تحقيق إخباري: "تقطير الأعشاب والورود" ..مهنة لبنانية قديمة في طريقها إلى التطور

حاصبيا، جنوب لبنان 28 يونيو 2019 (شينخوا) يمضي المزارع اللبناني أحمد صبح، ساعات طوال في حقله المزروع بالزعتر في الطرف الغربي لبلدة حاصبيا بجنوب لبنان لتنظيفه من الأعشاب والاعتناء بالشتول في انتظار موسم الحصاد أوائل الصيف.

ويقول صبح لوكالة أنباء ((شينخوا)) إن "زراعة الزعتر باتت محط اهتمام فئة كبيرة من أبناء قرى جنوب لبنان، الذين تحولوا إلى زراعة هذه النبتة المنتجة بعدما دخلت بقوة في صناعة تقطير الأعشاب".

ويضيف أن تقطير هذه النبتة كما الكثير من الورود والأعشاب البرية يشكل مصدر رزق لنسبة مقبولة في وتيرة تصاعدية من المزارعين في جنوب لبنان.

ويعد تقطير الأعشاب "مهنة قديمة موروثة" في جنوب لبنان، بحسب نائب رئيس الجمعية التعاونية للزراعات البعلية بجنوب لبنان علي ابو فاعور.

ويقول ابو فاعور ل(شينخوا) إن مهنة تقطير الأعشاب في طريقها إلى التطور بعدما حظيت باهتمام الكثير من الجمعيات الزراعية والمنظمات الدولية الداعمة.

ويضيف "تقدمنا بعدة طلبات لجمعيات ومنظمات دولية من أجل دعم التعاونيات الزراعية وتقديم مصانع حديثة لتقطير الأعشاب والورود" في مناطق الجنوب.

وتشمل صناعة التقطير بجانب الزعتر، العديد من أنواع الورود والكثير من النباتات البرية مثل العنة والزعفران والبابونج والزعرور والقصعين وابو صفير، بحسب ابو فاعور.

ويقول إن إنتاج المزارعين من هذه النباتات يغزو بقوة المحال التجارية اللبنانية، مشيرا إلى "أن قسما منه يصدر إلى الخارج".

بدورها، توضح المشرفة على مؤسسة "بيت المؤونة" في حاصبيا حنان غيدا، أن "البيت المشهور بإنتاجه الزراعي خصص فرعا لتقطير الورد والنباتات".

ويعمل في هذا الفرع ما بين 40 إلى 50 عاملا وعاملة، بحسب غيدا.

وتقول إن "عملية التقطير تتم بالطرق التقليدية القديمة وأننا بالتعاون مع جمعيات محلية ودولية بدأنا الخطوات العملية لتطوير التقطير عبر إنشاء معمل حديث بمواصفات متطورة لأن منطقتنا وخاصة مرتفعات جبل الشيخ غنية بحوالي 50 نوعا من النباتات البرية الطبية".

وتشرح غيدا أن أبناء المنطقة ورثوا هذه المهنة أبا عن جد، ومازالوا يحافظون على تقليدهم القديم في التقطير يدوياً باستخدام "الكركة".

والكركة هي وعاء من النحاس يتسع لما بين 5 و8 كيلوغرامات من النباتات، توضع بداخله وتغمر بالماء لتترك بعدها فوق نار قوية.

وتشير غيدا إلى أنه بعد فترة من الغليان تستمر بين 5 و6 ساعات تبدأ قطرات الماء بالخروج من أنبوب متصل بـ "الكركة" إلى وعاء للتجميع بعدما يتحول البخار إلى قطرات ماء تسكب داخل زجاجات محكمة الإقفال.

وتقول ليلى منذر (66 عاماً)، وهي تملك محلا لبيع النباتات المقطرة ل(شينخوا) "عشقت هذه المهنة منذ طفولتي وتعودت على صنع أنواع عدة، ومنها مثلا شراب الورد، بوصفير، اكليل الجبل ،التوت، النعناع، دبس الرمان، خل التفاح، خل العنب، العنة ،القصعين ،القرويص ولكن يبقى ماء الزهر الأفضل لدي لأن له نكهة خاصة".

وتوضح منذر أن هذه المهنة وراثية وأن كل كيلوغرام واحد من زهر البوصفير مثلا يقطر قارورة واحدة من ماء الزهر تعرض للبيع بقيمة تتراوح بين 10 و12 دولارا.

في حين تباع زجاجة نبات القرويص بعشرين دولارا، وزجاجة القصعين بثمانية دولارات، بحسب منذر.

وورث المزارع جمال ابو حمد هذه المهنة عن والده، الذي بدوره ورثها عن أبيه.

ويقول ابو أحمد "مازلت أحافظ عليها كتراث لأصالة قرانا في جنوب لبنان، وفي ذات الوقت كمهنة أعتاش منها على أمل تطوير هذه الصناعة".

ويضيف "عادة أجمع في عملية التقطير بين الحديث الذي يخدم مهنتي، والقديم الذي أحافظ عليه كتراث، فالمهنة قبل كل شيء تحتاج إلى خبرة ومعدات ذات نوعية جيدة، على أن الأهم في التقطير يتمثل في نوعية حبة الزهر فكلما كانت ناضجة كلما كانت أفضل وأطيب".

وتشير إنعام ماضي التي احترفت المهنة منذ (23 عاماً) بأن العمل في هذه المهنة التراثية متعة لا يشعر بها إلا من يحترفها.

وتضيف أن ماء الزهر والنباتات المقطرة تدخل في صنع العطور والحلويات والعديد من المأكولات، فضلاً عن استخدامها في معالجة الكثير من الأمراض وبخاصة حالات الإغماء وأمراض المعدة وتنشيط الدورة الدموية.

كما تستخدمه النسوة لمسح أجساد أطفالهن الرضع.

وكانت وزارة الزراعة اللبنانية قد أصدرت قرارا في مطلع العام الجاري يقضي بحماية التنوع البيولوجي في لبنان، وذلك ضمن مشروع تنفذه مصلحة الأبحاث العلمية الزراعية بإدارة برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، وبتمويل من (مرفق البيئة العالمي).

ويهدف المشروع إلى حماية عدة أنواع من النباتات العطرية الموجودة في لبنان ومنها الزعتر، الزعيتري، القصعين، عشبة صنين، الزوفة، الخاتميّة والبنفسج اللبناني.

وينتشر نحو 300 نوع من النباتات الطبية والعطرية في غير منطقة لبنانية وخاصة في المرتفعات الجبلية الوعرة.