مقالة خاصة: حياة مثابرة ذات مضامين رائعة... شباب عرب يجتهدون من أجل حياة أفضل
بكين أول ديسمبر 2020 (شينخوا) رغم أن العالم العربي يتعرض لتفشي جائحة كوفيد-19، يكافح الكثير من الشباب العرب ليس لكسب قوت يومهم فحسب، بل لتحقيق حياة أفضل، الأمر الذي يمثل تجارب ملهمة مثيرة لإعجاب الناس.
مع أن الفتى السوري الصغير زيد الشعراني يعاني من إعاقة، لكنه يثابر في القيام بإبداع في صنعة شك الخرز. ويمكن أن نشاهده جالسا خلف طاولته الصغيرة وبيده أسلاك من النحاس الأصفر وقطع الخرز الملون ليشكل منها أشجارا جميلة فيها شيء من الإبداع والإحساس المرهف الذي يعكس تفاؤله بالحياة.
الفتى زيد الذي يبلغ من العمر الآن 14 عاما، من محافظة السويداء (جنوب سوريا)، استطاع بمساعدة أسرته التي ساندته، أن يتغلب على إعاقته وظروفه الصحية الصعبة، وأن يصبح شخصا مندمجا بالمجتمع ويساهم في تأمين دخل مناسب له ولأسرته عبر اتقانه صناعة الاكسسوارات.
وبالرغم من أن هذه الصناعة تحتاج إلى تركيز عالٍ، وصبر طويل في إنجاز أي قطعة مهما صغر حجمها أو كبُر، إلا أن الفتى زيد، من ذوي الاحتياجات الخاصة، تمكن من النجاح، واستطاع ان يجذب الانتباه إليه وأن يصبح ما تنتجه أنامله الصغيرة، محط اهتمام الكثير من الناس وخاصة النساء.
زيد قليل الكلام، يحب عمله كثيرا وينهمك به، والابتسامة لا تفارق وجهه الطفولي، وخلال وجود مراسل وكالة أنباء ((شينخوا)) في معرض يشارك فيه زيد، كان يعمل بجد ليصنع شجرة من لون يفضله هو اللون الأبيض.
قالت وعد أبو رسلان (40 عاما) والدة زيد، "لقد فكرت بإيجاد موهبة أكثر فائدة وقدرة على توفير دخل مادي له في المستقبل، فأحضرت له حبات الخرز الملونة، لأفاجأ بحجم سعادته وهو يرصفها إلى جانب بعضها البعض ويصنع منها أساور وقلادات وإكسسوارات ملونة وجميلة، حتى أنه اليوم يقضي ساعات وساعات وهو يصنع الحُلي دون ملل، ومع كل قطعة يبدعها يتحمس لصنع قطعة أجمل منها".
وتابعت تقول إن "زيد يعاني منذ ولادته من مرض التوحد، ولكن هذا الشيء لم يشكل له عائقا"، مؤكدة أنها عملت جاهدة على تجاوز هذا الأمر من خلال إدخاله إلى مدارس تهتم بذوي الاحتياجات الخاصة وتعليمه مهارة يتمكن من خلالها الاندماج بالمجتمع.
وأضافت هذه الأم أن "زيد عنده إصرار وإرادة قوية، لهذا هو يتقن عمله حاليا"، مشيرة إلى أن ابنها يستطيع أن ينجز شجرة واحدة خلال يومين، بفضل شدة حبه للعمل.
إضافة لذلك، يستخدم بعض الشباب تخصصهم في إعادة إعمار بلادهم، ويعتبر ضياء العبدالله واحدا منهم.
ينطلق المهندس السوري ضياء العبدالله (31 عاما) من مقولة إن الحاجة أم الاختراع ، ليبتكر بعد بحث وتجريب لعدة سنوات، عنفة ريحية (توربين رياح) يولد منها الطاقة الكهربائية، ليتغلب بها على صعوبات نقص الطاقة الكهربائية التي تعاني منها سوريا منذ عدة سنوات.
تمتاز قرية سليم التي تبعد عن مدينة السويداء 12 كلم شمالا، بوجود الرياح على مدار السنة، وتختلف سرعتها بين فصل وآخر، وهذا الأمر دفع المهندس ضياء إلى التفكير باستثمار طاقة الرياح لتوليد الطاقة الكهربائية، ويغذي بها منزله طيلة فترة انقطاع التيار الكهربائي، التي تمتد لأكثر من 6 ساعات في اليوم الواحد، وفي الشتاء قد تصل إلى 10 ساعات تقريبا.
قال هذا المهندس الموظف في شركة كهرباء السويداء، لوكالة أنباء ((شينخوا))، إن "سوريا تعاني من أزمات متتالية منذ اندلاع الحرب فيها، وخاصة أزمة نقص الطاقة، وانقطاع التيار الكهربائي بشكل متكرر، وخاصة في فصل الشتاء"، مضيفا "لقد أحببت أن أوظف اختصاصي الجامعي والأكاديمي في ابتكار علمي مفيد للناس، فكانت فكرة تصميم توربين عامودي يدور على محور أفقي يقوم بتحويل الرياح إلى طاقة كهربائية".
