النص الكامل للمقال الموقع للرئيس الروسي فلاديمير بوتين لوكالة أنباء ((شينخوا))
بكين 3 فبراير 2022 (شينخوا) نشرت وكالة أنباء ((شينخوا)) اليوم (الخميس) مقالا موقعا لرئيس الاتحاد الروسي فلاديمير بوتين تحت عنوان "روسيا والصين: شراكة استراتيجية موجهة نحو المستقبل".
وفيما يلي النص الكامل للمقال:
روسيا والصين: شراكة إستراتيجية موجهة نحو المستقبل
فلاديمير بوتين
رئيس الاتحاد الروسي
عشية زيارتي المقبلة إلى الصين، يسعدني أن أتواصل بشكل مباشر مع الجمهور الصيني والأجنبي لوكالة أنباء ((شينخوا))، أكبر وكالة أنباء.
إن بلدينا جاران وثيقان يرتبطان بتقاليد تمتد لقرون من الصداقة والثقة. إننا نثمن عاليا أن شراكة التنسيق الاستراتيجية الشاملة بين روسيا والصين، التي تدخل حقبة جديدة، قد وصلت إلى مستوى غير مسبوق وأصبحت نموذجا للكفاءة والمسؤولية والتطلع إلى المستقبل. وفي العام الماضي، احتفلنا بالذكرى العشرين لمعاهدة حسن الجوار والتعاون الودي. وتم تحديد المبادئ الأساسية والتوجيهية للعمل المشترك من قبل بلدينا في المعاهدة، والتي تشمل على رأسها المساواة ومراعاة مصالح بعضنا البعض والتحرر من الظروف السياسية والأيديولوجية والتحرر من بقايا الماضي. هذه هي المبادئ التي نبني عليها باستمرار عاما بعد عام بروح الاستمرارية لتعميق حوارنا السياسي. وعلى الرغم من الصعوبات الناجمة عن جائحة فيروس كورونا الجديد، نسعى جاهدين لبناء قدرة الشراكات الاقتصادية وتوسيع التبادلات الشعبية.
وخلال الزيارة المقبلة، سنناقش أنا والرئيس شي جين بينغ بشكل مستفيض القضايا الرئيسة على جداول الأعمال الثنائية والإقليمية والعالمية. إنه لأمر له مغزى أن يعقد اجتماعنا خلال عيد الربيع أو العام القمري الصيني الجديد. فكما يقول المثل الصيني "يعتمد عمل عام كامل على بداية جيدة في الربيع".
بالتأكيد سيحظى تطوير العلاقات التجارية باهتمام خاص. هناك كل الفرص المتاحة لتحقيق ذلك، لما تتمتع به الدولتان من موارد مالية وصناعية وتكنولوجية وبشرية كبيرة تسمح لنا بحل قضايا التنمية على المدى الطويل بنجاح. وبالعمل معا، يمكننا تحقيق نمو اقتصادي مطرد وتحسين رفاه مواطنينا وتعزيز قدرتنا التنافسية والوقوف معا في وجه المخاطر والتحديات الراهنة.
في نهاية عام 2021، ارتفع حجم التبادل التجاري أكثر من الثلث متجاوزا الرقم القياسي 140 مليار دولار أمريكي. إننا نسير قدما على الطريق الصحيح باتجاه هدفنا المتمثل في زيادة حجم التجارة إلى 200 مليار دولار أمريكي سنويا. ويتم تنفيذ عدد من المبادرات الهامة في قطاعات الاستثمار والصناعة التحويلية والصناعة والزراعة. تحديدا، تشمل محفظة اللجنة الروسية-لصينية الحكومية الدولية للتعاون الاستثماري 65 مشروعا تزيد قيمتها على 120 مليار دولار أمريكي. الأمر يتعلق بالتعاون في مجالات مثل التعدين ومعالجة المعادن وإنشاء البنية التحتية والزراعة.
ونواصل العمل على توسيع التسويات بالعملتين الوطنيتين وإنشاء آليات لمواجهة التأثير السلبي للعقوبات الأحادية الجانب. ويأتي كمعلم رئيس في هذا العمل توقيع اتفاقية بين حكومتي روسيا والصين بشأن المدفوعات والتسويات في عام 2019.
