بقلم: إيمان جيانغ
بكين 18 مارس 2015 (شينخوا) أعلنت فرنسا وألمانيا وإيطاليا يوم الثلاثاء عزمها الانضمام إلى البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية، في خطوة جاءت خلال أقل من أسبوع على إعلان بريطانيا عزمها الانضمام كعضو مؤسس إلى هذا الكيان الذي طرحت الصين فكرة إنشائه.
وبهذا تكون أربع دول ضمن مجموعة السبع وتحظى بمكانة مرموقة في خارطة الاقتصاد العالمي قد اتخذت بالفعل قرارها بشأن الانضمام رغم دور مشاكس وساخر لعبته واشنطن، ليكشف هذا التحرك الشجاع والعقلاني في آن واحد عن مدى جاذبية هذا البنك وتأثيره في ضوء صعوبة توصل هؤلاء الأعضاء البارزين بالاتحاد الأوروبي إلى توافق بشأن القضايا المتعلقة بالصين داخل اتحادهم.
كما إنه يبعث بإشارات واضحة للعالم بأسره، وخاصة الولايات المتحدة التي تحاول تشكيل جبهة مناهضة للبنك مع حلفائها.
وأمام ارتماء حلفاء واشنطن الأقوياء في أوروبا بين أحضان الصين، خالج أستراليا التي سعت الولايات المتحدة إلى اقناعها بعدم الانضمام للبنك الآسيوي للاستثمار، خالجها شعور بالقلق دفع رئيس الوزراء توني أبوت إلى التصريح بأن بلاده ستعلن قرارها بشأن الانضمام في الأسبوع المقبل.
إن البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية لا يعنى بأي حال من الأحوال لعبة معادلة صفرية، ولا يهدف إلى إشباع شهية أحد إلى الهيمنة, بل إنه منصة تبادلية وفعالة وشاملة يمكن أن تسعى فيها الدول الأعضاء إلى تحقيق التعاون المتبادل المنفعة.
ويبرهن بوضوح على رغبة الصين في تقاسم ما لديها من فرص تنموية مع العالم بأسره.
وفي الواقع، لقد مدت الصين غصن الزيتون داعية الأمريكيين إلى الانضمام، لكنهم رفضوا. فالأمريكيون تساورهم مخاوف من أن يواجه البنك الدولي الذي تسيطر عليه واشنطن تحديات جمة بمجرد أن يصبح البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية بنكا قويا. لذلك، سعت الولايات المتحدة على مدار عام تقريبا إلى اقناع حلفاءها بعدم الانضمام إلى البنك الآسيوي للاستثمار.
لكن الأمور تطورت على نحو لم يتوقعه الأمريكيون حيث تقدمت بريطانيا، وهي حليف أوثق للولايات المتحدة مقارنة بالدول السابقة التي تعزف في بعض الأحيان نغمة مخالفة للشقيقة الكبرى الولايات المتحدة، تقدمت لتصبح عضوا مؤسسا بالبنك.
وعلى إثر هذا التحرك البريطاني، وجه مسؤولون أمريكيون في مناسبة عامة اللوم لبريطانيا قائلين إنها "لم تناقش الأمر مع الولايات المتحدة مسبقا"، وشعرت الإدارة الأمريكية بغضب حقيقي هذه المرة لدرجة أن صحيفة ((نيويورك تايمز)) قالت في تعليق لها نشر يوم الاثنين إن "سياسة التقارب التي تنتهجها حكومة كاميرون تضع العلاقات الأمريكية -البريطانية أمام تحديات".
وتابع الإعلام العالمي نهج التقارب من قبل حلفاء واشنطن تجاه الصين حيث استخدم الخبير الصيني في القضايا الدولية ما شياو لين مصطلحي"هروب بالتخفى" و"الخروج عن الخط" لوصف هذا الاختيار من جانب حلفاء الولايات المتحدة في هذه اللحظة التاريخية.
لماذا تغضب الولايات المتحدة؟ السبب وراء رفضها للبنك بسيط: إنه شعور بالقلق إزاء تحديات قد يضعها البنك الآسيوي للاستثمار أمام البنك الدولي الذي يتخذ من واشنطن مقرا له.
بيد أن البنك الآسيوي للاستثمار يعد مساعدا أو مكملا أساسيا إلى حد كبير لأجهزة إقراض دولية وإقليمية قائمة تسيطر عليها الولايات المتحدة مثل صندوق النقد الدولي وبنك التنمية الآسيوي اللذين لا يستطيعان صراحة تلبية الاحتياجات الهائلة والمتزايدة للاستثمار في مجال البنية التحتية بآسيا. وعلى هذه الخلفية، يمكن أن يساعدهما تأسيس البنك الآسيوي للاستثمار في التغلب على الاحتياجات المتنامية بشكل أفضل وبث روح تنافسية ثمة حاجة ماسة إليها في نظام الاقراض الذي تحتكره واشنطن.
إنها للحظة تاريخية أن يجذب البنك دولا غربية بما فيها بريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا لكي تصبح أعضاء مؤسسين فيه، وأن تصبح الصين واضعة للقواعد الاقتصادية العالمية وليست منفذة لها فحسب. فهناك تنافس طويل الأمد بين الصين والولايات المتحدة على القيادة فيما يتعلق بالقواعد الاقتصادية والسياسية فى آسيا. والآن، لا تقتصر قوة تأثير الصين على الداخل والمنطقة فقط، بل بدأت في الاضطلاع بدورها في التوجيه العالمي وكذا القيادة الجزئية.
فشعور الولايات المتحدة بمذاق الحصرم إزاء البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية يجعلها تبدو منعزلة، ولا سيما وأن انضمام دول أوروبية كبرى أحدث صدعا حاسما في الجبهة المناهضة للبنك الآسيوي للاستثمار التي تشكلها أمريكا.
كما أن اتهام البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية بالافتقار إلى الشفافية ورفض الانضمام إليه لا يصبان في صالح دعم المناقبية العالية لواشنطن، ولهذا فإن أفضل سبيل لمعالجة "الصدع الذي تزعمه " يكمن في العمل داخل الجهاز المالي الآسيوي الجديد بدلا من مجرد توجيه النقد من الخارج.
لقد برهن توالى انضمام الدول الأوروبية لهذا البنك الجديد على أن هذه الدول تدرك أنه سيضطلع بدور مهم في التنمية الآسيوية، فالانضمام والاستثمار في هذه المرحلة التاريخية الجديدة يعنى الأخذ بزمام المبادرة، إذ أنه ليس من الحكمة التردد أمام فرصة تاريخية كهذه حيث لابد من تحقيق المشاركة النشطة وكذا التنمية المشتركة.