مقالة خاصة: ارتقاء التعاون الصيني-العربي إلى مستوى جديد رغم جائحة كورونا
القاهرة 30 ديسمبر 2021 (شينخوا) قدمت الصين والدول العربية نموذجا يحتذى في التعاون والارتقاء بمستوى العلاقات رغم الأزمات، بل أن الجانبين عملا على استثمار أزمة جائحة مرض فيروس كورونا الجديد (كوفيد-19) وتحويلها إلى فرصة سانحة لتعزيز وتوطيد أواصر التعاون المشترك بينهما.
ويعد نجاح الجانبين في عبور أزمة "كوفيد-19" ترجمة حقيقية وعلى أرض الواقع لمفهوم "بناء مجتمع مصير مشترك صيني-عربي"، الأمر الذي أكد عليه الرئيس الصيني شي جين بينغ، من أن جهود الصين والدول العربية تضافرت لمكافحة الجائحة، وقدمتا نموذجا لمساعدة بعضها البعض والتغلب على الصعوبات سويا.
لقد تجاوز الجانبان الصيني والعربي خلال العام 2021، مرحلة تبادل المساعدات لعبور الأزمة إلى التعاون المشترك والبناء للتنمية واستثمار الأزمة في تعزيز التعاون وتبادل المنافع والاستفادة المشتركة، من خلال توطين تكنولوجيا تصنيع اللقاحات وتبادل الخبرات وغيرها.
-- الاستجابة السريعة للتعاون المشترك في مكافحة الجائحة
منذ بدء تفشي الجائحة عملت الصين والدول العربية معا، وتبادل الجانبان المساعدة والمعلومات في الوقت المناسب، واتخذا الإجراءات الحاسمة وتعاونا على نحو وثيق، الأمر الذي ساهم في زيادة عمق علاقات الصداقة التقليدية والشراكة الاستراتيجية بينهما في العصر الجديد. وبذل الجانبان جهودا مشتركة لبناء "سور الصحة العظيم" لحماية أرواح شعوب الجانبين.
وكان لسرعة الاستجابة في التعامل مع جائحة كورونا والتعاون المشترك بين الصين والدول العربية أبلغ الأثر في نجاح الجانبين لتجاوز الأزمة، خاصة فيما يتعلق بإمداد الصين للدول العربية بالمستلزمات الطبية والوقائية والمطهرات والأجهزة الطبية الخاصة بالتعامل مع فيروس كورونا، والتي ساهمت في رفع مستويات قدرة الأجهزة الطبية على التعامل مع الجائحة، فضلا عن تبادل الخبرات المتراكمة وبروتوكولات العلاج.
فقد بادرت الصين منذ بدء الأزمة على مد يد العون والتعاون مع الدول العربية التي ترتبط الصين معها جميعا بعلاقات صداقة تاريخية وطيدة، وقد انعكس ذلك على أشكال عدة للتعاون بين الجانبين.
فلم يتوقف الأمر على توالي شحنات المساعدات من اللقاحات الصينية والمستلزمات الطبية والوقائية والوفود الطبية، لكنه شمل أيضا عقد العديد من الاجتماعات الافتراضية بين خبراء الصحة الصينيين والعرب.
وقد أظهرت الصين والدول العربية إخلاصا كبيرا في المواجهة المشتركة لتحديات الجائحة، وجرت العديد من الاتصالات الهاتفية بين الرئيس شي وعدد من قادة الدول العربية من بينهم الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، والعاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز وولي عهده الأمير محمد بن سلمان.
وبرز التضامن الكبير بين الجانبين فور وقوع الأزمة من خلال عدة رسائل، من أهمها زيارة وزيرة الصحة المصرية هالة زايد إلى بكين حاملة رسالة تضامن من الرئيس عبد الفتاح السيسي وبرفقة مساعدات طبية ووقائية.
ولم يقتصر التضامن والتعاون الصيني العربي لمجابهة كوفيد-19 على الجانب الرسمي فحسب، بل تعداه إلى فعاليات شعبية أقيمت في الصين وعدد من البلدان العربية.
وفي بداية الأزمة، أضاءت مصر ثلاثة من أشهر معالمها الأثرية، وهي "قلعة صلاح الدين الأيوبي بالقاهرة، ومجمع معابد الكرنك بمحافظة الأقصر، ومعبد فيلة في أسوان جنوبا"، بألوان علم الصين تضامنا مع الشعب الصيني في مواجهة الجائحة.
وفي إطار حملة أطلقتها الإمارات للتضامن مع الصين خلال مواجهتها للجائحة، أضاءت الدولة الخليجية عددا من معالمها البارزة، وفي مقدمتها برج خليفة ومبنى شركة بترول أبوظبي ((أدنوك)) بألوان العلم الصيني، والحروف الصينية للتعبير عن دعمها لمدينة ووهان الصينية تقول "هيا تشجعي يا ووهان".
في المقابل، لم يتوقف الدعم الصيني للدول العربية لمساعدتها على مواجهة أزمة كورونا على المساعدات الطبية والوقائية والفرق الطبية، وإنما امتد ليشمل إمداد الدول العربية بكميات هائلة من اللقاحات لمحاصرة انتشار الفيروس، فحتى أغسطس 2021، صدرت الصين وتبرعت بأكثر من 72 مليون جرعة من اللقاحات إلى 17 دولة عربية وجامعة الدول العربية.
-- التعاون العملي الصحي بين الصين والدول العربية
لم يقتصر التعاون بين الصين والدول العربية في المجال الصحي ومواجهة جائحة كورونا على المساعدات الطبية والوقائية وإنما وصل الأمر إلى التعاون مع عدد من الدول العربية على إنتاج اللقاحات الصينية مثل مصر والمغرب والإمارات والجزائر، في اتجاه قوي لمساعدة الدول العربية على توطين صناعة اللقاحات.