كما تتشكل شراكة متبادلة النفع في مجال الطاقة بين بلدينا. فبالإضافة إلى إمداد الصين على الأجل الطويل بالنفط والغاز، توجد لدينا خطط لتنفيذ عدد من المشاريع المشتركة واسعة النطاق. من بين هذه المشاريع بناء أربع وحدات جديدة للطاقة أطلقت العام الماضي في محطات الطاقة النووية الصينية بمشاركة شركة ((روساتوم)) الحكومية الروسية للطاقة النووية. فكل هذا يعزز بشكل كبير أمن الطاقة في الصين ومنطقة آسيا ككل.
ونرى مجموعة من الفرص في تطوير الشراكات في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات والطب واستكشاف الفضاء، بما في ذلك استخدام أنظمة الملاحة الوطنية ومشروع محطة أبحاث القمر الدولية. وقد أعطى عام الابتكار العلمي والتكنولوجي الروسي-الصيني 2020-2021 دفعة قوية لتعزيز العلاقات الثنائية.
إننا ممتنون لزملائنا الصينيين على مساعدتهم في إطلاق لقاحي "سبوتنيك في" و"سبوتنيك لايت" الروسيين في الصين وتوفير معدات الحماية اللازمة لبلدنا في الوقت المناسب. ونأمل أن يتطور هذا التعاون ويتعزز.
إن أحد الأهداف الاستراتيجية لروسيا يتمثل في تسريع التنمية الاجتماعية والاقتصادية لسيبيريا والشرق الأقصى الروسي. وتقع هذه الأراضي في الجوار المباشر مع الصين. كما أننا عازمون على تطوير التعاون دون المستوى الوطني بنشاط. لذلك، بدأ تحديث خط السكك الحديدية بايكال-أمور وخط السكة الحديد العابر لسيبيريا. وبحلول عام 2024، ستزداد سعتهما مرة ونصف من خلال زيادة حجم البضائع العابرة وتقليل وقت النقل. كما أن البنية التحتية للموانئ في الشرق الأقصى الروسي آخذة في النمو. وكل هذا من شأنه أن يعزز التكامل بين الاقتصادين الروسي والصيني.
وبالطبع، يظل الحفاظ على الطبيعة والنظم البيئية المشتركة مجالا مهما للتعاون المحلي وعبر الحدود. وتحظى هذه القضايا دائما باهتمام الجمهور في بلدينا، وسنناقشها بالتأكيد بالتفصيل خلال الاجتماع إلى جانب مجموعة واسعة من الموضوعات المتعلقة بالتبادلات الشعبية والثقافية.
إن روسيا والصين دولتان لديهما تقاليد فريدة وتراث ثقافي شهير يعود لآلاف السنين. وتحظى الثقافتان الروسية والصينية باهتمام عال في كلا البلدين وفي البلدان الأخرى. صحيح أن عدد السياح والأحداث المشتركة واسعة النطاق والاتصالات المباشرة بين مواطنينا انخفض بسبب الوباء في العامين الماضيين، إلا أنني ليس لدي أدني شك في أننا سنعوض ذلك، وبمجرد أن يسمح الوضع، سوف نطلق برامج توعوية وتعليمية جديدة لتعريف مواطنينا بالتاريخ والحياة الحالية للبلدين. وقد اتفقت أنا والرئيس شي جين بينغ على عقد عام التبادل الرياضي في 2022 و2023.
وبالتأكيد، ستحتل مناقشة القضايا الدولية ذات الصلة جزءا مهما من الزيارة، فتنسيق السياسة الخارجية بين روسيا والصين يعتمد على مقاربات وثيقة ومتزامنة لحل القضايا العالمية والإقليمية. ويقوم البلدان بدور مهم في تحقيق الاستقرار في البيئة الدولية المتخمة بالتحديات اليوم وتعزيز الديمقراطية في نظام العلاقات الدولية لجعله أكثر إنصافا وشمولية. ونعمل سويا على تعزيز الدور التنسيقي المركزي للأمم المتحدة في الشؤون العالمية ومنع تآكل النظام القانوني الدولي الذي يوجد ميثاق الأمم المتحدة في جوهره.
