ARABIC.NEWS.CN

بكين 28 أكتوبر 2023 (شينخوا) أعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن يوم 18 أكتوبر عن تقديم مساعدات إنسانية بقيمة 100 مليون دولار أمريكي للمدنيين الفلسطينيين خلال زيارته لإسرائيل. وبعد يومين، طلب البيت الأبيض من الكونغرس 106 مليارات دولار لمساعدة إسرائيل وأوكرانيا عسكريا إلى جانب أغراض أخرى.
ويكشف الفارق الكبير بين المبلغين، والذي يصل إلى ألف ضعف، بوضوح عن أولويات الولايات المتحدة: المصالح الجيوسياسية فوق القضايا الإنسانية.
والمدنيون في الأزمات الإنسانية ليسوا الضحايا الوحيدين للنفاق الغربي. فمن مكافحة تغير المناخ إلى المساعدات الإنمائية، لم يلق الجنوب العالمي سوى الكثير من الوعود الفارغة والآمال الواهية التي لم يتم الوفاء بها.
--المدمرة الأولى للكوكب
وفيما يتعلق بالتعامل مع تغير المناخ وتعزيز خفض الانبعاثات، كانت الولايات المتحدة غير متسقة قولا وفعلا، وقد أطلقت عليها وسائل الإعلام مرارا لقب "المدمرة الأولى للكوكب".
وفي مؤتمر المناخ في كوبنهاغن عام 2009، تعهدت الولايات المتحدة وغيرها من الدول المتقدمة بتقديم ما لا يقل عن 100 مليار دولار سنويا للدول النامية لمكافحة تغير المناخ قبل عام 2020 ومواصلة ذلك حتى عام 2025.
ووفقا لتحليل أجرته منظمة أوكسفام في مايو 2023، كان يجب أن تكون دول مجموعة السبع مسؤولة عن 84 بالمائة من التمويل. ومع ذلك، في عام 2020 وحده، حققت دول مجموعة السبع عجزا قدره 18 مليار دولار. وعلى افتراض أن هذا الوضع مستمر منذ عام 2020 فإن هذا العجز يقدر بـ72 مليار دولار حتى عام 2023.
وفي سبتمبر 2021، تعهد بايدن بتقديم 11.4 مليار دولار سنويا للدول النامية من أجل التحول إلى الطاقة النظيفة والتكيف مع المناخ. وفي العامين التاليين، وافق الكونغرس الأمريكي على أقل من مليار دولار لكل منهما، أي أقل من عُشر المبلغ الموعود.
ووفقا لبحث اجرته مؤسسة كاربون بريف، بناء على حصتها التاريخية من انبعاثات الكربون، فإن الولايات المتحدة يتوجب عليها تقديم 39.9 مليار دولار كمساعدات مناخية سنويا، لكنها في عام 2020 ساهمت فقط بمبلغ 7.6 مليار دولار، أي 19 بالمائة فقط من حصتها، ما يجعلها الأكثر تخلفا بين أغنى 23 دولة.
"إلى متى يمكن أن يستمر النفاق المناخي الأمريكي؟" سأل ديفيد واليس ويلز، الصحفي الأمريكي ومؤلف كتاب "الأرض غير القابلة للعيش".
--المساعدات.. ليس هناك إلا الانتظار
ووفقا لتحليل منظمة أوكسفام، تعهدت دول مجموعة السبع بإنفاق 0.7 في المائة من دخلها القومي الإجمالي على المساعدة الإنمائية الرسمية في عام 1970، إلا أن الرقم الحقيقي كان 0.27 في المائة استنادا إلى بيانات من منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية على مدى النصف قرن الماضي. وهذا يعني أنه من عام 1970 إلى عام 2022 كان حجم المساعدات المقدمة أقل من نصف ما تم التعهد به، مع تراكم الفجوة إلى ما يقرب من 4.5 تريليون دولار.
وفي سبتمبر 2022، عُقد أول اجتماع بين قادة جزر الباسيفيك والولايات المتحدة في واشنطن، حيث تعهد بايدن بتقديم أكثر من 800 مليون دولار من المساعدات للدول الجزرية الـ14. ومع ذلك، كما كشفت العديد من وسائل الإعلام، خلال العام الماضي، لم تتم الموافقة على معظم المساعدات التمويلية التي تم التعهد بها من قبل الكونغرس، ما جعل من تنفيذ معظم المشاريع المقترحة أمرا مستحيلا.
واقترح وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن في مايو، خلال زيارة للمنطقة، تخصيص 7.2 مليار دولار على مدى 20 عاما لجزر مارشال وبالاو وولايات ميكرونيزيا الموحدة، لكن حتى الآن لم توضح الولايات المتحدة ما إذا كانت هذه الأموال تم إدراجها في موازنة السنة المالية الجديدة أم لا.
وعلى الجانب الآخر من الأطلسي، اعتاد حلفاء أمربكا الأوروبيون أيضا تقديم نفس الوعود الواهية للدول النامية. وفي نوفمبر 2022، اعترف فينسنت غريمو، القائم بأعمال مدير إدارة الشراكات الدولية التابعة للمفوضية الأوروبية، في جلسة استماع بأنه لا توجد أموال إضافية على مستوى الاتحاد الأوروبي لمبادرة البوابة العالمية التي أطلقها الاتحاد الأوروبي وتستهدف الاستثمار العالمي في البنية التحتية.
