحرير، حيث دونت هذه التبادلات في الكتب ولاسيما بعد اختراع صناعة الورق وصناعة الطباعة. وترك كل من الرحالة الصيني دو هوان والمغربي ابن بطوطة آثارهم التاريخية على طريق الحرير البري وطريق الحرير البحري وورد الحديث عن تلك الآثار في كتب مختلفة. ومن خلال رواية رحلات ابن بطوطة ودو هوان، نستطيع رؤية الإسهامات التي قدمها أسلافنا لتعزيز التبادلات الحضارية.
وظلت عجلة التاريخ تسير للأمام لتدفع هذه التبادلات العريقة قدما وصولا إلى العصر الرقمي ليتم إنشاء المكتبة الرقمية الصينية العربية، والتي تحدثت عن نشأتها وزير مفوض هالة جاد مديرة إدارة المعلومات والتوثيق بجامعة الدول العربية قائلة إنه في إطار البرنامج التنفيذي لمنتدى التعاون العربي الصيني والذي تضمن إنشاء آلية دائمة لتعزيز التعاون بين الصين والدول العربية في مجال المكتبات والمعلومات وعقد اجتماع دوري للخبراء في مجال المكتبات والمعلومات مرة كل عامين بالتناوب في الصين وإحدى الدول العربية، تم التوقيع على مذكرة تفاهم بين الأمانة العامة لجامعة الدول العربية ومكتبة الصين الوطنية في مجال المكتبات والمعلومات في 29 أبريل 2015 على هامش الاجتماع الأول للخبراء العرب والصينيين للتعاون في مجال المكتبات والمعلومات تحت عنوان "التعاون العربي الصيني في مجال المكتبات والمعلومات: آفاق واعدة لشراكة حقيقية" بمقر الأمانة العامة لجامعة الدول العربية.
وأضافت أن مذكرة التفاهم تضمنت الاتفاق على إنشاء مكتبة رقمية عربية - صينية تتاح موادها على شبكة الإنترنت مما يخدم إقامة مشروعات التوأمة المنشودة بين المكتبات في الدول العربية والصين. وفي ضوء ما ورد في مذكرة التفاهم سالفة الذكر والتي نصت على تأسيس لجنة مشتركة تختص بوضع وتنفيذ وتقويم وتطوير البرامج والمشروعات المشتركة بين الجانبين العربي والصيني لضمان تحقيق النتائج المرجوة، تم تشكيل لجنة ثلاثية تضم الأمانة العامة لجامعة الدول العربية (ممثل الجانب العربي)، ومكتبة الصين الوطنية (ممثل الجانب الصيني)، ومكتبة الملك عبد العزيز العامة بالمملكة العربية السعودية (الجهة المستضيفة والمنفذة للموقع الإلكتروني للمكتبة الرقمية العربية الصينية)، لتنفيذ مشروع "المكتبة الرقمية العربية - الصينية".
وأشارت وزير مفوض هالة جاد إلى أنه قد تم تدشين المكتبة الرقمية العربية الصينية على هامش الاجتماع الوزاري الثامن للمنتدى الذي عُقد بمدينة بكين في 10 يوليو 2018، حيث قامت اللجنة المشتركة بوضع التصور الشامل للمكتبة الرقمية وتكوينها الفني، وصولاً لصياغة السياسات الاسترشادية لها في مرحلة ما بعد التدشين.
ومع اقتراب انعقاد مؤتمر الحوار بين الحضارات الآسيوية الذي يركز على موضوع التبادل الحضاري الآسيوي والتفاهم المتبادل، بذل فريق عمل المكتبة جهودا قصوى لتعزيز تحسين جودة الشبكة من خلال تحميل مشروعات تليفزيونية مسلسلة مثل "خط سير رحلة الراهب شيوان تسانغ إلى الغرب طلبا للنصوص البوذية المقدسة"، هادفة من ذلك إلى تقديم إرث من الإنجازات الرائعة للحضارات في آسيا والعالم.
كما قال نائب رئيس مكتبة الصين الوطنية سون يي قانغ إن المكتبة الرقمية الصينية العربية تعد مكانا مهما لعرض الإرث الحضاري وخدمة المجتمع، كما تعد أيضا أداة هامة للتبادل والحوار بين الحضارتين الصينية والعربية.
وأكد سون، الخبير المشهور في مجال تكنولوجيا المعلومات، أنه في العصر الإلكتروني ومع تطور تكنولوجيا الإنترنت، صار الحوار بين الحضارات المختلفة أكثر سهولة مقارنة بذي قبل، مشيرا إلى أن "التكنولوجيا تكسر حواجز اللغة والمسافة، وتبني حديقة الصداقة في الفضاء الافتراضي".
ولكنه أشار إلى أنها "سيف ذو حدين"، محذرا من أن تدفق المعلومات غير الدقيقة قد يوفر منصة لانتشار بعض الأفكار المتشددة أو المغلوطة، و"هذا يتطلب بذل جهود أكبر على مستوى الدول والحكومات لنشر طاقات إيجابية".
وقال إن الحضارة العربية انطلقت من قلب العالم وهي بمثابة لؤلؤة لامعة على تاج الحضارة البشرية في العصر القديم، مؤكدا أنه يولي اهتماما بالغا بمعرفة هذه الحضارة العريقة ودراستها.
وفي الفترة من 9 إلى 13 يونيو المقبل، من المقرر عقد اجتماع ثالث في الكويت تحت عنوان "التواصل والتعارف - المكتبة الصينية العربية نحو المستقبل" من أجل دفع تطوير هذه المكتبة الرقمية، حيث سيشهد الاجتماع مناقشة سياسة تنمية مجموعات المكتبة والنظر في محتواها الرقمي ونوعيته.