إن روسيا والصين تتعاونان بنشاط على أوسع جدول أعمال ضمن مجموعة البريكس وإطار العمل الروسي-الهندي-الصيني ومنظمة شنغهاي للتعاون فضلا عن الأطر الأخرى المتعددة الأطراف. وفي إطار مجموعة العشرين، التزمنا بمراعاة التفاصيل الوطنية عند صياغة توصياتنا، سواء كانت في مكافحة الجوائح أو تنفيذ جدول الأعمال المناخي. وبفضل التضامن المشترك بين بلدينا، في أعقاب قمة مجموعة العشرين 2021 في روما، تم اتخاذ قرارات مستنيرة بشأن التعاون الدولي لاستعادة النمو الاقتصادي والاعتراف باللقاحات وبشهادات اللقاحات، وتحسين انتقال الطاقة وتقليل مخاطر الرقمنة.
ونملك أيضا مواقف متقاربة بشأن قضايا التجارة الدولية، إذ ندعو إلى الحفاظ على نظام تجاري متعدد الأطراف مفتوح وشفاف وغير تمييزي يقوم على قواعد منظمة التجارة العالمية، وندعم استعادة سلاسل التوريد العالمية. وفي مارس عام 2020، اقترحت روسيا مبادرة بشأن "ممرات التجارة الخضراء" التي تستبعد فرض أية عقوبات أو حواجز سياسية أو إدارية. ومن شأن تنفيذ هذه المبادرة أن يقدم مساعدة مفيدة للتغلب على العواقب الاقتصادية للجائحة.
إن دورة الألعاب الأولمبية الشتوية الرابعة والعشرون في بكين ستكون حدثا رئيسا ذا أهمية عالمية. وتعتبر روسيا والصين دولتين رياضيتين رائدتين تشتهران بتقاليدهما الرياضية وقد استضافتا أكثر من مرة ألعابا رياضية دولية كبيرة. وأتذكر باعتزاز زيارتي إلى بكين في أغسطس عام 2008 لحضور حفل افتتاح دورة الألعاب الأولمبية الصيفية 2008. وسيتذكر الضيوف والرياضيون الروس الأداء النابض بالحياة لفترة طويلة، فقد تم تنظيم الألعاب نفسها مع كرم ضيافة استثنائي متأصل في أصدقائنا الصينيين. ومن جانبنا، سعدنا باستضافة الرئيس شي جين بينغ في افتتاح دورة الألعاب الأولمبية الشتوية للعام 2014 في سوتشي.
وللأسف، زادت في الآونة الأخيرة محاولات عدد من الدول تسييس الرياضة لخدمة مصالحها الأنانية. وهذا خطأ أساسي يتعارض مع روح ومبادئ الميثاق الأولمبي، إذ تكمن قوة وعظمة الرياضة في توحيد الناس ومنحها لحظات الانتصار والاعتزاز الوطني، فضلا عن الاستمتاع بالمنافسات العادلة والنزيهة والقوية. وتتفق في هذه الرؤية معظم الدول المشاركة في الحركة الأولمبية الدولية.
لقد قام أصدقاؤنا الصينيون بعمل هائل بهدف التحضير الجيد لدورة الألعاب الأولمبية والبارالمبية الشتوية. وإنني على يقين من أن خبرة الصين الواسعة في التنظيم الممتاز للمسابقات الدولية التمثيلية ستجعل من الممكن إقامة هذا المهرجان العالمي للرياضة على أعلى مستوى. وأتمنى للفريقين الروسي والصيني تحقيق نتائج مبهرة وأرقام قياسية جديدة!
وفي الختام، أبعث بأحر التهاني إلى الشعب الصيني الصديق بمناسبة عيد الربيع الذي يوافق بداية عام النمر. وأتمنى لكم دوام الصحة والازدهار والنجاح.