تقرير سنوي: لبنان 2021: أزمة مفتوحة بأبعاد إقليمية ودولية وسط انسداد الأفق على الحلول
بيروت 29 ديسمبر 2021 (شينخوا) رأى محللون لبنانيون أن العام 2021 كان عام استعصاء أزمة مفتوحة على الحلول مع تدحرج أزمات مالية واقتصادية ومعيشية وصحية متصاعدة وانهيار قيمة الليرة اللبنانية.
ويعيش لبنان ظروفا استثنائية تطبعها هواجس الأمن والهموم المعيشية والضغوط الإقليمية القاسية وهواجس التغييرات الإقليمية التي تضرب المنطقة وسط الصراع العربي الإسرائيلي، كذلك تراجعت في العام 2021 علاقات لبنان مع بعض الدول العربية.
ولم تفتح تطورات العام 2021 أي ثغرة في جدار الأزمة اللبنانية التي بقيت مقفلة على المعالجات، وتميزت باختزانها تعقيدات متشابكة تجعل من المخارج بعيدة المنال.
وشهدت ساحات بيروت احتجاجات شعبية منذ العام 2019 للتنديد بالأوضاع الاقتصادية والمطالبة بوضع حد للفساد، تمكنت من إسقاط الحكومة برئاسة سعد الحريري حينها، لكنها اختنقت تحت وطأة ضعف التنظيم وتفشي مرض فيروس كورونا الجديد (كوفيد-19) وضغوط القوى السياسية والأحزاب الطائفية التي ترفض إقصائها في وقت تترابط فيه حلقاتها رئاسيا وبرلمانيا وحكوميا.
في غضون ذلك، تمادت القوى والأحزاب السياسية والطائفية في صراعاتها ضمن نظام المحاصصة الطائفية ما أدى في محطات كثيرة إلى تعثر تشكيل الحكومات وصولا إلى التعثر في عمل المؤسسات الدستورية.
ورأى بعض المحللين أن التلكؤ في التجاوب مع نصائح صندوق النقد الدولي بالبدء بعملية تعديل مالي وتنفيذ إصلاحات هيكلية سبب من الأسباب التي أدت إلى بلوغ الدين العام في البلاد حتى نهاية شهر أغسطس في العام 2021 نحو 99 مليار دولار، في حين خسرت الليرة اللبنانية 96 في المائة من قيمتها.
وأدى ذلك إلى انهيار القطاع الخاص وخسر مئات آلاف اللبنانيين وظائفهم في حين دخلت القطاعات الإنتاجية حالة من الاحتضار وسط تآكل المداخيل وفرض القيود على سحب الودائع بالدولار الأمريكي مع تحديد سقوف شهرية لسحب المدخرات بالعملة اللبنانية.
وفي تقارير المؤسسات الأممية بشأن الوضع في لبنان، وصف البنك الدولي بتقرير في مطلع يونيو الماضي، الأزمة في لبنان، بأنّها "الأكثر حدة وقساوة في العالم"، وصنفها ضمن أصعب 3 أزمات سجلت في التاريخ منذ أواسط القرن الـ19.
بدورها، أعلنت لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (اسكوا) أن معدل الفقر في لبنان من 42 % في العام 2019 إلى 82 % من إجمالي السكان في العام 2021 مع وجود ما يقرب من 4 ملايين شخص يعيشون في فقر متعدد الأبعاد.
-- أسباب الأزمة
وحول أسباب المأزق اللبناني، قال المحلل السياسي رئيس تحرير نشرة (النشرة) السياسية والاقتصادية اليومية شوقي عشقوتي لوكالة أنباء ((شينخوا)) إن أسباب المأزق متشعبة ومتداخلة ذات وجهين، الأول سياسي داخلي يحمل تداعيات اقتصادية واجتماعية والثاني خارجي.
وأشار إلى تداخل العاملين الداخلي والإقليمي بواقع الامتدادات الخارجية للفرقاء الداخليين في صراع المحاور الإقليمي مما يزيد المشكلة تعقيدا.
واعتبر أن عمق الأزمة يعود إلى تراكمات لثلاثة عقود على الأقل وتعكس عجزا في النظام السياسي الطائفي الذي مما يستدعي ترميمه أو تعديله.
