تحقيق إخباري: شابة سورية تحي مهنة صناعة القش التراثية المهددة بالانقراض
السويداء، سوريا 4 نوفمبر 2020 (شينخوا) بحب وشغف شديدين تسعى الشابة السورية فايزة فيصل (45 عاما) من بلدة شقا بريف السويداء الشمالي الشرقي لإحياء مهنة تراثية تقليدية، ورثتها عن أجدادها، لتقدمها للأجيال الشابة بأساليب تقليدية تحمل عبق الماضي، وتروي من خلالها حياة الأجداد في تلك الفترة من الزمن.
وتعد صناعة القش من المهن التراثية المزدهرة سابقا في عموم المحافظات السورية، وفي محافظة السويداء (جنوب سوريا) خصوصا، وكانت إلى زمن ليس ببعيد موجودة ومتألقة، ولا يكاد يخلو منزل في المحافظة من تلك الأدوات المصنوعة من القش، لتتحول بعد فترة من الوقت إلى تحف توضع في المنازل كتذكار تراثي من ذلك الزمن الجميل.
وصناعة القش، مثلها مثل باقي الصناعات اليدوية التقليدية التراثية في سوريا التي باتت مهددة بالانقراض مع تطور الصناعة ودخول الآلات الحديثة التي باتت تغمر الأسواق بالكثير من الصناعات والأدوات التي يحتاجها الناس، لتخرج تلك المهن اليدوية رويدا رويدا من الأسواق، وتصبح مهنة تراثية نادرة الوجود لا يعرفها إلا من عاصرها وعرف قيمتها الحقيقة وحجم الجهد الذي يبذل لإنجاز قطعة واحدة منها.
وروت الشابة السورية فيصل التي تمتهن مهنة صناعة القش التراثية، بكثير من الحب، عن شغفها بهذه المهنة التي ورثتها عن أمها التي كانت تصنع الاطباق المصنوعة من القش للاستخدام المنزلي لعدم توفر البديل في ذلك الوقت، وبأدوات من البيئة التي تعيش بها.
وقالت فيصل لوكالة أنباء (شينخوا) بدمشق إن "مهنة صناعة القش من المهن التراثية التي تشتهر بها محافظة السويداء وتكاد تكون رمزا لها فيما مضى"، لافتة إلى أنها شعرت بالحزن الشديد لغياب هذه المهنة عن الساحة رغم أهميتها كتراث يجب المحافظة عليه.
وتابعت تقول، وهي تقف بين أطباق القش التي صنعتها يداها بعناية فائقة خلال مشاركتها بأحد المعارض في مدينة السويداء "في السابق كان الأجداد يصنعون الأدوات المصنوعة من القش لحاجاتهم الماسة لها في حياتهم اليومية، لكن اليوم حاولت أن انقل هذا التراث بطريقة فيها روح الماضي وعبقه، وبنفس الوقت تحمل قيم جمالية تتناسب مع تطور الحياة".
وأضافت فيصل "عملت جاهدة على احياء هذه المهنة التراثية المهددة بالانقراض، وصنعت العديد من الأدوات القديمة، وحافظت على أصولها كصناعة تقليدية ليطلع عليها الجيل الجديد الذي ربما لا يعرفها، وإن شاهدها لا يعيرها أي انتباه".
وروت فيصل كيفية تعلمها لهذه المهنة التقليدية من أمها التي توفيت منذ فترة من الزمن، والأدوات البدائية التي صنعتها لم تكن جيدة في البداية، مؤكدة أن إصرارها على اتقان هذه المهنة هو الذي دفعها إلى الإكمال بها، لتكون ذاكرة تراثية تنقلها للأجيال الصاعدة.
وقالت فيصل "في سن العاشرة من عمري كنت اراقب امي في ليالي الشتاء الباردة، وهي تصنع الاطباق، وبعض الأدوات التي يحتاجها البيت، وامضي ساعات طويلة وانا أجلس بقربها كي اتعلم منها كيفية تشكيل الرسومات على الاطباق، وآلية تكوينها، إلى أن سمحت امي لي بصناعة طبق صغير"، لافتا إلى أن شكله لم يكن جيدا بالمقارنة مع صنع والدتها .
وأضافت إنها ما تزال تحتفظ ببعض الاطباق والأدوات التي صنعتها أمها إلى هذا الوقت، وترفض بيعها لتبقى ذكرى لها قيمة تراثية.
وأشارت إلى أنها عمدت إلى زراعة القمح في أرضها هذا العام، وقامت باستخدام عيدان القش التي تشكل العصب الرئيسي لهذه الصناعة، مبينة أن صناعة القش تمر بعدة مراحل تبدأ من الحصول على عيدان القمح الطويلة، ثم تقوم بإزالة السنابل منها وبعدها تقوم بصباغة قسم منها بالألوان بطريقة بدائية كما كان الأجداد يفعلون، ومن ثم تقوم باختيار الشكل الذي تنوي صنعه والرسمة التي ستضعها على تلك التحفة أو تلك لتخرج بعد فترة من الوقت عملا فنيا يحمل الكثير من الجمال والابداع.
وأوضحت فيصل أنها ستقوم بتعليم ابنتها صناعة القش لانها مهنة الأجداد، وستبقى متمسكة بها، داعية بنفس الوقت الاجيال القادمة لإحياء تلك المهنة التراثية من خلال إقامة المعارض المتكررة لتعريفهم بها.
من جانبها، عبرت أمل منصور من مديرية البيئة في السويداء عن إعجابها بما صنعته الشابة فيصل من أدوات التي تعد أدوات تراثية وتشكل رموز ومفردات تراثية من المحافظة.
وقالت منصور لـ(شينخوا) إن "الأعمال التي قدمتها فيصل هي أعمال متقنة ويكفي انها انتاج بيئي كامل، فهي تزرع القمح وتصنع منه القش بطريقة فنية مبتكرة".
وأضافت منصور أن الشابة فيصل تحاول أن تحي المهنة التراثية التي باتت مهددة بالانقراض، وتعمل على نقل ذاكرة الأجداد إلى الأجيال القادمة كي يتعرفوا على حقبة تاريخية كان فيها الأجداد يصنعون ما يحتاجونه من أدوات من مفردات الطبيعية.