وقال إن الالتزام الاستثماري بقيمة 300 مليار يورو (حوالي 318 مليار دولار أمريكي) من عام 2021 إلى عام 2027 هو في الواقع إعادة صياغة لمشروعات قائمة. وفي مارس 2023، أعلن الاتحاد الأوروبي عن 87 مشروعا رئيسا لمبادرة البوابة العالمية، لكنه لم يعلن عن معايير اختياره وكان غامضا بشأن الوضع المالي للمشاريع أو آليات التمويل لمنع "فخ الديون".
إنها "أموال قديمة، ومشاريع قديمة، وأفكار قديمة: إذن ما الجديد في البوابة العالمية للاتحاد الأوروبي؟" هكذا تساءل مقال نشرته الشبكة الأوروبية بشأن الديون والتنمية.
--الأسباب الكامنة وراء الوعود الكاذبة
هناك ثلاثة أسباب رئيسة وراء الوعود الفاشلة للولايات المتحدة والدول الغربية الأخرى.
أولا، المصلحة الذاتية. دائما ما تكون المساعدات الإنسانية والتنموية الأمريكية ثانوية بالنسبة لأولوياتها المحلية.
ولنتأمل هنا المساعدات الغذائية الأمريكية. وزارة الزراعة الأمريكية، التي تنفق أكثر من 2 مليار دولار سنويا على المساعدات الغذائية، ملزمة بقانون تفضيلات البضائع، الذي يتطلب أن يتم شحن نصف حمولة البضائع الممولة من الحكومة على متن السفن التي ترفع العلم الأمريكي، ما يزيد من تلكفة الشحن بمعدل 31 بالمائة، وفقا لدراسة أجراها مكتب محاسبة الحكومة الأمريكية.
كما أدت برامج المساعدات الغذائية الأمريكية إلى تقويض إنتاج الحبوب في البلدان المتلقية. ووجدت دراسة أجرتها جامعة إلينوي في أوربانا شامبين عام 2017 على 118 دولة متلقية للمساعدات الغذائية الأمريكية على مر السنين أن مضاعفة المساعدات الغذائية الأمريكية أدت إلى انخفاض إنتاج الحبوب بنسبة 1.5 في المائة، وهو ما كان ملحوظا بشكل خاص في دول جنوب الصحراء الكبرى والدول ذات الدخل المنخفض.
ويشير المحللون إلى أن الولايات المتحدة تبقي على مثل هذه السياسات ذات النتائج العكسية بسبب مصالحها في الضغط القوي على البلدان المتلقية. وتعتقد الشركات الزراعية الأمريكية والجيش وصناعة الشحن أن المساعدات الغذائية التي تقدمها الولايات المتحدة يجب أن تخلق فرص عمل للأمريكيين وتحمي المصالح الأمريكية.
ثانيا، تفوق الاعتبارات الاستراتيجية دائما الشواغل الإنسانية. وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة والدول الغربية تدعي الديمقراطية وحقوق الإنسان، إلا أنه لا يزال من الصعب عليها الهروب من عقلية المنافسة بين القوى العظمى، والعديد من مشاريع المساعدات تخدم مصالحها الاستراتيجية.
وفي إبريل العام الماضي، أعلنت الصين وجزر سولومون التوقيع على اتفاقية إطارية بشأن التعاون الأمني الثنائي، الأمر الذي ضرب على الوتر الحساس للولايات المتحدة، ودفعها إلى البدء في الاهتمام بالمنطقة التي أهملتها لعقود من الزمن. وعلق مقال نشر في صحيفة ((وول ستريت جورنال)) بأن الغرض الأساسي من المساعدات الأمريكية لدول جزر الباسيفيك هو تعزيز نفوذها في المنطقة لمواجهة الصين.
وفي العامين الماضيين، أعلن الاتحاد الأوروبي عن اتفاق مع ناميبيا لبناء مشروع للهيدروجين الأخضر في حديقة زيو كيب الوطنية وتعهد باستثمار 5 ملايين يورو (5.3 مليون دولار) لتطوير التعدين والبنية التحتية في جمهورية الكونغو الديمقراطية. ويقع هذان المشروعان في منطقة ممر الموارد الأرضية النادرة في أفريقيا، كما يُنظر إلى نهج الاتحاد الأوروبي كناهب للموارد باسم تنمية أفريقيا.
ثالثا، البيروقراطية القاتلة. إن النظام الانتخابي في السياسة الغربية والصراع بين الوكالات المختلفة غالبا ما يجعل السياسات غير مستقرة ولا يمكن التنبؤ بها، ما يقوض مصداقية الحكومة. وغالبا ما تم تأخير أو معارضة عدد لا يحصى من الوعود التي قدمها البيت الأبيض من قبل الكونغرس المنقسم بشكل متزايد.
وإذا استمرت مثل هذه الوعود الكاذبة في التراكم، فإن ثقة المجتمع الدولي في الولايات المتحدة والحكومات الغربية الأخرى سوف تتضاءل حتما.