وقال المتحدث الرسمي باسم وزارة الصحة المصرية حسام عبد الغفار، "الصين دولة صديقة، وهناك تعاون وثيق سواء من خلال تبادل الخبرات والأبحاث، وهناك الكثير من اتفاقيات التوأمة ما بين الكثير من المستشفيات الجامعية".
وأضاف عبد الغفار لوكالة أنباء ((شينخوا)) أن "الصين أمدت مصر باللقاحات سواء كاملة التصنيع أو بالمواد الخام لتصنيع اللقاحات داخل مصر، وهناك إجراءات تسير على قدم وساق لنقل تكنولوجيا التصنيع من خلال مصانع اللقاحات بهيئة المصل واللقاح المصرية (فاكسيرا)، وحاليا هناك انتاج للقاح الصيني (سينوفاك) بالمصانع المصرية".
كما أكد مساعد وزير الصحة المصرية لمبادرات الصحة العامة محمد حساني، في تصريحات لـ((شينخوا)) في وقت سابق أهمية التعاون بين مصر والصين في توطين تكنولوجيا صناعة لقاحات "كوفيد-19".
وشدد حساني على أهمية التعاون بين مصر والصين في مجال توطين تكنولوجيا لقاحات كورونا، خاصة فيما يتعلق بإنتاج المواد الخام، موضحا أن الصين ترجمت ذلك عمليا بإرسال المواد الخام لإنتاج قرابة 100 مليون جرعة بنهاية عام 2021.
وفي تطور مهم، أجازت مملكة البحرين لقاح "سينوفارم" الصيني للأطفال للفئة العمرية من 3 إلى 11 عاما، بعد أن كان يعطى لجميع الفئات العمرية ما فوق الـ12 عاما، وللفئة العمرية من 3 إلى 11 عاما ممن يعانون من الأمراض التي تسبب ضعف المناعة.
كما شاركت المملكة في التجارب السريرية للقاح "سينوفارم"، حيث شارك أكثر من 7700 متطوع في تجارب المرحلة الثالثة.
وفي إطار التعاون المشترك، قال وزير الخارجية الإماراتي الشيخ عبد الله بن زايد، في مارس الماضي، إن أول تجربة سريرية دولية للمرحلة الثالثة من اللقاحات المضادة لكوفيد-19، والتي أجرتها الصين والإمارات بشكل مشترك في الدولة الخليجية تعكس الثقة المتبادلة العالية بين البلدين، ونالت الاعتراف الكامل من المجتمع الدولي، مشيرا إلى أن نتائجها أثبتت أن اللقاح الصيني آمن وفعال وحظي بموافقة المجتمع الدولي.
وفي يوليو الماضي، أقيم حفل توقيع مذكرة تعاون في مجال اللقاحات بين شركة ((سينوفارم)) والمملكة المغربية.
وقال وزير الصحة المغربي خالد آيت الطالب إن تعاون بلاده مع شركة ((سينوفارم)) في تعبئة اللقاحات سيساعد المغرب على تعزيز الطاقة الإنتاجية ودفع جهود المغرب لإنشاء مركز إفريقي للابتكار في مجال المستحضرات الصيدلانية البيولوجية واللقاحات لخدمة القارة والعالم.
-- بناء مجتمع مصير مشترك صيني-عربي
اتجهت الصين والدول العربية في خضم المعركة ضد كوفيد-19 إلى التوافق بشأن بناء مجتمع مصير مشترك صيني-عربي ومجتمع صحة مشتركة صيني-عربي.
وأكد الرئيس شي ، في رسالة تهنئة وجهها إلى معرض الصين والدول العربية الخامس الذي عقد في أغسطس الماضي، بمنطقة نينغشيا ذاتية الحكم لقومية هوي بشمال غربي الصين، استعداد الصين للعمل مع الدول العربية للسعي إلى التعاون والتنمية، وتعزيز التنمية السلمية، وتحقيق نتائج المنفعة المتبادلة والفوز المشترك، والبناء المشترك للحزام والطريق بجودة عالية، والارتقاء بالشراكة الاستراتيجية الصينية العربية إلى مستوى أعلى، إضافة إلى بناء مجتمع مصير مشترك صيني-عربي في العصر الجديد.
وقال الرئيس شي إن الصين لا تزال أكبر شريك تجاري للدول العربية. ففي مواجهة كوفيد-19، تضافرت جهود الصين والدول العربية لمكافحة الجائحة، ما شكل نموذجا لمساعدة بعضها البعض والتغلب على الصعوبات معا.
وفي هذا السياق، عقد الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، وعضو مجلس الدولة ووزير الخارجية الصيني وانغ يي، اجتماعا في يوليو الماضي لتبادل وجهات النظر المعمقة حول العلاقات الصينية-العربية، وتعهدا بتعزيز الشراكة الاستراتيجية الصينية-العربية، والعمل على بناء مجتمع مصير مشترك صيني-عربي.
وأشاد البيان المشترك الصادر عن الاجتماع، بالوحدة الصينية-العربية والتعاون في مكافحة كوفيد-19.
وأعربت الجامعة العربية عن شكرها للصين على توفير لقاحات كوفيد-19 والإمدادات الطبية للدول العربية والأمانة العامة لجامعة الدول العربية، ودعت إلى بذل المزيد من الجهود الإقليمية والعالمية لتأمين مساعدات إنسانية كافية.
واتفق الجانبان على بناء مجتمع مصير مشترك صيني-عربي من أجل تقديم المزيد من الإسهامات في بناء مجتمع مصير مشترك للبشرية، بحسب البيان.