بقلم/ عماد الأزرق
شرم الشيخ، مصر 26 مارس 2015 (شينخوا) رصد عدد من الخبراء أهم التحديات التي تواجه جامعة الدول العربية ومنظومة العمل العربي المشترك، في الذكرى الـ 70 لإنشاء الجامعة.
ونشأت الجامعة لعربية بمقتضى الميثاق الموقع في 22 مارس 1945 والموقع من قبل رؤساء حكومات خمس دول عربية هي العراق، وشرق الأردن، وسوريا، ولبنان، ومصر والسعودية، وقد تألف الميثاق من عشرين مادة حددت مقاصد الجامعة والأطر الأساسية لنظام عملها.
ويعقد مجلس الجامعة العربية دورته العادية الـ 26 على مستوى القمة بشرم الشيخ يومي السبت والأحد المقبلين لمناقشة أهم التحديات التي تواجه العمل العربي المشترك والتهديدات التي تتهدد المنطقة العربية.
ويرى السفير هاني خلاف مساعد وزير الخارجية المصري للشئون العربية الأسبق، أن هناك تحديات واشكاليات كثيرة تواجه العمل العربي المشترك عموما وجامعة الدول العربية على وجه الخصوص، من بينها ، استمرار العمل بمنطلقات قُطرية أو جهوية بأكثر من العمل بمنطلقات قومية عروبية جامعة.
وقال خلاف لوكالة أنباء ((شينخوا)) إن ذلك الأمر يعكس واقع ومنطوق مبدأ السيادة الوطنية لكل دولة من الدول الأعضاء الذي يكرسه الميثاق العتيق لجامعة الدول العربية، ونظام اتخاذ القرارات المعمول به في اطار مجالس الجامعة، فضلا عن النص الصريح على عدم جواز التدخل في الشئون الداخلية لأي من الدول الأعضاء وضرورة الاحترام الكامل لنظام الحكم القائم في كل دولة من الدول الأعضاء.
وأوضح أن التحدي الثاني يتمثل في غلبة الصفة الحكومية في تمثيل الدول الاعضاء بمؤسسات الجامعة العربية مما يعني تهميش الطابع الاهلي في أعمال الجامعة وقراراتها ، على الرغم من تحقيق بعض التطور في مسألة مشاركة المجتمع المدني والجمعيات الأهلية في بعض انشطة المجلس الاقتصادي والاجتماعي التابع للجامعة العربية، ورغم اتخاذ قرار بانشاء البرلمان العربي أخيرا.
وأشار خلاف مندوب مصر بجامعة الدول العربية سابقا أيضا إلى استمرار وتفاقم اشكالية العلاقة بين "القومي"، و"الديني" و "المذهبي" و"الوطني" في الثقافة العربية عموما وفي الممارسات السياسية التي تعكس تلك الثقافة، لافتا إلى ارتباط ذلك بتصاعد النغمات الراديكالية في فهم وشرح "سلطة الدين" ومكانته في النظم السياسية العربية وفي التشريعات العربية.
وتابع " إلى جانب تعثر تجارب الديموقراطية والتنمية الاقتصادية والاجتماعية لدى الكثير من الدول العربية مما يفاقم من حدة النغمات وردود الفعل الراديكالية لدى بعض الجماعات والمنظمات الشعبية والدينية والمذهبية".
ونوه إلى توافر بعض الأدلة وبعض الشبهات في وجود أهداف ومخططات اجنبية خفية تعمل على ابقاء عناصر التخلف والضعف والنزاع في المنطقة العربية وذلك في اطار ما يسمى بـ "صراع الحضارات" أو الثأر التاريخي من انتهاء الهيمنة الاستعمارية السابقة لدول المنطقة ومواردها الاقتصادية والاستراتيجية.
فيما يرى الدكتور حازم حسني الأستاذ بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، أن أبرز التحديات التي تواجه الجامعة العربية في الذكرى السبعين لانشائها يتمثل في غياب القضية المركزية التي يلتف حولها ويجتمع عليها العرب، في الماضي كانت القضية الفلسطينية هي القضية المحورية بغض النظر عن تباين المواقف حولها، غير أنه منذ سنوات خبت جذوة القضية، وفقدت أهميتها بالنسبة للدول العربية فانفرط عقدهم وتفرقوا.
