تحقيق إخباري: بصيص أمل باعادة اعمار الموصل بعد عامين على استعادتها
الموصل، العراق 9 يوليو 2019 (شينخوا) عامان مرا على توقف ازيز الرصاص وهدير المدافع واستعادة مدينة الموصل، ثاني أكبر المدن العراقية، من سيطرة تنظيم داعش المتطرف، الا ان مشاهد الدمار ما تزال هي السائدة خاصة بالمدينة القديمة قلب الموصل، ومع ذلك فقد ظهر أخيرا بصيص أمل للبدء بالاعمار.
وكانت القوات العراقية بدأت في شهر أكتوبر العام 2016 عملياتها العسكرية لاستعادة الموصل من سيطرة التنظيم المتطرف، بدعم واسناد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن، وبعد معارك عنيفة وشرسة استمرت لغاية العاشر من يوليو العام 2017، تمكنت من استعادتها لكنها خلفت الكثير من الدمار الذي افزعت صوره العالم باسره.
وبعد عامين من إعلان التحرير تبدو المدينة خاوية على عروشها، حيث لم تبدأ عجلة اعادة الاعمار دورانها، وحتى وان وجدت صورا للاعمار فهي بجهود ذاتية من السكان والمنظمات الانسانية، فيما اقتصرت جهود الحكومة على رفع الانقاض وتنظيف الشوارع واعادة اعمار الدوائر الحكومية.
وتشير الاحصائيات التي اعدتها بعض المنظمات المختصة وذكرها بعض المسؤولين المحليين، إلى تدمير أكثر من 11 ألف منزل، و 63 مسجدا وكنسية اغلبها تاريخية، كما دمر 212 معملا وورشة و 29 فندقا وتسع مستشفيات و76 مركزا صحيا، فضلا عن تدمير جسور المدينة الخمسة، وتدمير 308 مدارس و12 معهدا وجامعة الموصل وكلياتها، وجميع الدوائر التابعة للشرطة والاجهزة الامنية.
ورغم ان صور الدمار ما تزال هي السائدة في عموم الجانب الغربي من الموصل الذي شهد اعنف المعارك، الا ان هناك املا واصرارا لدى سكان الموصل بشكل عام، ولدى محافظها الجديد الذي تسلم مهام عمله قبل شهر وبضعة ايام، والذي اعترف بعدم وجود اعمار حقيقي، عازيا ذلك إلى سوء الادارة والمشاكل السياسية.
ومن الاشارات الاخرى التي تعطي الامل بانطلاق عملية الاعمار، وضع سياج حول جامع النوري ومنارته الحدباء (أحد معالم الموصل)، الذي أعلن منه زعيم التنظيم المتطرف ابوبكر البغدادي ما يسمى بدولة الخلافة، للبدء باعماره بعد ان تبرعت دولة الامارات بالاموال لذلك بالتنسيق مع منظمة اليونسكو التابعة للامم المتحدة.
وقال المهندس منصور المرعيد محافظ نينوى لوكالة أنباء ((شينخوا)) "نسبة الدمار في الجانب الايمن (الغربي) للموصل كبيرة جدا فبعض المناطق مدمرة 100 بالمائة ومناطق مدمرة بنسبة 60 بالمائة ومناطق أخرى مدمرة بنسبة 40 بالمائة".
وتابع المرعيد وبحرقة "لحد هذه اللحظة لا يوجد شيء اسمه اعمار"، مضيفا "الاعمار يحتاج متطلبات، والمحافظة فيها دمار بكل القطاعات وبكل المستويات بما في ذلك الوضع الاداري بديوان المحافظة"، مبينا أنه وبعد استلام مهامه بدأ بعملية تقييم للعاملين، ومحاولة وضع كل شيء في محله الصحيح.
ومضى المرعيد قائلا بلغة مليئة بالتفاؤل "المبالغ خصصت للمحافظة هذا العام، وبدانا نضع اولويات للاعمار، حيث تأتي الاولية القصوى للبنى التحتية والجسور والمستشفيات والمدارس"، مؤكدا أن العمل بدأ باثنين من اصل اربعة جسور مدمرة في الموصل، وتم الاتفاق مع وزارتي الصحة والتخطيط على توزع التمويل والتوقيتات الزمنية فيما يخص اعمار المستشفيات.
