مقالة خاصة: بإجراءات مبتكرة...صناعة السياحة في الشرق الأوسط تسعى للتعافي وتجاوز تداعيات الجائحة
بكين 3 ديسمبر 2020 (شينخوا) خلال الفترة الأخيرة، شهدت صناعة السياحة، التي تعد ركيزة اقتصادية مهمة في دول الشرق الأوسط، تحسنا تدريجيا. فلم تتوان العديد من بلدان المنطقة عن تقديم حوافز مختلفة واتخاذ سياسات وتدابير تفضيلية لتعزيز انتعاش صناعة السياحة في إطار قيامها ببذل قصارى جهدها للوقاية من جائحة كوفيد-19 ومكافحتها.
وأشار تقرير أصدرته منظمة السياحة العالمية مؤخرا إلى أن عدد السائحين، الذين دخلوا منطقة الشرق الأوسط في الأشهر الثمانية الأولى من العام الجاري، انخفض بواقع 69 في المائة تأثرا بالجائحة. ومع الرفع التدريجي لقيود السفر في العديد من دول المنطقة، بدأت صناعة السياحة في الشرق الأوسط تصعد ببطء من القاع، لتكتسب قوة دفع تدريجية من الانتعاش.
-- السياحة على طريق التعافي
عند مدخل المتحف المصري في وسط القاهرة، يصطف عدد كبير من السائحين بشكل منظم لدخوله، فيما يُكتب شعار "يرجى ارتداء الكمامة" بشكل ملفت للنظر، كما يمكن رؤية ملصقات تذكّر بضرورة الالتزام بالتباعد الاجتماعي في كل مكان على الأرض. وبتوجيه من الموظفين، يمكن دخول المتحف بعد المرور بسلسلة من الإجراءات من بينها فحص درجة الحرارة وإجراء الفحص الأمني واستخدام معقمات الأيدي.
وقال موظفو المتحف إن السائحين المحليين يمثلون حاليا الجزء الرئيسي من زائري المتحف، فيما يتزايد عدد السائحين الأجانب ببطء. ووفقا لأحدث البيانات الصادرة عن وزارة السياحة والآثار المصرية، فقد زار مصر حوالي 400 ألف سائح منذ استئناف حركة السياحة الوافدة إليها في يوليو الماضي.
أما فى السعودية، فقد قامت الحكومة بالترويج بنشاط للمناطق السياحية مثل الشواطئ وقمم الجبال والمعالم التاريخية المحلية وغيرها من مناطق الجذب السياحي، ما شجع الجمهور على إحلال السفر المحلي محل الإجازات الخارجية. وفي الوقت الحالي، ارتفع متوسط معدل إشغال الفنادق المحلية إلى 80 في المائة. وفي ظل التعافي المحدود لعدد السائحين الدوليين، أصبحت الاستفادة من سوق السياحة المحلية محط التركيز الرئيسي، حيث يبلغ عدد سكان السعودية 34 مليون نسمة وتتمتع السياحة الداخلية في المملكة بإمكانات كبيرة.
وفي بعض المدن التركية، ارتفع معدل إشغال الفنادق بشكل ملحوظ مؤخرا، وازداد عدد السائحين الوافدين إليها من أوروبا بشكل كبير. فقد قال براك بيسرين، الشريك في مركز أولوداغ للتزلج في مدينة بورصة بشمال غرب تركيا، إنه بسبب قيود السفر الأوروبية، تحول العديد من السائحين الدوليين إلى تركيا بعدما كانوا يخططون في الأصل للذهاب إلى أوروبا للتزلج، مضيفا أن "مبيعاتنا المسبقة على الإنترنت تبدو متفائلة حاليا. ومن المتوقع أن تؤدي الزيادة في عدد السائحين خلال فترة الشتاء إلى تعويض الخسارة التي سُجلت في النصف الأول من العام".
وفي مطار دبي الدولي بالإمارات ومع الاستعادة التدريجية للطيران، عاد المطار الذي كان قد أوقف عددا كبيرا من الرحلات إلى الحياة الطبيعية مرة أخرى، كما أعيد فتح العديد من متاجر السوق الحرة داخل المطار. وقال بول غريفيث الرئيس التنفيذي لمؤسسة مطارات دبي، إن التدفق الحالي للركاب بالمطار قد تعافى إلى أكثر من مليون مسافر شهريا، وهو ما يمثل 85 في المائة من نفس الفترة من العام الماضي. وسيؤدي التعافي التدريجي للرحلات الدولية إلى جذب المزيد من السائحين، الأمر الذي سيعزز بدوره انتعاش السياحة في دول المنطقة.
-- سياسات معنية داعمة للسياحة
منذ يونيو من هذا العام، رفعت العديد من دول الشرق الأوسط قيود السفر على التوالي، وأعادت فتح مناطق الجذب السياحي. وتواصل بلدان المنطقة تطبيق سلسلة من التدابير التفضيلية والحافزة لتعزيز انتعاش صناعة السياحة.
