تقرير سنوي: اقتصاد الولايات المتحدة يشهد تباطؤا في عام 2019 وأمامه درب مليء بالأشواك
واشنطن 24 ديسمبر 2019 (شينخوا) حافظ اقتصاد الولايات المتحدة، مدعوما بإنفاق استهلاكي نشط وسوق عمل قوي، على وتيرة معتدلة من النمو مع اقتراب عام 2019 من نهايته. وفيما خفتت المخاوف من حدوث ركود فوري، مازال اقتصادها يظهر علامات على التباطؤ.
فمع انخفاض استثمارات الأعمال وتقلص قطاع الصناعات التحويلية، واجه تعافي اقتصاد الولايات المتحدة الكثير من العقبات خلال الأشهر القليلة الماضية. ولا يزال الدرب أمامه مليئا بالأشواك وسط حالة عدم يقين تجارية تراوح مكانها وتباطؤ عالمي متزامن.
-- صورة متباينة
توسع نمو اقتصاد الولايات المتحدة في الربع الثالث بمعدل سنوي نسبته 2.1 في المائة، وهو ما يمثل ارتفاعا طفيفا عن الـ2 في المائة المسجلة في الربع الثاني، وتباطؤا حدا عن الـ3.1 في المائة المسجلة في الربع الأول، وفقا للبيانات الصادرة عن وزارة التجارة الأمريكية.
وتوقعت لجنة من المتنبئين المحترفين، الذين استطلعت آراؤهم الجمعية الوطنية لاقتصادات الأعمال مؤخرا، أن يتباطئ نمو الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة من 2.9 في المائة في عام 2018 إلى 2.3 في المائة هذا العام.
وعقب اجتماع السياسات للبنك المركزي الذي عُقد في وقت سابق من هذا الشهر، وصف رئيس مجلس الاحتياطي الفدرالي الأمريكي جيروم باول هذه الصورة المتباينة في تصريحاته قائلا "لقد كان إنفاق الأسر قويا، مدعوما بسوق عمل صحي، وارتفاع في الدخول، وثقة قوية من جانب المستهلك. وعلى النقيض من ذلك، ظلت استثمارات الأعمال والصادرات ضعيفة، وانخفض ناتج قطاع الصناعات التحويلية خلال العام الماضي".
فقد شهد الإنفاق الاستهلاكي الشخصي، الذي يمثل حوالي 70 في المائة من ناتج اقتصاد الولايات المتحدة، نموا قويا خلال الأرباع الثلاثة الأولى - حيث ارتفع بواقع 1.1 في المائة، و4.6 في المائة، و3.2 في المائة على التوالي -- ليسهم بشكل جزئي في تهدئة المخاوف بشأن صحة أكبر اقتصاد في العالم.
وسجل معدل البطالة، الذي ظل أقل من 4 في المائة منذ بداية العام، انخفاضا طفيفا ليبلغ 3.5 في المائة في نوفمبر، ليصل بذلك مرة أخرى إلى أدنى مستوى له منذ ما يقرب من خمسة عقود. أما متوسط المكاسب في فرص العمل، فقد بلغ 205 آلاف في الفترة من سبتمبر إلى نوفمبر.
وعلى الرغم من الإنفاق الاستهلاكي المرن وسوق العمل القوي، إلا أن استثمارات الأعمال انخفضت لربعين على التوالي -- حيث انخفضت بنسبة واحد في المائة في الربع الثاني و2.3 في المائة في الربع الثالث -- ما شكل عبئا على الاقتصاد الكلي.
ومن ناحية أخرى، تقلص النشاط الاقتصادي في قطاع الصناعات التحويلية للشهر الرابع على التوالي في نوفمبر، وفقا لما ذكره معهد إدارة الإمدادات. وبلغ مؤشر مديري المشتريات 47.8 في المائة في سبتمبر، وهو أدنى مستوى له خلال عقد من الزمان.
-- حالة عدم يقين تجارية
استشهد رئيس مجلس الاحتياطي الفدرالي، وكذا العديد من الاقتصاديين، مرارا بالتوترات التجارية باعتبارها أحد العوامل التي أثرت على الاقتصاد الأمريكي.
ولدى إشارته إلى أن الاقتصاد واجه بعض "التحديات الهامة" نتيجة ضعف النمو العالمي وحالة عدم اليقين التجارية خلال العام الماضي، ذكر باول أن البنك المركزي قام بتعديل وضع السياسات النقدية لـ"حماية" الاقتصاد من هذه التطورات و"توفير بعض التأمين اللازم ضد المخاطر المصاحبة".
فقد قام مجلس الاحتياطي الفدرالي بتخفيض أسعار الفائدة ثلاث مرات منذ يوليو، وسط تزايد حالة عدم اليقين المنبثقة عن التوترات التجارية وضعف النمو العالمية وضغوط التضخم المكبوح. وهذه التعديلات في السياسات جعلت النطاق المستهدف لمعدل الصناديق الفيدرالية الحالي يتراوح بين 1.5 في المائة و1.75 في المائة.
وذكرت ((بيزنس راوند تابل))، وهي جمعية لكبار المديرين التنفيذيين لبعض أكبر الشركات في الولايات المتحدة، أن مؤشرها للتوقعات الاقتصادية للمديرين التنفيذيين في الربع الأخير انخفض إلى 76.7، وهو رقم لا يزال دون المتوسط التاريخي ويمثل التراجع الفصلي السابع على التوالي.