وأوضح المرعيد أن الحكومة المحلية اتفقت مع شركة فرنسية لاعادة اعمار مطار الموصل لكي يصبح جاهزا للعمل في شهر يونيو من العام المقبل، مشددا على ان العمل سيستمر في المشاريع التي تشكل الاولية الثانية للمحافظة ومنها الطرق والخدمات العامة، قائلا "كل قطاع اخذ حصته في الموازنة لهذه السنة التي ستنطلق خلال الايام القليلة المقبلة".
وخاطب المرعيد أهالي نينوى قائلا "نحن ماضون في عملية الاعمار، وخلال فترة قريبة سوف يظهر شيء على ارض الواقع، وندعوا الجميع إلى التعاون، لان المعركة اليوم هي معركة الاعمار ويجب ان يكون الاداء بنفس مستوى التضحية التي قدمت من اجل تحرير المحافظة".
المدينة القديمة والامل المفقود في اعمارها
يعد اعمار المدينة القديمة أكبر التحديات للحكومة المحلية، نتيجة الدمار الكبير الذي حولها إلى كومة من الانقاض والهياكل المدمرة الخالية من الحياة، ورغم ذلك فانك تجد وسط اكوام هذه الانقاض التي ما تزال تحتها بعض جثث القتلى، منازل اقيمت حديثا وبعضها طلي بالوان زاهية لتبدو كانها ازهار مفتحة وسط اكوام من الازبال.
من يتجول في المدينة القديمة يلاحظ علامات التحذير المكتوبة باللون الاحمر التي تشير إلى وجود خطر في بيت مهدم، او للدلالة على وجود عوائل تسكن في بعض المنازل المهدمة بالطرقات الضيقة لتنبيه من يريد ان يعمل بعدم قطع الطريق عليهم.
وما يزال سكان المدينة القديمة، وهم من الفقراء ومحدودي الدخل ياملون بان تبدأ عمليات الاعمار للعودة لمنازلهم واستئناف حياتهم الطبيعية التي حرموا منها بسبب احتلال التنظيم المتطرف لمدينتهم وما تلاه من معارك عنيفة لطرده ما أدى إلى تحويل آلاف المنازل إلى انقاض وافقار سكانها اكثر.
ويشيد سكان المدينة القديمة بالجهود التي بذلتها المنظمات الانسانية في اعادة الماء الصالح للشرب والتيار الكهربائي لهم رغم قلته حيث خصص لكل بيت 10 امبير من الكهرباء.
وفي هذا الصدد، قال محافظ نينوى منصور المرعيد "شكلنا أخيرا لجنة من نقابة المهندسين والهندسة المعمارية والتخطيط العمراني ودوائر المحافظة وشخصيات موصلية ومكاتب الهندسة في المحافظة وجمعيات وناشطين تضم 25 شخصا لتقديم مشورة نهائية كيف سيكون شكل المدينة القديمة في المرحلة المقبلة".
وأضاف "رأي المواطن يهمنا، وهناك جهات مختلفة قدمت مشاريع عن وجهة نظرها فيما يخص المدينة القديمة، وبالتالي كل جهة تقدم مشروع، فاردنا مناقشة كل هذه المشاريع والاتفاق على مشروع واحد الكتل تكون متفقة عليه او اغلب هذه الجهات تكون متفقة عليه، وبعدما يتم الاتفاق على شكل المدينة القديمة نبدأ عملية الاعمار".
وأكد المرعيد أن الهدف الاول هو الاتفاق على شكل المدينة القديمة ومن ثم ومن خلال التخصيصات المالية المخصصة من الحكومة المركزية، والجهات الاستثمارية نشرع باعادة عملية اعمار المدينة القديمة.
اما ليث هاشم نجم البالغ من العمر 59 سنة والذي عاد لمنزله قبل عدة اسابيع بعد ان رممته له احدى الجمعيات الخيرية فيعتبر نفسه الشخص الاكثر محظوظا في العالم لان منزله لم يدمر كاملا ولم يفقد احد من افراد عائلته رغم اصابته واحد ابنائه بجروح ما تزال اثارها باقية إلى الآن.