وأشار إلى أن كل العالم يتوجه الآن نحو الطاقات المتجددة، مؤكدا أن هذه الطاقة البديلة ستكون الحل الأمثل في المستقبل لأنها غير مكلفة، واستثمارها سهل.
وتابع المهندس العبدالله وهو يقف على سطح منزله بقرب العنفة الريحية، ويحمل قطته الصغيرة بين يديه قائلا "بدأت الفكرة بتصميم توربين رياح، بحيث يكون مختلفا عما هو موجود ومعمول به بالبلد"، مبينا أن مدينة السويداء تمتاز بوجود رياح متقلبة، وغير ثابتة الاتجاه وأحيانا تتغير في اليوم الواحد إلى عدة اتجاهات، مشيرا إلى أن كل التوربينات التي تتعامل مع كل اتجاهات الرياح، هي التوربينات العامودية التي تدور بالمحور الأفقي كالذي صمّمه.
وأضاف "بعد البحث والدراسة والتجربة لعدة نماذج على الحاسوب، قمت بتطبيق نموذج كان بدائيا من حيث الشكل، وقمت بتجربته عدة شهور، وقدم نتائج جيدة"، مبيّنا أنه بعد فترة، أجرى بعض التحسينات على النموذج القديم، بحيث يقوم بتحمل رياح أسرع وأقوى ويعطي كمية طاقة أكبر وسرعة دورانه أكبر وأكثر موثوقية، إلى أن وصل إلى هذا الابتكار الأخير الذي اعتمده حاليا.
وقال العبدالله إن "هذا التوربين يقوم بتوليد الكهرباء بفعالية عالية، تبدأ من سرعة الرياح المنخفضة التي لا تتجاوز 4 أمتار بالثانية، ويبدأ بإعطاء كهرباء كأحد الحلول المقترحة للتغلب على مشاكل نقص الطاقة الموجودة في سوريا".
من جهة أخرى، يقوم بعض الأشخاص بتسجيل حياة الناس في بلادهم من خلال القلم وآلة التصوير، ويمكن أن نرى الشاب الفلسطيني محمد أسعد، يقوم بالتصوير لصيد الأسماك تحت البحر.
يغوص محمد أسعد، وهو من سكان قطاع غزة، بانسيابية وخفة في الحركة حاملا كاميرته المائية من نوع "جوبرو" ليوثق الحياة البحرية في أعماق البحر قبالة ساحل القطاع.
لقد بدأت الفكرة بالنسبة لأسعد بالتوجه إلى البحر ونقل صور أخرى غير تلك التي تتناول الحصار الإسرائيلي على قطاع غزة ومنع الصيادين من الإبحار وغيرها العديد من القصص "المأساوية"، والتركيز على قصص "إيجابية".
يقول أسعد "أردت التعرف على كيفية تغلب الصيادين على أزمة إغلاق البحر من قبل السلطات الإسرائيلية بشكل مستمر، والبدائل التي يتبعونها للحفاظ على مصدر رزقهم من خلال الصيد بالمسدسات المائية".
وفي محاولة للتغلب على الأزمة المتكررة، لجأ عدد من الصيادين الفلسطينيين إلى الصيد بطرق بدائية، ضمن المساحات البحرية المتاحة لهم لعمليات للصيد، معتمدين على مسدسات خاصة بالصيد.
ويقوم هؤلاء الصيادون بالغوص الحر إلى قاع البحر للبحث عن الأسماك التي تتجمع حول الصخور أو تختبئ في جحورها، ليطلقوا عليها رؤوس مسدساتهم المدببة لاصطيادها.
وتعتبر عملية الغوص في البحر من أجل اصطياد الأسماك "مغامرة ومخاطرة"، خاصة في ظل عدم توفر أدوات الغوص اللازمة للغواصين، مثل أنابيب الأكسجين والبدلات الخاصة بالغوص إضافة إلى الزعانف.
إلا أن توثيق هذه المغامرة دفعت أسعد إلى تعلم الغوص على مدار أشهر طويلة من خلال إلى تدريبات بدائية على أيدي صيادين هواة.
ومنذ ذلك الحين، يغوص أسعد مع الصيادين أثناء عمليات الصيد، ويوثق تحرك الأسماك بأدوات تصوير بسيطة لا توازي تلك الكاميرات تحت المائية التي يتم استخدامها في العالم الخارجي.
ويأمل أسعد بأن يتلقى المزيد من التدريبات في فنون التصوير تحت المياه، وأن يتمكن من إنتاج المزيد من الأفلام الوثائقية التي تعكس الحياة المائية والساحلية للقطاع المحاصر.
هناك لوحة يمكن تسميتها بـ"العالم" يمكن رسمها بهؤلاء الشباب العاديين. فربما لم يكونوا معروفين للناس، لكن الإنسان الرائع هو بالتأكيد من يحمل حلما ويسعى إلى تحقيقه.