بقلم: حمادة الحطاب وعمر العثماني
غزة 20 مارس 2015 (شينخوا) بدت الحماسة والفرحة على وجه الفتاة المقعدة شيرين الوحيدي (16 عاما) من مدينة غزة وهي تصدح بصوتها العالي لإظهار موهبتها في الغناء وسط تصفيق أصدقائها من ذوي الاحتياجات الخاصة خلال تلقيهم لأول مرة العلاج بالموسيقي داخل أحد المراكز الأهلية في القطاع.
وتتردد الوحيدي والعشرات من المعاقين من كلا الجنسين وبأعمار مختلفة على (المركز الوطني للتأهيل المجتمعي) بشكل شبه يومي من أجل الترفيه عن أنفسهم والخروج من الحالة الصعبة التي يعانون منها.
وتقول شيرين بينما كانت تجلس على كرسيها المتحرك لوكالة أنباء ((شينخوا)) "رغم الإعاقة إلا أنني أمتلك عدة مواهب منها الغناء والرسم".
وتضيف الوحيدي التي تعاني من شلل نصفي منذ ولادتها، إنها انضمت إلى المركز منذ عدة أشهر لتلقي العلاج بالموسيقي للخروج من العزلة التي تعيشها داخل المنزل لتندمج في المجتمع.
وتشير الفتاة التي بدت عليها العزيمة والإصرار رغم إعاقتها إلى "أنها أصبحت تمارس حياتها اليومية بشكل طبيعي وأن التحاقها بالمركز أدخل إلى نفسها سعادة كبيرة بالإضافة إلى أنه كان سببا في تكوينها لصداقات كانت تفتقدها".
وتشدد الوحيدي، أن المعاقين يجب أن يمارسوا حياتهم كما الأسوياء ويكون لهم دور فاعل في المجتمع، معربة عن أملها بأن يتم تغيير نظرة المجتمع لتلك الفئة بما هو أحسن وأن لا يتم تهميشهم.
ويوجد في قطاع غزة نحو 50 ألف معاق على الأقل يشكلون ما نسبته 3 في المائة من سكان القطاع تقريبا البالغ تعدادهم نحو مليون و750 ألف نسمة.
ويمكن تفسير الرقم الكبير في أرقام المعاقين مقارنة بعدد سكان قطاع غزة إلى جولات العنف المتكررة مع إسرائيل وتنامي ظاهرة زواج الأقارب في المجتمع الفلسطيني بشكل عام.
بدوره، يقول الطفل عبد العزيز البلبيسي (11 عاما) الذي يعاني من شلل نصفي جراء إصابته في الحرب الإسرائيلية عام 2008 على قطاع غزة ل((شينخوا)) "بعد التحاقنا بالمركز وممارسة الغناء والعزف أصبحنا نشعر بأننا عاديون ولسنا من ذوي الإعاقة".
ويعرب الطفل البلبيسي الذي يتقن قرع الطبلول، عن سعادته بالتحاقه بالمركز، لافتا إلى أنه بدأ يشعر بتحقيق ذاته بعد أن كان معظم الوقت حبيس المنزل بلا فائدة.
ويشير إلى أن المركز يقدم العديد من الأنشطة للأشخاص من ذوي الاحتياجات الخاصة كالعلاج بالموسيقى والرسم ومشاهدة الأفلام من أجل علاجهم والترفيه عنهم.
ويرى البلبيسي الذي التحق بالمركز منذ ثلاثة أسابيع، أن العلاج بالموسيقى هو أفضل أنواع العلاج بالنسبة لذوي الاحتياجات الخاصة لأنه يشعرهم بالسعادة في ظل ما يعانونه من أوضاع سيئة.
وطالت الأزمات النفسية والصدمات جميع الأطفال الذين عاشوا أهوال الغارات الإسرائيلية مما دفع منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) إلى وصف مستقبل هؤلاء الأطفال بالقاتم في ضوء ما تعرضوا له.
وتشير تقديرات اليونيسيف، إلى أن نحو 400 ألف طفل في غزة يحتاجون إلى دعم نفسي عاجل للتقليل من حدة الآثار النفسية التي باتوا يعانون من تداعياتها.
وقالت آن كلير دوفاي نائب الممثل الخاص لليونيسيف في الأراضي الفلسطينية في مقابلة مع ((شينخوا))، إن التوتر الأخير في قطاع غزة حمل "صراعا خطيرا جدا" خصوصا أنه أدى إلى مقتل 500 طفل وجرح 3 آلاف آخرين.