بدوره، حمل عضو "المجلس الوطني للإعلام" المحلل السياسي طارق ترشيشي الطبقة السياسية اللبنانية مسؤولية السياسات النقدية الخاطئة التي أفضت إلى تدهور الأوضاع، معتبرا أن هذه الطبقة فشلت في تحمل مسؤولياتها.
وقال ترشيشي لـ((ِشينخوا)) إن لبنان يشهد أزمة نظام عميقة متأتية من الفشل في تطبيق "اتفاق الطائف" الذي وضع حدا للحرب الأهلية (1975-1991) حيث تم ترسيخ الدولة الطائفية في حين أن أحد بنود الاتفاق تنص على إلغاء الطائفية السياسية.
ونبه إلى أن تعزيز النظام الطائفي في لبنان يعود إلى أنه كان يشكل على مدى تاريخه ساحة للصراع بين المحاور الإقليمية.
ولفت إلى مفارقة في لبنان مفادها بأن لا أحد ممن امتلك الأكثرية استطاع أن يحكم بفعل الديمقراطية التوافقية القائمة في البلاد والتي تتطلب إجماع الطوائف اللبنانية على القرارات الأساسية.
ولاحظ أنه قد تم استخدام السلاح المالي في الصراع الإقليمي الجاري في لبنان بهدف تحجيم حزب الله وتغيير موازين القوى الداخلية في لبنان، لافتا إلى العقوبات التي كانت قد فرضتها الولايات المتحدة في السنوات الماضية على مصرفين لبنانيين بدعوى علاقتهما مع حزب الله.
أما المحلل والكاتب الدبلوماسي السياسي جورج علم فأعاد المأزق في لبنان إلى تداعيات الفساد والتوتر المذهبي والطائفي وتداعيات كارثة انفجار مرفأ بيروت.
وقال علم لـ((ِشينخوا)) إن الصراع الإقليمي من بين أهم أسباب الوضع الحاصل في لبنان، محذرا من أزمة وجودية تطاول البلد في ظل انهيار الليرة والاقتصاد وقطاعات الكهرباء والطاقة والمصارف.
-- انعكاسات الأزمة
وحول انعكاسات الأزمة رأى عشقوتي أن الرأي العام يشعر أنه أمام أزمة وجودية تهدد الكيان مما يدخل القلق والشكوك والخزف على المستقبل وعلى دور لبنان.
وأشار إلى اشتداد الهجرة من لبنان لأسباب غير اقتصادية وأمنية، بل لأسباب تتعلق بفقدان الثقة بالمستقبل والشعور بأن الأفق مسدود على صعد الأمن الصحي والغذائي والتربوي.
أما ترشيشي فأشار إلى أن اللعبة السياسية في لبنان تعاني من انعكاسات إقليمية قاسية نتيجة غياب التوافق الخليجي الايراني.
ورأى إلى أن الوضع في لبنان يمر في مرحلة انتظار التسوية الإقليمية الدولية والتي ستفتح الباب أمام دخول البلاد في مرحلة انتقالية لتصحيح الأوضاع.
من جهته، توقف جورج علم حيال المواقف الأمريكية والأوروبية التي تدعو إلى دمج النازحين السوريين مع المجتمعات المضيفة وإلى توطين اللاجئين الفلسطينيين واضعا ذلك في إطار سياسة دولية كيدية تجاه لبنان في ظل ما يرسم من حلول مستقبلية للقضيتين الفلسطينية والسورية.
-- مخارج الأزمة
وحول مخارج الأزمة، قال عشقوتي إن لبنان في قعر الهاوية والطريق للخروج منها مشروط بتوافر الإرادة لدى القوى السياسية بإصلاح النظام السياسي.
وأشار إلى أن التأزم السياسي أفرز الأزمة الاقتصادية والاجتماعية مما يتطلب القيام بإصلاحات شاملة إدارية ومالية وتحقيق استقرار سياسي.
ورأى أن الدول التي تتعاطى مع لبنان لديها عدة نظريات بشأنه وتدعو للإصلاح لكنها تضع في الواجهة حزب الله في الجانب الإقليمي من الأزمة، في مؤشر إلى تعاطي يضمر سوء النية.
وقال إن معالجة مسألة حزب الله يجب أن تأتي ضمن معالجة إقليمية ودولية في إطار تسوية كبرى في المنطقة وليس ضمن حرب كبرى.