وقال نجم لـ ((شينخوا)) الذي يعمل صيادا للاسماك في نهر دجلة القريب من منزله "انا اكثر شخص محظوظ في العالم كله، فبيتي هو الوحيد الذي لم يدمر في المدينة القديمة، وانا الشخص الوحيد الذي لم يفقد احد من افراد عائلته، رغم اصابتي في يدي واصابة ابني في ساقه نتيجة سقوط قذائف من طائرة مروحية نوع اباتشي على المنزل، ورغم اني اعيش وسط هذه الاكوام من الانقاض الا اصحاب المنازل المدمرة يحسدونني على وضعي لاني اعيش الان في بيتي".
وتابع "اشعر بالسعادة لتواجدي في بيتي الذي رممته وطلته لي جمعية مريم الخيرية، انا مرتاح في منزلي، رغم ان رائحة جثث الموتى ما تزال موجودة في المنطقة وخاصة عندما يهب النسيم في الليل".
وأضاف "اتمنى ان يعاد اعمار المنازل المدمرة لكي يعود اليها سكانها، اتمنى ان يعود جيراني إلى منازلهم وتنتهي رحلتهم في المعاناة والتشرد ودفع الاجارات، كون الغالبية العظمى منهم بدون عمل ولا توجد لديهم موارد للعيش كون اغلبهم يعملون في الاعمال اليومية".
من جانبه، ما يزال علي سعدي البالغ من العمر (45 سنة) واب لخمسة اطفال احدهم بنت عمرها 17 سنة اسمها عبير والتي شلت نتيجة ضربة جوية لطائرات التحالف الدولي على المنزل في شهر يوليو 2017، يحدوه الامل بان يكمل بناء بيته ويعود اليه.
وقال سعدي لـ ((شينخوا)) والذي كان يحلم بان يكون اول شخص يعود إلى منزله في المدينة القديمة بعد ان تبرع له شخص ببناء منزله في العام الماضي "لم اتمكن من تحقيق امنيتي في العودة إلى بيتي لان المتبرع فقط اكمل بناء هيكل المنزل، وانا عاطل عن العمل والحكومة لم تعوضني باي شيء، ورغم ذلك فلا زلت احلم بان اعود الى بيتي، ولدي امل كبير بذلك".
واضاف وهو ينظر إلى السماء "احتاج فقط إلى نحو 6 آلاف دولار لاكمال منزلي لاعود عليه، وعندي أمل كبير بتحقيق هذه الامنية، من اجل ان استقر وابحث عن عمل لرعاية ابنتي المعوقة وبقية اطفالي المحرومين".
اثناء تجوالنا في الموصل شاهدنا منظمة البارزني الخيرية وبالتعاون مع حكومة الكويت تقوم بتوزيع سلات غذائية على الارامل والايتام معظمهم من سكان المدينة القديمة، حيث تحتوي كل سلة على 35 كغم من 11 مادة غذائية.
الجانب الشرقي من الموصل والذي يطلق عليه الموصليون الجانب الايسر عادت الحياة فيه إلى طبيعتها لان الدمار فيه اقل، لكن ما تزال هناك بنايات حكومية كبيرة مدمرة بضربات التحالف الدولي كون التنظيم الارهابي استخدمها كمقرات للتحصن بها، كما ما تزال اثار الدمار على بعض المنازل التي لم يرجع اليها اصحابها كونهم غادروا البلاد، منذ سيطرة التنظيم المتطرف على المدينة.
وتمكن تنظيم داعش الارهابي في العاشر من يونيو عام 2014 من السيطرة على مدينة الموصل والمنشآت الحيوية والمباني الحكومية الرئيسة فيها، بما فيها مبنى محافظة نينوى والمطار وقنوات تلفزيونية وقام بتدمير العديد من الأماكن الأثرية فيها.
وأعلن رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي في العاشر من يوليو 2017 تحرير مدينة الموصل بالكامل واعادة السيطرة عليها بعد معارك شرسة خلفت آلاف القتلى في صفوف القوات العراقية والمدنيين، فضلا عن دمار كبير في البنى التحتية ومنازل المواطنين.