بكين 7 مايو 2015 (شينخوا) بمشاركة الصين في تشييد أول سكك حديدية فائقة السرعة في روسيا، من المتوقع أن يسجل قطاع القطارات فائقة السرعة الصيني "اختراقا تاريخيا" من شأنه أن يفتح الباب أمام تعزيز نشاطه في الأسواق الخارجية.
فقد فازت مؤخرا مجموعة ((إيريوان)) الصينية المحدودة لهندسة السكك الحديدية بالتحالف مع الهيئة الروسية لمسح وتخطيط هندسة النقل والمواصلات والشركة القابضة لتصميم مترو الأنفاق في نيجني نوفغورود، فازت بصفقة أعمال المسح والتصميم لأول خط سكك حديدية فائقة السرعة يربط بين العاصمة موسكو ومدينة قازان غربي روسيا، حسبما أفادت وكالة أنباء ((إيتار ــ تاس)) الروسية.
وفي هذا الصدد، يشير المراقبون إلى أن القطارات الصينية فائقة السرعة تدخل روسيا على خلفية زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ المرتقبة لموسكو، حيث من المقرر التوقيع على سلسلة من الوثائق الهامة التي تشمل تعاون البلدين في مجالات البني التحتية والطاقة والفضاء والضرائب والمالية، الأمر الذي يؤشر على خلق آفاق أرحب لتعاون ثنائي يبشر بالكسب المشترك للبلدين.
-- اختراق تاريخي
شهد قطاع السكك الحديدية فائقة السرعة في الصين تطورا حثيثا خلال السنوات الأخيرة. ومنذ عام 2003 حتى الآن، تجاوز طول شبكة السكك الحديدية فائقة السرعة التي شيدت في الصين نصف إجمالي طولها في العالم بأسره. غير أن معظم أعمال هذا القطاع فائق التكنولوجيا تتركز داخل الصين ولم تخطو عمليا بعد خارج عتبة "باب الوطن"، بالرغم من أن بعض البلدان في آسيا وأمريكا اللاتينية تعرب عن نيتها في جذب هذه الأعمال إليها سواء كان ذلك هندسيا أم تكنولوجيا.
ولا شك في أن مشاركة مؤسسة صينية كبرى في تشييد سكك حديدية فائقة السرعة بروسيا يمثل حدثا هاما بالنسبة لقطاع القطارات الصينية فائقة السرعة ، لاسيما على خلفية مبادرة "الحزام والطريق" التي تشجعها الصين بكل ما في وسعها لتعزيز الترابط بين الدول الواقعة على طول طريقي الحرير البري والبحري.
وحسب التقارير الإعلامية ، تبلغ قيمة صفقة مسح وتصميم خط السكك الحديدية فائقة السرعة موسكو ــ قازان 20 مليار روبية (أي ما يساوي 392 مليون دولار أمريكي). ومن المخطط أن يبلغ طول هذا الخط 770 كليومترا حيث سيمر عبر سبع جمهوريات داخل روسيا الاتحادية بتكلفة إنشاء قدرها 1068 مليار روبية (أي ما يساوي 20.9 مليار دولار ).
وعقب إتمام بناء خط موسكو - قازان، يمكن لما يزيد على 250 مليون من السكان التمتع بخدمة السفر بسكك حديدية تصل فيها السرعة إلى 400 كلم/الساعة ، ما يقلص زمن الرحلة من 11 ساعة إلى ثلاث ساعات ونصف فحسب.
ومع الانتهاء من تقرير المسح والتصميم، من المقرر أن تسعى شركة الصين لبناء السكك الحديدية للفوز بعقود مقاولات بناء البني التحتية ذات الصلة، وستعمل شركة ((سي أن آر)) الصينية المحدودة العاملة في صنع القطارات إلى الفوز بصفقات شراء القاطرات والعربات الخاصة بالقطارات فائقة السرعة.
وفي هذا السياق صرح مسؤول بشركة ((سي أن آر)) بأن شركته تصدر منتجات مختلفة إلى أنحاء العالم، لكنها لم تحصل بعد على صفقة لشراء قاطرات وعربات خاصة للسير بسرعة تتجاوز 250 كلم/الساعة، معربا عن تفاؤله إزاء تحقيق "اختراق تاريخي" في السكك الحديدية بين موسكو وقازان.
-- تعاون متكافئ الكسب
لماذا تتعاون روسيا والصين في بناء خط سكك حديدية فائقة السرعة بين موسكو وقازان؟ هناك أسباب عدة.
أولا، الحاجة الملحة لدى روسيا نظرا لكونها لم تبن حتى الآن أي سكك حديدية تسير عليها قطارات تزيد سرعتها على 200 كلم/الساعة. ولا تسير داخلها سوى سكك حديدية تسمى "فائقة السرعة بالكاد"، تم تشييدها عام 2013 في مدينة سوتشي خصيصا للألمبياد الشتوية ولا تتجاوز سرعتها 180 كلم/الساعة.
أما خطوط السكك الحديدية موسكو ــ سان بطرسبرغ، وسان بطرسبرغ ــ هلسينكي، وموسكو ــ نيجني نوفغورود، فتم تطويرها لزيادة سرعة السير وليس لتصبح على وجه التحديد سككا حديدية فائقة السرعة .
