بكين 30 ديسمبر 2016 ( شينخوا) مع اقتراب الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب من تولي مقاليد السلطة في يناير 2017، يتعاظم القلق العالمي حيث يبدو أن ترامب سيلجأ الى اتخاذ سلسلة من الاجراءات القوية لزيادة فرص العمل والثروات للمواطنين المحليين ما يمثل ضغطا كبيرا على الدول الأخرى .
يمكن القول إن ترامب فجر مفاجأة كبيرة للعالم كله والولايات المتحدة تحديدا في الانتخابات الرئاسية. وقوبل انتصاره بالاستحسان الشديد من قبل عدد كبير من الأمريكيين المنضوين تحت شريحتي الطبقتين الوسطى والدنيا،والذين علقوا آمالا كبيرة على رئيسهم المنتخب كي يجلب المزيد من الثروات لهم، خاصة وأنه أظهر في أكثر من مناسبة نية ضخمة لخلق مزيد من فرص العمل وتحسين معيشة الأمريكيين.
كل هذا؛ أسهم في بروز عديد التساؤلات حول ما إذا كان بمقدور ترامب الوفاء بوعوده للجمهور الأمريكي. الجواب هو : "نعم"، ولكن؛ في بعض الجوانب.
فعلى سبيل المثال، يخطط ترامب لتقوية الصناعات التحويلية الأمريكية وعودة الشركات الأمريكية العاملة بالخارج الى وطنها عبر مجموعة من الاجراءات القوية،من ضمنها خفض معدل الضريبة على الشركات المحلية الى 15% من 35% حاليا، فضلا عن خفض معدل الضريبة الى 10% حينما تحول الشركات الأمريكية أصولها من الخارج الى الداخل.
ورغم ما تشكله هذه الاجراءات من ضغط كبير على الدول الأخرى فيما لو دخلت حيز التنفيد، إلا أنها ستزيد من نشاط الشركات الأمريكية وستعزز قدرتها التنافسية في السوق العالمي، بينما سيشهد سوق العمل الأمريكي نموا وستتحسن معيشة الجمهور المحلي في فترة معينة،لكن ذلك لن يكون بالأمر اليسير ، حيث يصعب على الولايات المتحدة أن تغلق بابها أمام المنتجات الأجنبية بينما تغرق السوق الخارجي بمنتجاتها وخاصة في ظل التكامل الاقتصادي العالمي.
أما السؤال التالي والأهم فهو: هل ستستطيع إدارة ترامب تقليص الفجوة بين الأغنياء والفقراء؟. وحتى لو نجحت في دفع نمو الاقتصاد الأمريكي؟ الجواب: لا؛ بالتأكيد.
اليوم يشكو عدد كبير من الأمريكيين من تراجع معيشتهم باستمرار. فقد أشارت الأرقام الى أن قيمة ثروات 0.1% من الأسر الأمريكية تساوي نظيرتها لنحو 90% من الأسر المحلية، بينما نما حجم الثروات لنقطة مئوية واحدة من أغنى الأمريكيين بنسبة أكثر من 80% مقابل انخفاض أصول الباقي في العشرين سنة الماضية.
ربما ستنجح إدارة ترامب في خلق مزيد من العمل للشعب الأمريكي وزيادة ايراداتهم، لكنها لن تستطيع تغيير معادلة الثروات في البلاد حيث ستكون هناك مفارقة مفادها "كلما توسع حجم الكعكة ستزداد الفجوة بين الأغنياء والفقراء". وبعبارة أخرى، سترتفع ثروات الأغنياء بويترة أسرع بكثير من الباقين. وفي هذ الصدد، كانت هناك سابقة حيث ازدادت ثروات الرأسماليين بشكل ملحوظ بعد حصول الأزمة المالية العالمية في 2008 رغم أن طمعهم بالذات هو الذي أدى الى انهيار سوق العقارات الأمريكي واندلاع الأزمة. ولذا اضطر عدد كبير من الأمريكيين الى المشاركة في حركة "احتلوا وول ستريت " في 2011 احتجاجا على عدم المساواة في بلادهم.
ومع أن ترامب لم يتقلد بعد مقاليد السلطة ليلتزم بالوفاء بتعهداته للشعب الأمريكي، إلا أن نظرة على الأعضاء الـ 17 المعينين في إدارته، ستثير الدهشة إذ أن اجمالي ثرواتهم يبلغ 14.5 مليار دولار امريكي متجاوزة ثروات نحو ثلث الأسر الأمريكية. ويدل ذلك على أن ترامب سيعتمد على النخبة التجارية أيضا أثناء ممارسة السلطة كما فعل اسلافه، خلافا لما أظهره من الحب والاستناد الى الطبقة الوسطى وذوي الدخل المنخفض في عملية الانتخابات. وفي هذا الأمر، قال البعض إن ترامب سيشكل أغنى مجلس وزراء في الولايات المتحدة. ولكن التاريخ قد أثبت أن طبقة الرأسماليين لن تتعامل مع الآخرين بأي قدر من الهوادة في عملية توزيع الثروات.
والأكثر من ذلك، هو ان ترامب نفسه يعتبر من كبار الرأسماليين أيضا، ولذلك فإنه لن يسن قاعدة جديدة بشأن توزيع الثروات قطعا، ونظرا لاستمراره في بناء امبراطوريته التجارية طوال حياته، فيستحيل عليه بأي حال من الأحوال أن يدمرها بيديه لصالح الشعب الأمريكي خلال ولاية أو ولايتين له تستمران ثماني سنوات.
لقد بات من الواضح جدا أن هذا الأمر لن يذلل العقبة التي تعرقل تعزيز العدالة الاجتماعية في الولايات المتحدة في حقبة إدارة ترامب، ما يعني استمرار الفجوة بين الأغنياء والفقراء بالاتساع في هذا البلد لمدة طويلة.
(المصدر: شينخوا نت)
