تحقيق إخباري: فنان سوري يرصد حياة الناس في سوريا خلال الحرب بـ"عين الغراب"

2021-10-13 01:13:16|arabic.news.cn
Video PlayerClose

 

دمشق 12 أكتوبر 2021 (شينخوا) يدهشك الفنان والمصور السوري عمر ملص (37 عاما) وهو يحدثك عن القواسم المشتركة التي تجمع بينه وبين الغراب خلال سنوات الحرب التي مرت على سوريا، وكيف استطاع أن يرصد ويروي حياة الناس خلال تلك السنوات الصعبة من الحرب من خلال عين الغراب، وان يتعلم منه الكثير من الاشياء منها الشجاعة وعدم الخوف.

فالغراب يراقب من بعيد كيف سيحصل على طعامه من بين الناس بسرعة، وكذلك الفنان السوري ملص يراقب من سطح بيته الذي يسكنه في أحياء دمشق القديمة حياة الناس ويحاول أن يلتقط صورة ترصد حياة الناس وفيها الكثير من القصص والحكايا التي عاشها السوريون خلال سنوات الحرب المدمرة.

والشاب ملص ذو قامة طويلة ونحيف ولديه شعر أسود طويل يربطه خلف رأسه يعيش في شقة مستأجرة في أحد أحياء دمشق القديمة، عاصر فيه سنوات الحرب المؤلمة وشاهد من نافذة بيته سقوط القذائف وسمع أصوات رشقات الرصاص التي كانت تمزق صمت المدينة بين الحين والأخر، وكانت الناس في البداية الحرب بحالة الصدمة من تلك الأشياء التي تحدث، وكان ملص يجلس في بيته مع عدة طيور من الغربان التي تعيش في تلك المنطقة وكان الاثنان يراقبان ما يجري ولكن كل على طريقته.

وقال ملص وهو مصور فوتوغرافي ومخرج أفلام وثائقية لوكالة أنباء (شينخوا) "الغراب هو مشروع كان بحياتي وهو بالتأكيد ليس أنا، ولكن بمرحلة الحرب خاصة لما كنا في بداية الحرب لم يكن أحد منا يعرف ما معنى الحرب، والكل مندهش مما يجري بسرعة مخيفة".

وأضاف ملص وهو يتحدث بكل عفوية "بما أن بيتي الذي اسكن به قبل الازمة وحتى الآن على سطح أحد العمارات القديمة بدمشق كنت أراقب الحياة من على السطح وصرت ارقب الناس ماذا يعملون وأين يذهبون مسرعين وأين تسقط القذائف بدمشق وبذات الوقت بدأت أشعر بأن حوالي طيور الغراب التي تعيش في دمشق منذ سنين، فشعرت نفسي كأنني غراب، خاصة بعد أن غادر أصدقائي خارج سوريا ولم يعد عندي أصدقاء".

وتابع يقول "الغراب يصطاد طعامه ويأتي به مسرعة من بين الناس في الشوارع ويطير، أنا أصبحت مثله اصطاد الصورة بسرعة والخوف والانتظار الطويل هو الذي جعلني اتشابه معه وكأن عيني أصبحت مثل عين الغراب وعم صور بأسلوبه".

وعندما عجزت لغة الكلام توجه الفنان السوري ملص إلى الصور الفوتوغرافية لتوثيق مرحلة مهمة من حياة السوريين خلال الحرب لإدراكه بأهمية ما يجري في بلاده ولايمانه بأن السوريين تحملوا كل تلك الصعوبات ولم يغادوا البلاد فهذا يجب أن يوثق.

وقال ملص "بصراحة حياتي قبل الازمة اختلفت قليلا عما هو الان بعد الحرب، قبل الأزمة كان عندي حماس سينمائي كبير لاسيما وان هناك فريقا كنت أعمل معه، ولكن بسبب الحرب وسفر الأصدقاء خارج البلد بدأت بعض الأشياء تتغير، ورويدا رويدا أصبحت أشعر بأن اللغة السينمائية صارت معقدة، وصار فيها صعوبات وصرت ابحث عن طريقة للتعبير تكون تجريدية أكثر، ففضلت أن أعبر عن مشاعري بالعين من دون ان اتكلم بل اتحدث من خلال الصورة دون الحاجة إلى الكلام وهنا وجدت نفسي اتجه نحو الفوتوغراف وبدأت العمل على مشاريع فوتوغرافية".

