بقلم إيمان جيانغ
بكين 27 مايو 2015 (شينخوا) خيمت مؤخرا أجواء من التوتر على بحر الصين الجنوبي في ضوء عمليات استطلاع قامت بها سفن وطائرات حربية أمريكية في الإقليم البحري والجوي المحيط بهذه المنطقة البحرية على مدار الأسبوعين الماضيين حيث كانت تلك العمليات بمثابة تحركات استفزازية أحادية للسيادة الصينية.
وبالإضافة إلى ذلك، أعلنت الولايات المتحدة عزمها إرسال أكبر حجم ممكن من القوات إلى منطقة تبعد أقل من 12 ميلا بحريا عن محيط هذه الجزر، فيما أصدرت الصين تحذيرات وقدمت احتجاجات رسمية على عمليات الاستطلاع العسكرية الأمريكية ، ما دفع المجتمع الدولي إلى الخوف والقلق من احتمال نشوب اشتباكات عسكرية بين بكين وواشنطن في المنطقة.
-- نشوب اشتباكات عسكرية...مدي الاحتمالية
يقول تشو هاو الباحث بمعهد الصين للعلاقات الدولية المعاصرة "وسط تحركات يتخذها الجانب الأمريكي بدءا من دعم الفلبين وفيتنام من خلف الستار وحتى اللجوء إلى إجراءات استفزازية بشأن الجزر الصينية بشكل صريح، بات احتمال نشوب اشتباكات بين الجيشين الصيني والأمريكي أكبر مما كان عليه فيما مضى"، لافتا إلى أن الولايات المتحدة تصر على ما يبدو حاليا على تحدى "نقطة حرجة" بين الجيشين، لذا سيأخذ الوضع حتما منحى خطيرا ما لم تقدم الصين تنازلات لا حدود لها.
ولكنه يضيف قائلا إن إقدام الصين على تقديم تنازلات بلا حدود يعد في الواقع أمرا مستحيلا. فالنتيجة ستتوقف على الخطوط الأساسية والحمراء التي يضعها الجانبان في هذه الجولة من المصارعة وما إذا كان الجانبان يعرفان بوضوح هذه الخطوط.
وأوضح تشو أن مواصلة أعمال البناء في الجزر حتى تكتمل تماما يمثل خطا أساسيا بالنسبة للصين. وإذا ما تمسكت الولايات المتحدة بضرورة وقف هذه الأعمال ، فلا مجال للتشاور، وهنا، يصعب تفادي وقوع اشتباكات عسكرية بين بكين وواشنطن وقد تكون درجتها أشد من التوقعات التي تتكهن بنوع من "الاحتكاك" بينهما.
ومن جانبه، ذكر هوا يي تشنغ الخبير الصيني في القضايا الدولية أن الصين أعلنت أن احترام سيادتها ومصالحها البحرية في بحر الصين الجنوبي يعد خطا أحمر لا يمكن للولايات المتحدة تجاوزه. أما بالنسبة لواشنطن، فإن التمتع بـ"حرية الملاحة" يشكل الخط الأحمر المعلن لها في هذا الصدد، ويتطابق هذان الخطان الصيني والأمريكي مع مبادئ كل منهما. ويشير الخبير إلى أن مسألة نشوب اشتباكات أم لا بين الصين والولايات المتحدة تتوقف على اعتبارات إستراتيجية وقد تؤثر عليها عوامل تكتيكية.
ويشرح هوا وجهة نظره قائلا إنه إذا كانت الولايات المتحدة تريد فقط "مضايقة" الجانب الصيني وإثبات وجود قواتها في المنطقة ولا ترغب حقا في اندلاع اشتباكات مع ممارسة ضبط النفس في تحركاتها الاستفزازية ، فإن الصين ستكون أيضا على استعداد لممارسة ضبط النفس في مواجهة التحركات الأمريكية. وعليه ، فإن احتمال وقوع اشتباكات بينهما ليس كبيرا.
وأضاف إنه إذا كانت الولايات المتحدة تضمر حقا نية وقحة في أن "تلقن الصين درسا" بأفعالها الاستفزازية ، فإن هذا يعنى أن الاشتباكات العسكرية ستصبح أمرا يعتذر تجنبه وسيسعى الجيش الصيني بكل تأكيد جاهدا إلى الحفاظ على كرامة بلاده بكل ثبات وحزم.