وأوضح حسني ل((شينخوا)) أنه طالما لا يوجد قضية مركزية يهتم بها كل العرب وتحول الجامعة لمكان للصراع والنفوذ يكون الطبيعي أن تنأى الدول بنفسها عن الانغماس في العمل العربي مما يؤدي إلى تقليص أهمية ودور الجامعة العربية في السياسة الخارجية للكثير من الدول العربية.
وحول امكانية أن تصبح قضية الارهاب هي القضية المركزية للعرب خاصة وأنها تمس كل الدول العربية تقريبا وتهدد وجود بعضها، أوضح حسني أن قضية الإرهاب رغم خطورتها إلا أن هناك انقسامات شديدة بين الدول العربية في فهم ما يحدث على الأرض وتباين المواقف بين التأييد والمعارضة.
وضرب حسني مثلا بالأزمة السورية، وانقسام الدول العربية بين دول لا يعنيها استمرار نظام بشار الأسد أو بقائه، ودولا أخرى ليس لديها غضاضة في أن تتعاون مع تنظيمات ارهابية لاسقاط النظام السوري وتحقيق اجنداتها.
وأوضح أن قراءة كل دولة للارهاب ومدى الاستفادة منه ومدى تهديده لها يصعب من امكانية جعل الارهاب قضية محورية لمنظمة اقليمية مثل الجامعة العربية.
أما التحدي الأخر فيتمثل في وجود تغيرات كبيرة في موازين القوى للدول العربية ما أدى إلى أن بعض الدول تسعى لفرض قوتها وبسط سيطرتها على الجامعة العربية من خلال قدراتها التمويلية والاتصالات والتنافس على قدرة التأثير في قرارات الجامعة العربية بحيث تصب في صالح هذه الدولة أو تلك بغض النظر عن المصالح الجماعية للأمة العربية.
من جانبه، أكد السفير بركات الفرا سفير فلسطين السابق بالقاهرة ومندوبها بالجامعة العربية سابقا، أن القضية الفلسطينية التي ما زالت تستعصي على الحل حتى الأن والتي يقارب عمرها عمر الجامعة العربية تقريبا تعد من أبرز التحديات التي تواجه الجامعة العربية، ومع ذلك يقف العرب جميعا ومعهم المجتمع الدولي عاجزين عن تحقيق تسوية عادلة للقضية وتنفيذ قرارات المجتمع الدولي بهذا الصدد.
ويرى الفرا، في تصريحات ل((شينخوا)) أن التحدي الأخر وهو الأمن القومي العربي الذي يحتاج إلى منظومة قادرة على حماية الارهاب الذي يجتاح المنطقة والتطرف الديني وضرورة مواجهته ليس فقط بالقوة وانما ايضا بالفكر وخطاب ديني مستنير.
وأضاف أن التحدي الثالث هو التنمية الاقتصادية للمنطقة العربية حيث ما زال العرب في مرحلة البحث عن اقامة منطقة تجارة حرة التي تجاوزها الكثيرون مما بدأوا طريق العمل المشترك بعد الدول العربية بكثير.
واستطرد قائلا إن هناك تحديات كثيرة وأهمها بناء الانسان العربي الذي هو في حالة ضياع، ولابد من الاهتمام به على الأرض لأنه هو عماد أي تقدم، فما زلنا نعاني من الأمية والفقر والمرض ونريد أن نقفز على هذا كله ونصبح في مصاف الدول الكبرى وهو أمر صعب جدا في ظل هذه الظروف.
وأوضح أن الجامعة العربية بمثابة مرآة للدول العربية، وتعكس حالتها وتنفذ توجيهات الدول والحكومات العربية المختلفة، نحتاج إلى مؤسسة قوية والأمين العام يعمل على تعديل آليات وميثاق ومنظومات العمل العربي المشترك، وأنه لابد من وجود روح جديدة لبث الانتماء العربي المشترك الذي يلتف حوله الجميع.
الاستحقاقات والأمال المنتظرة
ويرى السفير هاني خلاف مساعد وزير الداخلية الأسبق للشئون العربية، فيما يتعلق بالاستحقاقات والأمال المنتظرة في مستقبل العمل العربي المشترك ومستقبل الدور الذي يمكن أن تقوم به جامعة الدول العربية كثيرة ومن بينها، القيام بمراجعة جادة لأسس ومبادئ وأهداف ميثاق الجامعة العربية ولأجهزته وآلياته.