وأعربت دوفاي، عن القلق البالغ إزاء واقع الأطفال في غزة بالنظر إلى حجم الدمار الهائل في المنازل والبني التحتية في القطاع.
وأضافت أن اليونيسيف تنفذ برامج للدعم النفسي العائلي في كافة أنحاء قطاع غزة بالتعاون مع منظمات حكومية وأهلية لغرض تقديم الرعاية النفسية والتعليمية للعائلات وأطفالها.
من جهتها، تقول الفتاة المقعدة مي الدريملي (15 عاما) ل((شينخوا)) "التحقت بالمركز من أجل الترفيه عن النفس والمساعدة في الاندماج مع المجتمع وفي المدارس والدارسة ".
وتضيف الفتاة التي تبدع في فن الرسم "شنت إسرائيل على قطاع غزة ثلاثة حروب صعبة خلال السنوات الأخيرة آخرها كان في الصيف الماضي وهذا الأمر ليس سهلا خاصة على ذوي الإعاقات أمثالنا ففي كل لحظة كنا نشعر بأن الموت قريب منا لأنه كان من الصعوبة بالنسبة لنا الهروب من مكان يتعرض للقصف".
وتتابع الدريملي، "بعد الحرب الأخيرة كنا كباقي أطفال غزة في حالة نفسية سيئة أثرت علينا بشكل كبير لكن رغم ذلك فنحن نحاول الخروج منها لممارسة حياتنا بشكل طبيعي والعلاج بالموسيقى في هذا المركز ساهم بشكل كبير في خروجنا من تلك الحالة".
وشنت إسرائيل هجوما عسكريا على قطاع غزة في الفترة من 8 يوليو حتى 26 أغسطس الماضيين خلف مقتل أكثر من ألفين و140 فلسطينيا وأكثر من 10 آلاف جريح مقابل مقتل 71 إسرائيليا إلى جانب هدم آلاف المنازل السكنية ودمار هائل في البني التحتية في القطاع.
ويزيد واقع "التهميش" لذوي الاحتياجات الخاصة من معاناتهم وسوء حالاتهم النفسية وذلك بسبب قصور مشترك من المؤسسات الرسمية والأهلية خصوصا في ظل احتياجاتهم الكبيرة وأوضاع عائلاتهم المتدهورة اقتصاديا بحسب ما يقول مختصون فلسطينيون.
وفي محاولة للخروج من هذه الحالة بدأ المركز الوطني للتأهيل المجتمعي أخيرا بتقديم العلاج بالموسيقى ضمن برامج وأنشطة عديدة يقدمها لذوي الاحتياجات الخاصة، بحسب ما يقول المدير التنفيذي للمركز وائل أبو رزق ل((شينخوا)).
ويضيف أبو رزق الذي ينضم إلى مركزه أكثر من 500 طفل سنويا "نجمع الأطفال الذي يعانون مشاكل حركية ونفسية بوجود الأخصائية النفسية وأستاذة موسيقى لديهم خبرات كبيرة في التعامل مع الأطفال ويكون العلاج نفسيا ثم ترفيهيا".
ويتابع "نحاول استقطاب الأطفال واكتشاف قدراتهم في مجال الموسيقي ليصبح للمركز فرقة موسيقية من ذوي الإعاقة حتى يثبتوا للمجتمع والعالم أن لديهم القدرة والإمكانيات (...) لكن هم بحاجة إلى احتضان مواهبهم أولا".
ويعتبر أبو رزق، أن "تزايد عدد المقبلين على المركز خلال الأشهر الثلاثة الماضية يدل على أن العلاج بالموسيقى وهو جديد نسبيا يعكس تحسن الحالات النفسية لذوي الاحتياجات الخاصة لدينا".
ويؤكد أبو رزق "أن نظرة المجتمع في غزة لذوي الاحتياجات الخاصة تغيرت في السنوات الأخيرة بسبب زيادة الوعي لديه"، معتبرا أن ما ساعد في ذلك "عدة عوامل منها الحروب المتتالية على القطاع والتي خلفت عددا كبيرا من الإعاقات، وكذلك الحصار الإسرائيلي المفروض علينا، ناهيك عن زيادة حملات التوعية".
وخصصت الأمم المتحدة في العام 1992 الثالث من ديسمبر من كل عام ليكون يوما عالميا لذوي الاحتياجات الخاصة بهدف زيادة فهم قضايا الإعاقة من أجل ضمان حقوق ذوي الاحتياجات الخاصة.
كما يدعو هذا اليوم، إلى زيادة الوعي في إدخال أشخاص لديهم إعاقات في الحياة السياسية والاقتصادية والثقافية.