ويرى الباحث تشو هاو أن عزم الصين على إكمال أعمال البناء في الجزر ثابت وواضح فيما يبدو الهدف الإستراتيجي للولايات المتحدة قابعا في غياهب الظلام، ومن ثم فإن مسؤولية إيجاد حل لقضية بحر الصين الجنوبي وتفادي اندلاع اشتباكات تقع في الواقع على عاتق الولايات المتحدة.
-- قضية بحر الصين الجنوبي... التعامل المستقبلي
ويؤكد وو شي تسون، رئيس معهد الصين لبحوث بحر الصين الجنوبي، أن أهمية بحر الصين الجنوبي أمر بديهي بالنسبة للصين، فهو بمثابة حاجز طبيعي للأمن القومي وقناة إستراتيجية هامة وقد يصبح مستقبلا حلقة وصل وقاعدة هامة لموارد الطاقة بالنسبة للصين، مشيرا إلى أن تطور نزاع بحر الصين الجنوبي كشف في السنوات الأخيرة أن تعددية وتدويل هذه القضية أمر لا مفر منه. لذلك، فإنه من حيث الواقع أو من المنظور طويل الأجل، تمس قضية بحر الصين الجنوبي الدبلوماسية الصينية بجميع جوانبها.
وأضاف أن "المباراة الجيوإستراتيجية" بين الصين والولايات المتحدة تشكل دافعا رئيسيا في التسخين المستمر للمشهد في بحر الصين الجنوبي وعاملا حاسما في إيجاد حل سلس للقضية.
وتابع وو بقوله إن الولايات المتحدة ليست طرفا معنيا بشكل مباشر في نزاع بحر الصين الجنوبي، ولكن لها مصلحة فيه. ومع طرح الولايات المتحدة لإستراتيجية "إعادة التوازن تجاه منطقة آسيا -الباسيفيك" وسعيها الحثيث إلى تطبيقها، بدأت واشنطن تخرج من خلف الكواليس لتقوم بدور واضح على خشبة المسرح رغم ما تزعمه بأنها لا تتخذ موقفا في هذه القضية، فتصرفاتها تظهر تحيزها الواضح. كما أن الإبقاء على وضع قضية بحر الصين الجنوبي "معلقا دون حل" يتطابق مع المصلحة الفعلية للولايات المتحدة واعتباراتها طويلة الأجل.
وأوضح وو أن زعيمي البلدين اتفقا على إقامة نمط جديد من العلاقات بين القوى الكبرى يقوم على عدم الصراع وعدم المواجهة والاحترام والمنفعة المتبادلين، وهو ما يشكل إطارا إستراتيجيا مرشدا للسيطرة على الخلافات في قضية بحر الصين الجنوبي بين الجانبين وتعزيز التعاون البحري العملي، مقترحا الاحترام المتبادل لمصالح ومخاوف كل منهما الآخر وفقا لـ"الخطوات الثلاث" الرامية إلى إيجاد توافق إستراتيجي، ألا وهى تعزيز التبادل والتواصل للبحث عن نقطة التقاء للمصالح، وإنشاء آلية تعاون فعلي لتوسيع منصة التعاون في بحر الصين الجنوبي، وتعميق مجالات التعاون لخلق نقطة جديدة للتعاون في بحر الصين الجنوبي.
وفي هذا الصدد، يرى الخبير هوا يي تشنغ ضرورة اضطلاع آليات حوار رسمية قائمة مثل الحوار الاقتصادي والإستراتيجي وحوار القانون البحري والشؤون القطبية بدور كامل في إنشاء منصة للتشاور حول شؤون بحر الصين الجنوبي. وبالإضافة إلى ذلك، يجب توظيف الاتصالات الوثيقة بين المؤسسات البحثية للجانبين توظيفا تاما لتبادل الآراء حول هذه القضية وكذا بحث وطرح خطة ومقترحات للتعاون.
وإتفق المحللون في أن الصين والولايات المتحدة لديهما مصلحة مشتركة في ضمان سلامة الملاحة واستقرار النظام البحري، ومن ثم يلزم عليهما إنشاء آلية فعالة للتعاون تهدف إلى مراقبة الأزمة وتفادى حدوث اشتباكات واحتكاكات بين جيشيهما في بحر الصين الجنوبي.