بقلم : نؤاس الدراجي
طرابلس 31 ديسمبر 2014 (شينخوا) يواجه النازحون في ليبيا منذ حرب التحرير من نظام العقيد معمر القذافي، وعلى خلفية المعارك الأخيرة في البلاد "خطر الموت في مساكن متهالكة" في ظل موجة برد شديدة تضرب البلاد مع قدوم فصل الشتاء.
ففي مخيم بمنطقة جنزور إحدى الضواحي الغربية للعاصمة الليبية يقطنه نازحون من بلدة تاورغاء شرق طرابلس منذ تهجيرهم خلال الحرب على نظام القذافي في العام 2011، أتلفت الأمطار الشديدة والرياح عددا كبيرا من "مساكنه الصفيح"، حسب مسؤول المخيم علي الهروس.
وقال الهروس لوكالة أنباء (شينخوا) ظهر اليوم (الأربعاء) إن "نازحي تاورغاء لم يعد أمامهم سوى مواجهة مصير الموت في مساكن متهالكة بعد تضرر مساكنهم الصفيح من الأمطار الشديدة والرياح وتسجيل حالات أمراض عديدة بين الأسر".
ووفقاً لتوقعات المركز الليبي للأرصاد الجوية، فإن الأحوال الجوية المتوقعة خلال الأيام الثلاثة القادمة اعتباراً من اليوم، ستواصل تقلباتها المستمرة حتى يوم الجمعة على أغلب مناطق شمال ليبيا مع سقوط أمطار غزيرة مصحوبة بحبات البرد وسقوط الثلوج على أغلب مناطق الشمال الغربي.
وتابع أن "المخيمات الخاصة بنا ليست معدة لتحمل تقلبات الطقس شتاء أو صيفا لأنها متهالكة وغير صالحة للاستخدام الآدمي (...) الحكومة وعدتنا بالكثير ولم تقدم لنا حتى القليل".
ومضى الهروس قائلاً بتأثر "إذا استمرت موجة البرد التي تضرب طرابلس وضواحيها منذ الأمس، فحتما سنشهد وفاة العديد من الأطفال والنساء الحوامل وكبار السن، الذين لا يمكن لهم الصمود طويلا، فقد باتوا في العراء تقريباً يحلمون بمأوى دافئ يقيهم برد الشتاء وأمطاره".
ويعد مخيم جنزور لنازحي تاورغاء الأكبر غرب ليبيا، وهو عبارة عن حجرات سكنية متهالكة تابعة للأكاديمية البحرية الليبية بمنطقة جنزور (15 كلم غرب طرابلس).
وتفتقر حجرات المخيم لكافة الخدمات، بما فيها خدمات الصرف الصحي، رغم أن مئات العائلات تقطن بها، ما يشكل عبئاً على الأكاديمية التي تستضيفهم، بحسب ما رصد مراسل ((شينخوا)) الذي زار المخيم.
وتشكو مهى التاورغي (35 عاما)، وهي واحدة من المقيمات في المخيم، من الحرمان "العناية الصحية اللائقة"، بجانب الوضع المادي المزري للجميع.
وتقول التاورغي ل(شينخوا) "كيف لسكان المدن الأخرى النوم براحة وهم يعرفون معاناتنا جيداً (...) الله لن يغفر لهم إهمالهم لنا طويلاً مع حرماننا من التعليم والعناية الصحية اللائقة، والأدهى فقداننا لوظائفنا، حيث لا نتقاضى سوى إعانات شهرية لا تكفينا لأسبوع واحد فور استلامها".
وتابعت "لقد غادرنا تاورغاء منذ أكثر من ثلاث سنوات، وأضحى لدينا قناعة بأن معاناتنا لن تنتهي قريبا في ظل وعود كاذبة لم يتحقق منها شيء".
وهجر سكان تاورغاء البالغ عددهم قرابة 60 ألف نسمة بلدتهم بسبب "عمليات انتقامية وانتهاكات" بحقهم من قبل ثوار مصراتة شرق طرابلس، حسب ما يقولون ومنظمات حقوقية.
ويتهم هؤلاء ثوار مصراتة المتاخمة لتاورغاء بمنعهم من العودة إلى بلدتهم.
فيما تتهم مصراتة سكان تاورغاء (نحو 40 كلم جنوب غرب مصراتة) بأنهم موالون لنظام القذافي, وأنهم ارتكبوا جرائم حرب واغتصاب وقتل مدنيين في مصراتة خلال الحرب التي شهدتها ليبيا في العام 2011.
ومرارا دعت منظمة (هيومن رايتس ووتش) السلطات الليبية إلى وقف ما وصفته بـ"حالة دمار منظمة" وانتهاكات خطيرة لحقوق الانسان بحق سكان تاورغاء.
وتمثلت هذه الانتهاكات في التهجير القسري والاحتجاز التعسفي والتعذيب والقتل, حسب المنظمة, التي حملت "جماعات مسلحة من مصراتة" مسؤولية هذه الانتهاكات.