ومن جانبه، قال جوشوا بولتين، رئيس مجلس إدارة والرئيس التنفيذي لجمعية ((بيزنس راوند تابل))، إن "الرؤساء التنفيذيين لديهم ما يبرر حذرهم بشأن حالة اقتصاد الولايات المتحدة. ففي الوقت الذي حققنا فيه بيئة ضريبية تنافسية، فإن حالة عدم اليقين التي تكتنف السياسات التجارية وتباطؤ النمو العالمي يخلقان رياحا معاكسة أمام الأعمال التجارية".
ولفت استطلاع أجرته الجمعية الوطنية لاقتصادات الأعمال وصدرت نتائجه في وقت سابق من هذا الشهر، إلى أن السياسات التجارية لا تزال أكثر مخاطر الهبوط المهيمنة "تواردا على الألسنة" التي تواجه الاقتصاد الأمريكي حتى عام 2020، حيث أشار نصف المستطلعة آراؤهم إليها باعتبارها تمثل "أكبر" مخاطر الهبوط.
فقد أثرت التوترات التجارية، التي كانت الولايات المتحدة هي البادئة بها، سلبا على الاقتصاد العالمي، حيث ذكرت منظمة التجارة العالمية مؤخرا أنه من المتوقع ارتفاع أحجام تجارة السلع العالمية بنسبة 1.2 في المائة فقط في عام 2019، وهي أبطأ بكثير من توقعات بنموها بنسبة 2.6 في المائة صدرت في إبريل.
وفي أحدث تقرير له حول الآفاق الاقتصادية العالمية صدر في شهر أكتوبر، خفض صندوق النقد الدولي توقعاته للنمو العالمي لعام 2019 إلى 3 في المائة، محذرا من أن النمو لا يزال ضعيفا بسبب ارتفاع الحواجز التجارية وتزايد التوترات الجيوسياسية.
-- الدرب مستقبلا مليء بالأشواك
من المتوقع أن يتجه اقتصاد الولايات المتحدة نحو مزيد من التباطؤ في العام المقبل على خلفية حالة عدم يقين مستمرة بشأن السياسات التجارية، وسوق عمل قد يفقد زخمه، وكذا آفاق اقتصادية عالمية هشة.
فقد أظهرت البيانات الرسمية أن متوسط المكاسب في فرص العمل بلغ 180 ألف شهريا حتى الآن في عام 2019، مقارنة بمتوسط مكاسب بلغ 223 ألف شهريا في عام 2018، ما يشير إلى أن المستوى العام للتوظيف شهد تباطؤا خلال الشهر القليلة الماضية. وفي الوقت ذاته، ظلت وتيرة نمو الرواتب ضعيفة.
وذكر استطلاع أجراه مجلس المديرين الماليين العالمي التابع لشبكة ((سي أن بي سي) أن 60 في المائة من كبار المسؤولين الماليين يتوقعون انخفاض عدد رؤساء شركاتهم على مدار الـ12 شهرا القادمة.
ويعتقد المشاركون في استطلاع الجمعية الوطنية لاقتصادات الأعمال أن الاقتصاد الأمريكي سوف يتباطأ إلى 1.8 في المائة في عام 2020. و"تجمع التوقعات على حدوث انتعاش في الإسكان، ولكن نموا أبطأ في الاستثمارات الأعمال والإنفاق الاستهلاكي، إلى جانب عجز أكبر في التجارة والميزانية الفيدرالية"، حسبما ذكر رئيس الجمعية كونستانس هنتز، وهو كبير الاقتصاديين في مؤسسة ((كيه بي إم جي)).
وأثار عجز الموازنة الفيدرالية، الذي ارتفع بسرعة خلال إدارة ترامب، قلق الكثيرين. وأكد باول، رئيس مجلس الاحتياطي الفدرالي، مؤخرا على مدى إلحاحية أن يعمل الكونغرس الأمريكي على معالجة هذه القضية، وإلا - كما أشار- ستكون هناك مساحة مالية أقل لدعم الاقتصاد حال حدوث ركود.
وعلى الصعيد الاقتصادي، كانت حالة عدم اليقين هي الشئ اليقيني الوحيد. قرغم التقدم الذي أحرز مع كندا والمكسيك والصين، إلا أن الولايات المتحدة فرضت تعريفات جمركية على منتجات فرنسية انتقاما من ضريبة الخدمة الرقمية، كما أن نزاعها مع الاتحاد الأوروبي بشأن دعم الطائرات بين شركتي (بوينغ) و(إيرباص) يتصاعد.
وكتبت ديان سونك كبيرة الاقتصاديين في جرانت ثورنتون - وهي شركة محاسبة كبرى - كتبت في تحليل تقول إن "السياسات التجارية التي تنتهجها الإدارة لم تترك مجالا كبيرا للمناورة".
وذكرت سونك "إما أن يتخلى الرئيس عن وعود حملته الانتخابية ويكبح فرض التعريفات الجمركية وتباطؤ الاقتصاد. وإما أن يخاطر بحدوث ركود نتيجة مضاعفة الحروب التجارية وزيادة حالة عدم اليقين".