فإلى جانب جهودها لجذب السائحين لزيارة مصر، تشجع وزارة السياحة والآثار المصرية السائحين أيضا على زيارة البلاد من خلال الجولات الافتراضية عبر الإنترنت، ومن المتوقع أن تطلق الحكومة المصرية المزيد من الإجراءات لتنشيط صناعة السياحة مستقبلا.
ومن أجل تطوير السياحة الداخلية، أطلقت جمعية وكلاء السياحة والسفر الأردنية 40 نوعا من حزم السفر التفضيلية بطرق ومسارات مختلفة في جميع أنحاء البلاد، وهذا يدعم 40 في المائة من رسوم النقل والمطاعم والإقامة لمواطنيها، ويلقى ترحيبا من المواطنين الأردنيين.
وأشار الدكتور رأفت النبراوي، العميد الأسبق لكلية الآثار بجامعة القاهرة، إلى أنه خلال فترة الوقاية من جائحة كوفيد-19 ومكافحتها، أطلقت دول المنطقة معارض خارجية مختلفة وجولات عبر الإنترنت وطرق أخرى للتعريف بالآثار الثقافية المحلية والمعالم السياحية، ووضع الأساس لجذب السائحين لزيارتها في المستقبل.
وتتعاون دائرة السياحة والتسويق التجاري بدبي "دبي للسياحة" مع بعض شركات الإنترنت للترويج للسياحة. وأعلنت السعودية في يونيو الماضي عن صندوق لتنمية القطاع السياحي يطلق أدوات للاستثمار في الأسهم والديون لتطوير قطاع السياحة بالتعاون مع البنوك الخاصة والاستثمارية لزيادة الجهود لتطوير 38 نقطة جذب والترويج لها.
ومن أجل طمأنة السائحين الأجانب، اتخذت دول مختلفة أيضا تدابير صارمة للوقاية من الجائحة، إذ تطبق دبي شهادة "ضمان دبي" في مؤسسات البيع بالتجزئة ومراكز الترفيه والمعالم السياحية، وسيتم وضع علامة مجانية على المواقع التي تجتاز عمليات التفتيش المنتظمة لضمان امتثال المناطق التي يزورها السياح لقواعد السلامة الصارمة ومعايير النظافة. ومن ناحية أخرى، أطلقت وزارة السياحة والصناعات التقليدية التونسية بروتوكول "جاهز وآمن" لضمان سلامة السائحين من الجائحة.
-- التعافى الكلي يتطلب وقتا
أشار بعض الخبراء في صناعة السياحة إلى أنه في ضوء الموارد السياحية الوفيرة في الشرق الأوسط ونمو وتيرة الطلب السياحي من الجمهور، من المتوقع أن تشهد صناعة السياحة في الشرق الأوسط تسارعا تدريجيا في التعافي في فترة ما بعد الجائحة.
وذكّر الخبراء بأن الشرط الأساسي لتعافي صناعة السياحة هو أن يصبح الوضع الوبائي تحت السيطرة، لذلك من المهم للغاية تنفيذ تدابير الوقاية من تفشي الفيروس والحفاظ على نتائج الوقاية منه. وفي الوقت الحالي، لم تنته الجائحة في العالم بعد، كما أن افتقار الجمهور إلى الثقة في استهلاك السياحة عامل مهم يعيق الانتعاش الحالي للسياحة الدولية والإقليمية. وعلى مدى الفترة المستقبلية، ستستمر الجائحة وبشكل متكرر في اختبار تعافي صناعة السياحة في الشرق الأوسط.
ودعا محمد خميس المهيري، رئيس لجنة الشرق الأوسط بمنظمة السياحة العالمية، مؤخرا دول المنطقة إلى مواصلة إدخال سياسات لدعم المؤسسات ذات الصلة بالسياحة، وخاصة الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم، للتغلب على الصعوبات خلال الفترة التي تعود فيها الصناعة إلى المستوى الذي كانت عليه قبل الجائحة.
وأشارت بعض وسائل الإعلام في الشرق الأوسط إلى أنه خلال فترة الوقاية من الجائحة ومكافحتها، حققت مختلف الصناعات في الشرق الأوسط تقدما مرضيا في البناء الرقمي. وبالنسبة لصناعة السياحة على وجه الخصوص، فقد تغيرت عادات سفر السائحين، إذ شهد السفر الحر والحجز عبر الإنترنت والدفع عبر الإنترنت، وهي سبل تقلل الاتصال، ترحيبا من المسافرين.
كما سيولي السائحون مزيدا من الاهتمام بالنظافة وتوافر وسائل الراحة خلال زيارتهم للوجهات السياحية، وهذا يفرض بدوره متطلبات جديدة على المؤسسات ذات الصلة لتحسين البنية التحتية وتحسين مستويات الخدمة. بالإضافة إلى ذلك، جذبت أشكال من السياحة مثل السياحة العلاجية والسياحة الترفيهية الساحلية مزيدا من الاهتمام، ما يعني فرصا جديدة للتنمية في الشرق الأوسط الذي يتمتع بعلاج طبي عالي التكلفة نسبيا وصناعة فندقية أكثر تطورا.