وحاليا يقيم سكان تاورغاء في مخيمات مؤقتة خصصت للنازحين في طرابلس وبنغازي تحديدا، تفتقر للخدمات اللازمة كونها في الأساس عربات متنقلة كان يقطنها عمال الشركات الأجنبية العاملة في مشروعات الإسكان في ليبيا.
وقد أصدرت الحكومة الليبية في نهاية العام 2013 قراراً يقضي بتخصيص 500 وحدة سكنية للنازحين المنتمين لمدينة تاورغاء، لكن ذلك لم يتحقق حتى الآن.
فيما أعلنت الحكومة الليبية التي يرأسها عبد الله الثني قبل أسبوع عن تخصيص مبلغ 100 مليون دينار (75 مليون دولار) لمواجهة أزمة النازحين المتفاقمة.
ولا تقتصر معاناة النازحين عند سكان تاورغاء، فقد أفرزت الصراعات الأخيرة بين قوات "فجر ليبيا" والجيش الليبي نزوح مئات الآف من سكان مدن غرب ليبيا والجبل وجعلتهم دون مأوى خاصة مع فصل شتاء شديد البرودة.
ويقول أحمد الجبالي، وهو أحد سكان بلدة ككلة التي شهدت قتالاً شرسا مؤخرا بين الجانبين، "إن عائلات البلدة هجروها نحو المدن المجاورة، والبعض ظل فيها بالرغم من خلوها من السكان تقريبا لأن ليس لديهم مكان اخر يذهبون إليه".
وتساءل الجبالي في حديثه ل(شينخوا) "كيف يمكن لنا العيش في (..) منازل دمر جلها تقريباً بفعل المعارك الأخيرة، حيث أضحت أشبه بمنازل مكشوفة وقد تساقطت الثلوج فوقها ليلة الأمس بعد انخفاض درجات حرارة إلى درجتين مئويتين".
وتابع "الحكومة تنظر إلينا وكأن شيئاً لم يكن، هل ينتظرون موت العائلات المتواجدة فيها حتى يقوموا بتحرك سريع (...) أشك حتى في حال موتهم أن يلتفت إليهم أحد".
وشهدت بلدة ككلة الاستراتجية المتاخمة للزنتان، والتي تبعد (100 كم جنوب غرب طرابلس) اشتباكات عنيفة بين قوات "فجر ليبيا" المسيطرة على طرابلس وقوات الزنتان وجيش القبائل الموالية للجيش الليبي استمرت لنحو شهرين انتهت بسيطرة قوات الزنتان عليها نهاية نوفمبر الماضي.
وجراء المعارك غادر سكان ككلة البلدة واتجهوا نحو المدن والبلدات المجاورة مثل (غريان - القواليش- مزدة - الزاوية - صبراتة) وغيرها من المناطق.
وقال علي المسلاتي (41 عاما) وهو استاذ جامعي ينتمي لككلة، "لقد دخلت البلدة في شلل تام، خاصة مركزها الصحي ومكاتبها الإدارية، عملية عودتها لحالتها الطبيعية ستتطلب سنوات وليس أشهر من وجهة نظري".
وتابع "لقد توقف ابناؤنا عن الذهاب للمدارس بسبب دمار معظمها واتخاذها كمواقع عسكرية، معاناة البلدة شأنها شأن مدن عديدة تأثرت بفعل النزاع المسلح، وهو أمر يدخل المجتمع وفئات عديدة منه في حالة الشعور بالغبن الاجتماعي".
وقدرت مفوضية حقوق الإنسان بالأمم المتحدة في تقريرها الأخير قبل شهر، عدد النازحين جراء المعارك العنيفة التي طالت مدن غرب ليبيا بنحو 500 ألف نازح منذ يوليو الماضي.
وقالت المنظمة الدولية في تقريرها إن "القتال تسبب بأزمة إنسانية ، وأن نحو 120 ألف منهم يعانون نقصا حادا في الغذاء والإمدادات الطبية، كما تم تدمير مئات المنازل والمزارع وغيرها من المؤسسات التجارية".
ولا تشمل هذه الإحصائية أعداد النازحين جراء حرب التحرير ضد نظام القذافي في 2011، حيث تؤكد الهيئة الليبية للإغاثة والمساعدات الإنسانية، بأن هؤلاء تجاوزت أعدادهم الـ70 ألف شخص، ويمثلون أكثر من 11 ألف أسرة موزعة في مناطق ومدن نزوح مختلفة، بحسب تقرير حصر أصدرته منتصف العام 2012.
وقد أعلنت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في 24 من ديسمبر الجاري أن "الرياح والأمطار في أشهر الشتاء المقبلة ستكون الأصعب على النساء والأولاد وكبار السن، الذين يفتقرون إلى الملابس الدافئة والسخانات والخيم والمآوي المعزولة".
وقالت المفوضية في بيان إن الحالة الأمنية لا تزال في تدهور بسرعة في ليبيا وتتسبب في نزوح وإعادة نزوح أعداد كبيرة من السكان، لا سيما في الأطراف الغربية لمدينة طرابلس وفي مدينة بنغازي في الشرق ومنطقة أوباري في الجنوب، لافتة إلى قيامها بتوزيع مواد إغاثة أساسية لأكثر من 1500 أسرة نازحة في ليبيا.