وشدد على أهمية أن تكون هذه المراجعة على نحو يسمح بايجاد سلطات أو مفوضيات عربية أعلى وأكثر استقلالية عن سلطات الدول الأعضاء (أخذا في الاعتبار نموذج الاتحاد الأوروبي ونموذج الاتحاد الأفريقي) وبحيث يكون لهذه المفوضيات قدرة النفاذ إلى داخل الدول الأعضاء في بعض المجالات المحدودة على سبيل التدرج.
وأشار إلى أنه يمكن على سبيل المثال تصور بناء مفوضية عربية لصياغة مناهج التربية والتعليم في كل المدارس والجامعات العربية، وأخرى لتوحيد وفرض المواصفات القياسية في مجالات البناء والتشييد، وعلاقات العمل، ومنح شهادات الابتكار والاختراع، وربما وضع ضوابط مهنية موحدة للأداء الاعلامي المطبوع والمرئي إلى غير ذلك من المجالات.
ولفت إلى اهمية التطوير لتجربة البرلمان العربي، ونقلها نوعيا لتكون أقرب إلى الممارسة التشريعية والرقابية، مع تطور تدريجي يسمح لمنظمات المجتمع المدني والجمعيات الأهلية المسجلة بصفة عضو مراقب في بعض مؤسسات الجامعة العربية بالمشاركة في اتخاذ القرارات من خلال نظام للأوزان الترجيحية والقدرة التصويتية يتفق عليه وهذه كلها تؤدي في التحليل الأخير إلى زيادة الصبغة الشعبية وتوسيع المشاركة الأهلية.
ودعا إلى تركيز أنشطة الجامعة العربية ومنظماتها المتخصصة في الفترة المقبلة على الأنشطة الميدانية والتنفيذية بأكثر من الاهتمام برسم الاستراتيجيات العامة وتأصيل المبادئ والسياسة، لافتا إلى أنه كلما استشعر المواطن العربي البسيط أن الجامعة العربية تساعد في تخفيف مشكلات حياته اليومية وتوفي بمتطلباته المباشرة في مسكن لائق، وفي فرصة عمل مناسبة، وفي علاج لمشكلاته الصحية أو في اتاحة فرص تعليم له، كلما أدى ذلك إلى تمسك المواطنين ببقاء الجامعة العربية واحترام رمزيتها وادوارها.
وفيما يتعلق باستحقاقات الأمن وتسوية النزاعات وتحقيق الاستقرار، أكد خلاف أنه لابد وأن تطور الجامعة العربية من آلياتها الميدانية في هذا المجال، وسواء تم ذلك من خلال اعادة الحيوية إلى مجلس الدفاع العربي المشترك (الوارد ضمن معاهدة الدفاع العربي المشترك) أو من خلال مضاعفة قدرات وصلاحيات مجلس وزراء الداخلية العرب ومكتب الانتربول العربي، أو من خلال الاتفاق على انشاء قوة عربية مشتركة للتدخل السريع في حالات الطوارئ وحفظ السلام وحماية المدنيين وتقديم المساعدات الانسانية للمتضررين في حالات الحروب الأهلية.
ونوه إلى أن كل هذه الأفكار وغيرها يمكن أن تساعد في تنفيذ العديد من الاستراتيجيات العربية التي سبق الاتفاق عليها مرة في اطار مكافحة الارهاب، ومرة في اطار حماية الأمن المائي، ومرة ثالثة في اطار الوقاية من الكوارث والعوارض البيئية.
وطالب بتوسيع وتطوير التعاون الجماعي بين الدول العربية من ناحية والأطراف والتجمعات الاقليمية والدولية من ناحية أخرى وقد يشمل هذا الاستحقاق النظر بجدية إلى المقترح السابق طرحه بمعرفة الأمين العام السابق للجامعة العربية بانشاء ترتيبات سياسية وتعاهدية مع أطراف الجوار العربي المباشر ومنها "تركيا، ايران، أثيوبيا، السنغال، ومالي وتشاد والنيجر"، ومنها ايضا تطور الشراكة الأورومتوسطية التي تجمع دول شمال البحر المتوسط في أوروبا مع الدول العربية الواقعة جنوب وشرق المتوسط، إلى جانب تطوير العلاقات العربية الجماعية مع الصين والهند ودول أمريكا الجنوبية.
وطالب الأمين العام للجامعة العربية الدكتور نبيل العربي في اجتماع مجلس الجامعة العربية على المستوى الوزاري اليوم بضرورة تبني مجموعة من التدابير العملية والفعالة التي من شأنها الارتقاء بمستوى الاداء ودفع مسيرة العمل العربي المشترك.