وأشار إلى أن مفاوضات فيينا الجارية حول الملف النووي الإيراني بين الولايات المتحدة وإيران وأطراف أخرى تستخدم فيها أوراق في المسرح الإقليمي بدءا من سوريا إلى غزة إلى العراق وصولا إلى لبنان ثم اليمن.
وقال إن الضغط الأمريكي على لبنان لترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل يأتي في إطار مشهد مفاوضات فيينا التي ستنعكس إيجابياتها بإجراء حوار اقليمي يشكل بوابة إنهاء الحرب الجارية في اليمن.
ورأى أن التصعيد الإسرائيلي ووصوله إلى مستوى الحرب ليس واردا في المرحلة الحاضرة بعد تفاهم الإدارة الأمريكية مع الحكومة الإسرائيلية على أن تأخذ الأولى بالهواجس الإسرائيلية مع تعهد الثانية بعدم التخريب على خطط الإدارة.
وأكد عشقوتي أن المخرج والحل في لبنان يتمثل في إجراء حكومة نجيب ميقاتي للإصلاحات المطلوبة دوليا مع إجراء الانتخابات البرلمانية.
ورأى أن الانتخابات البرلمانية والرئاسية مطلوبة حاليا حيث تشكل نتائجها منطلقا لمرحلة انتقالية يتم خلالها إجراء حوار وطني صادق لكنه تخوف من أن تؤدي الانتخابات إلى إعادة إنتاج الطبقة السياسية ذاتها بدلا من إعادة تكوين السلطة.
أما ترشيشي فقد اعتبر أن الاتفاق الدولي في مفاوضات فيينا سيفتح الباب واسعا أمام معالجة أوضاع لبنان ودول المنطقة.
وأشار من جهة ثانية إلى أن رئيس الوزراء نجيب ميقاتي يطمح إلى أن تصل المفاوضات التي يجريها مع صندوق النقد الدولي إلى برنامج يتم من خلاله دعم لبنان ماليا بما يمكنه من تنفيذ خطة للتعافي الاقتصادي.
وأضاف أن مسكنات صندوق النقد الدولي وسط إمكانيات لبنان المحدودة ستساعد في إجراء الانتخابات البرلمانية التي ستقرر في الربيع المقبل الأكثرية البرلمانية المقبلة التي ستنتخب الرئيس المقبل للبلاد.
وحول التوقعات للانتخابات، قال إن لا أحد قادر على تعطيلها مرجحا أن تؤدي إلى تثبيت الوقائع الحالية في البيئات الطائفية، لكنه توقع أن تشكل المفتاح أمام رئاسة جديدة تقود البلاد نحو حوار وطني مثمر.
لكن ترشيشي حذر من أن أي تقدم الأوضاع في لبنان سيكون عرضة للتصدع في حال حصول أي تصعيد إقليمي لأنه يضع لبنان أمام مستقبل أسود.
ونبه إلى أن إجراء الانتخابات البرلمانية في لبنان في ظل فائض القوة الحالي لن يؤدي إلى أي تغيير بل ستحمل مزيدا من الفوضى والإرباك.
ورأى أن مفاوضات فيينا قد تنجح في تبرير المصالح الأمريكية والإيرانية وتؤدي إلى تدوير بعض الزوايا لكن متطلبات المسألة في لبنان تتطلب ما هو أبعد من ذلك لجهة رضوخ اللبنانيين لخطط توطين اللاجئين الفلسطينيين والنازحين السوريين ووضوح مستقبل وهوية الجهة التي ستضع يدها على الغاز والنفط الموعود في المياه الإقليمية اللبنانية.
واعتبر علم أن معالجة الوضع في لبنان يتطلب عقد مؤتمر دولي لتنفيذ أجندة تحفظ لبنان وليس تنفيذ أجندات غربية على حسابه.
يذكر أن تاريخ الأزمات اللبنانية يفيد إلى أنها كانت تعالج بدفع خارجي نحو تسويات تحاول ضبط موازين القوى الداخلية وتهدئة الذعر الطائفي، علما أن استخدام السلاح لتحقيق التوازن كان يؤدي إلى الفشل ذلك أن الاستقرار لا يمكن تحقيقه تحت ظل هيمنة فئوية تستنفر المتضررين فضلا عن أن استعانة أي طرف بالقوى خارجية تدفع بالآخرين للأمر نفسه مما يجعل لبنان ساحة صراعات.