وروى ملص أن الغراب اكسبه الشجاعة في الخروج من منزله والسير في الشوارع دون خوف، كما أن غياب الأصدقاء دفعه لرؤية أن الغراب موجود ويعيش بيننا.

قال "ما دفعني للانتباه لوجود الغراب هو غياب الأصدقاء، وكان صديقي الوحيد في زمن الحرب، فهو طائر ذكي جميل واحببته وشعرت انه من اصل المكان، لقد اعطاني الغراب مزيجا من الشجاعة ومزيجا من تطوير علاقتي مع المكان والشعور بالانتماء بقوة لهذا المكان".

والشاب ملص لم ينكر أنه استعار عين الغراب لفترة من الزمان، وهي فترة مؤقتة ولكنه ابدا لم يكن غرابا، بل ظل الانسان المفعم بالمشاعر ويتأثر بما بكل تفصيل يراه في حياته خلال الحرب.

وأضاف "صحيح في البداية استعرت عين الغراب، ولكن في النهاية هذه هي عيني، وأنا أرى مدينتي وأرى الناس في المدينة من خلال عيني، وبسبب الحرب استعرت عين الغراب ولكن لو لم يكن هناك حرب لكنت عملت شيء أخر مختلف كنت عملت بالمهن اليدوية او بالصناعات او بدمشق القديمة أو بالآثار او بالمتاحف او بالعمارة القديمة ولكن الحرب هي التي دفعتني كي استعير عين الغراب، وهي استعارة مؤقتة وهي مرحلة وستنتهي هذه المرحلة كان لها علاقة مع الغراب وعلاقتي مع الغراب كانت تحديدا مع هذا المشروع وسيأتي وقت وينتهي ولن يكون لهذا الغراب أي تأثير على شخصيتي كفنان".

وتابع ملص متحدثا عن مشروعه الفني قائلا "أحببت أن أتكلم عن المكان، وهو دمشق وانقله بطريقة مختلفة عن الشيء الذي يراه الاخرون، فهناك أناس ظلوا في البلد وتمسكوا بالمكان، وهم يخرجون يوميا إلى عملهم وخاصة أثناء الحرب وخلال سقوط القذائف، والغراب كان يراهم، وأنا هدفي كان هؤلاء الناس وتوثيق حياتهم بعيدا عن الحرب وهناك حياة موازية كانت تسير بموازاة الحرب، وكان همي أن أوثق تلك الشريحة من الناس".

وأضاف " انا اردت أن أخرج عن الصورة النمطية للحرب، صور دمار وقتل والصورة الصحفية، انا كنت اصور مثلا المقهى الذي يجتمع به الناس كل مساء ، وبائع الخضار وكل هؤلاء كانوا ضمن قائمة اهتمامي، وشكلت منهم قصة من الصور فيما بعد".

وتابع يقول "كنت أرى في وجوه من اصورهم الدهشة والخوف وبنفس الوقت كنت أرى ايمانهم بالحياة وتشبثهم بالمكان ايمانهم بالعمل وكنت أرى في نفس الوقت حسرة على ما حدث لهذا البلد وهذا في النهاية يشكل حزنا".

والغراب في الحكايا وفي الامثال الشعبية في سوريا هو نذير شؤم، ولكن هذا الشاب السوري استعار عين هذا الطائر لكي يوثق حكايا السوريين عبر الصورة الفوتوغرافية.

وأصدر ملص أخيرا كتابًا للصور يضم مجموعة مختارة من أفضل صوره التي تم التقاطها أثناء الحرب في سوريا، وكان عنوان الكتاب "عين الغراب" وتضمن صور الغربان التي تعيش معه على السطح وكيف يشاهدون الناس وحياتهم اليومية من فوق.

وفي مقدمة الكتاب، كتب ملص "دمشق، تلك المدينة القديمة المهترئة الهادئة التي يسكنها أناس يفصلون عن الجنون بجدار رقيق، وليس من السهل تمزيقها، أحد هؤلاء السكان، وهو مصور، تمكن من عبور هذا الجدار ووجد نفسه تحول إلى غراب، والتقط صورًا للناس ويطير بعيدًا، تمامًا كما يلتقط الغراب طعامه، يطير بحرية عالياً فوق المدينة، يشاهد الناس يغرقون في همومهم اليومية ... ".

   1 2 3 4 5 >  

الصور

010020070790000000000000011100001310240830