ومن أجل تلبية متطلبات التنمية الاقتصادية مستقبلا ، تتزايد وتيرة بناء السكك الحديدية فائقة السرعة التي تعد بمثابة قاطرة لانعاش النمو الاقتصادي في روسيا منذ عام 2013. ووفقا للإستراتيجية الروسية للسكك الحديدية والنقل، يخطط الدب الروسي لبناء شبكة سكك حديدية يتجاوز طولها 20 ألف كلم، منها 5 آلاف كلم سكك حديدية فائقة السرعة.
ثانيا، الامتيازات التكنولوجية والتسعيرية لدى الصين في بناء السكك الحديدية فائقة السرعة ، حيث أشاد تقرير للبنك الدولي صدر مؤخرا حول السكك الحديدية الصينية فائقة السرعة ، قائلا إن الصين تتقدم على البلدان الأخرى في هذا المجال. وبدءا من تشييد البني التحتية وحتى صنع القطارات الخاصة، تحظى الصين بقدرة تنافسية عالية في السوق العالمية.
ونظرا للظروف الجغرافية والجوية القاسية في روسيا، تكتسب الصين في هذا الصدد خبرات وافرة في بناء وإدارة سكك حديدية فائقة السرعة وكذا صنع قطارات خاصة لضمان سلامة تسيير القطارات وسط أجواء شديدة البرودة وعلى أراضي يقوم تكوينها على الطين المتجمد.
وقال وانغ منغ شو نائب المهندس العام لشركة الصين للأنفاق والسكك الحديدية إن الصين تمتلك تكنولوجيا متطورة وأطقما من المهندسين والعمال المؤهلين لبناء سكك حديدية فائقة السرعة تسير بسلام، مهما كانت وعورة التضاريس الجغرافية وقسوة الأحوال الجوية.
وأضاف أن الصين قادرة على تصدير حزما من التكنولوجيات والمنتجات المتخصصة في الأعمال الهندسية، وأنظمة الإشارة والاتصالات، ونظام الإمدادات الكهربائية، وصنع القاطرات والعربات الخاصة، وغيرها من الجوانب ذات الصلة بالسكك الحديدية فائقة السرعة, كما يمكن تطوير أي سكك حديدية قائمة لرفع سرعة سيرها إلى 250 كلم/الساعة ارتكازا على تكنولوجيا تستوعبها الصين تماما.
وما لا يمكن إغفاله هو أن تكلفة بناء السكك الحديدية فائقة السرعة بتقنية وعمالة صينية لا تبلغ سوى ثلثى التكلفة لدى بلدان أخرى، على حد قوله.
ـــ صفقات تجارية كبرى
ويعتبر المسؤولون والمراقبون التعاون الصيني ــ الروسي في بناء السكك الحديدية فائقة السرعة انطلاقة هامة لتعميق التعاون الشامل بين البلدين، متوقعين توقيع المزيد من الصفقات التجارية الكبرى بين البلدين خلال زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ المزمع أن تبدأ اليوم (الخميس).
وقال يانغ تشنغ نائب مدير مركز الدراسات الروسية بجامعة هوادونغ للمعلمين "يمكننا أن نعتبر (مشروع السكك الحديدية فائقة السرعة) هدية كبيرة مجهزة ستقدم خلال زيارة الرئيس شي لموسكو، وليس ذلك فحسب بل رمزا لتحديث نموذج التعاون الصيني ــ الروسي".
سبق أن أكد نائب رئيس مجلس الدولة الصيني وانغ يانغ أن الجانب الصيني مستعد لمواصلة بذل الجهود مع الجانب الروسي للمضي قدما في التعاون في مجالات الطاقة النووية والطيران والفضاء والملاحة بالأقمار الصناعية وتجارة المنتجات الزراعية والبنية التحتية العابرة الحدود، وكذا مشاركة الجانب الصيني في تطوير أقاليم الشرق الأقصى الروسي وغيره من المشروعات الكبرى، استعدادا للقاء زعيمي البلدين في موسكو.
ومن جانبه كشف نائب وزير الخارجية تشنغ قوه بينغ أن الرئيسين الصيني والروسي سيوقعان في موسكو بيانا مشتركا بشأن تعميق شراكة التنسيق الإستراتيجية الشاملة والدعوة إلى تحقيق كسب متكافئ، كما سيناقشان القضايا الهامة، ومنها كيفية تلاحم بناء "الحزام الاقتصادي لطريق الحرير" ببناء "الممر الأورآسيوي الكبير" وتنمية الاتحاد الاقتصادي الأوروآسيوي. كما سيحددان أولويات العلاقات والتعاون الثنائي في شتي المجالات خلال المرحلة القادمة.
ويشير المراقبون إلى أن التعاون الشامل بين البلدين يعود بفوائد مشتركة على كل منها، ويضربون بالتعاون في مشروع السكك الحديدية بروسيا مثالا على ذلك.
وبالنسبة للصين، سيدفع المشروع تنمية القطاعات المعنية بالأجهزة والمعدات والمعادن. أما بالنسبة لروسيا، سيحسن المشروع مستوى البنية التحتية المحلية ومستوى المواصلات والنقل، علاوة على أنه سيتيح 370 ألف فرصة عمل للسكان المحليين.