تحقيق إخباري : المحراث القديم يعود للعمل بقوة بعد سنوات طويلة من الغياب بسبب نقص الوقود في سوريا
السويداء ـ سوريا 6 أبريل 2022 (شينخوا) المحراث القديم قبل دخول الميكنة الزراعية في سوريا كان هو الوسيلة الأكثر شيوعيا في العملية الزراعية ، وكان الفلاحون يقضون وقتا طويلا في حرث الأرض ، لكنه كان مفيدا للأرض كثيرا، ويعطي ثمرا طيبا ، وبسبب نقص الوقود الحاصل الذي تشهده البلاد ، كان لابد لهذا المحراث أن يعود من المتاحف التي ركن بها ، وينخرط بالعمل من جديد.
وروى أبو سليم رجل ستيني بالعمر، من الريف الجنوبي لمحافظة السويداء (جنوب سوريا)، كيف كان يحرث أرضه بالمحراث القديم ، ولا ينسى في ذات الوقت أن يحدثك عن رائحة التراب المشبعة بالماء وأشعة الشمس التي تملء المكان طيبا .
وقال أبو سليم ، وهو يمشي وراء المحراث القديم ، الذي يجره حصانا بني اللون نحيل ، لوكالة أنباء ((شينخوا)) إن " المحراث القديم كان له صولات وجولات قبل دخول الآلات الزراعية الحديثة ، والغالبية من الفلاحين كان يحرث أرضه مهما بلغت مساحتها على هذا المحراث ، الذي يعد أصالة وتراث تقليدي " ، مشيرا إلى أن هذا المحراث مفيد جدا للأرض .
وتابع يقول " اليوم ، وبعد أن خرج هذا المحراث من الخدمة لدخول الآلة الزراعية ، التي وفرت الجهد والوقت على الفلاح ، إلا أن هذا المحراث عاد للاستخدام من قبل الفلاحين ، بسبب نقص الوقود الحاصل في البلاد ، وغلاء أسعاره في السوق السوداء ، الأمر الذي دفع غالبية الفلاحين للعودة لهذا الأسلوب القديم " .
وبين أبو سليم ، الذي رسم عبر حرثه للأرض خطوطا متعرجة بنية اللون ، أن هذا المحراث القديم ، يعد أكثر فائدة للأرض وخاصة لكروم العنب ، فهو ، حسب رأيه ، يستطيع أن يصل إلى جذر دالية العنب ، ويقتل الأعشاب الضارة التي تنبت على جذرها .
وأشار أبو سليم إلى أن أجدادنا كانوا إذا أردوا أن يعلموا شخصا ما على حراثة الأرض، كانوا يضعون في كفه خمس حصوات ثم يضغطون على يده التي وضعها على المحراث القديم كى تبقى سكة المحراث بداخل جوف الأرض عندما يجره الحصان ، منوها إلى أن هذا الألم الذي يشعر به الإنسان يجعله يعرف مدى تعلق الناس بالأرض .
وقال أبو سليم " نظرا لقلة المحروقات وندرتها ، ازداد الطلب على الحراثة بالمحراث القديم ، الأمر الذي جعلني أطلب شبابا يعملون معي لتلبية حاجة أصحاب البساتين والحقول الذين استغنوا عن العزاقات والجرارات الآلية ، واختاروا المحراث القديم ".
وبين أبو سليم أنه تعلم الحراثة من والده ، الذي كان يعمل أكثر من 40 يوميا متواصلا لحراث أرضه في أحد قرى ريف السويداء الجنوبي ، لافتا إلى أن الفلاحين يفضلون هذا النمط من الحراثة على الجرار الزراعي ، لكن التطور الحاصل فرض نفسه على الزراعة ، وبات قلة قليلة يستخدمون المحراث القديم ، مؤكدا أن هذا المحراث استعاد اليوم ألقه ، والكل ينتظر الحصول على دور .
وليس عجبا أن يدخل هذا المحراث القديم قاعات المتحف المحلية في سوريا بصفته تراث إنساني واجتماعي ، يروي للأجيال القادمة حكايات وقصص ممتعة عن هذا الأسلوب القديم في الحراثة .
وفي بلدة الكفر جنوب مدينة السويداء ، قال الشاب فيصل (35 عاما) لوكالة أنباء ((شينخوا)) إن والده علمه هذه المصلحة ، مشيرا إلى أن السبب في ذلك يعود إلى أن والده تقدم بالعمر ، ولم يعد قادرا على العمل ، مشيرا إلى نقص الوقود الحاد أجبر الناس على استخدام المحراث القديم المصنوع من خشب الصنوبر أو غيره من الأخشاب خفيفة الوزن والمتينة .
ويشار إلى أن المناطق التي تقع تحت سيطرة الحكومة منذ سنوات وأزمة المحروقات الحادة وساعات التقنين الطويلة، بسبب عدم توفر الفيول والغاز اللازمين لتشغيل محطات التوليد، ما دفعها إلى اتخاذ سلسلة إجراءات تقشفية.
ومنذ بدء النزاع العام 2011، مُني قطاع النفط والغاز في سوريا بخسائر كبرى تقدر بنحو 91.5 مليار دولار جراء المعارك وتراجع الانتاج مع فقدان الحكومة السيطرة على حقول كبرى فضلاً عن العقوبات الاقتصادية التي تفرضها الدول الغربية.
وقال فيصل " لم يعد بمقدور الفلاحين ، حرث أرضهم على الجرار الزراعي أو العزاقة ( آلة صغيرة الحجم تستخدم لحرث الأرض أيضا ) ، بسبب ارتفاع أجور الحراثة الذي ترافق مع ارتفاع أسعار مادة المازوت الذي توزعه الحكومة على الآليات الزراعية ، وقلة المادة أصلا ، فالغالبية ينتظرون الحصول على دور لحرث أرضه " ، لافتا إلى أن سعر ساعة الحراثة على المحراث القديم أو (الفدان)، كما يقال تكلف 25 ألف ليرة سورية ، بينما يأخذ الجرار الزراعي 17 على الدونم الواحد ( الدونم يساوي 1000 متر مربع ) ، منوها أن الفلاحة على المحراث القديم يهوي التربة أكثر .
بينما رأى المزارع عدنان (48 عاما) من نفس بلدة الفلاح فيصل ، أن ارتفاع أسعار مادة المازوت وأجور الحراثة على الآلات الزراعية الحديثة ، كان لابد من العودة إلى الأسلوب القديم ، وهو أسلوب تقليدي معروف ، ويعطي نتائج طيبة بالمحاصيل الزراعية .
وقال عدنان لـ ((شينخوا)) عندي 30 دونم أرض وهي على شكل مدرجات ، ومن الصعب جدا أن يدخل إليها الجرار الزراعي ، والعزاقة التي أملكها لا يوجد لها كمية كافية من مادة المازوت ، لهذا كان من الأفضل ان أحرث أرضي على المحراث القديم ، لكونه أرخص سعرا ، وأقل تكلفة ، ويعطيني نتائج جيدة من حيث الإنتاج لاحقا " ، مبينا أن المحراث القديم ، هو أسلوب تقليدي ، ونفرح عندما نراه يعود للخدمة من جديد .
ويقوم الفلاحون أثناء حراثة الأرض على المحراث القديم ، بترديد بعض الأهازيج الشعبية التراثية للتعبير عن البهجة والفرحة على أمل أن يكون الموسم أفضل .







