(وسائط متعددة) مقالة خاصة: قصة طفل سوداني ترسم صورة لمآسي الحرب في بلاده
الخرطوم أول يونيو 2024 (شينخوا) في حي الأزهري جنوبي الخرطوم، يعيش الطفل السوداني معاذ نور الدين، كابوسا مستمرا بعد أن أفقدته الحرب الدائرة في البلاد منذ أكثر من عام جزءا من عائلته، وقلبت حياته رأسا على عقب.
ودخلت الحرب في السودان في أبريل الماضي عامها الثاني، ما زاد من عدد ضحاياها، ومن بينهم الأطفال الذين كانوا ومازالوا أكثر الفئات تضررا.
وتقول السلطات السودانية الرسمية إن نحو 8 ملايين طفل تأثروا بالحرب الدائرة في ولايات الخرطوم والجزيرة وإقليمي كردفان ودارفور بغربي السودان.
ووفق إحصاءات أممية، يواجه السودان أكبر أزمة نزوح للأطفال في العالم، بما يقرب من 4 ملايين طفل.
-- انفجار عنيف
ويروي معاذ البالغ من العمر (15 عاما) لوكالة أنباء ((شينخوا)) مأساته، قائلا "قبل ثمانية أشهر كنت خارج المنزل في أحد أسواق المنطقة لشراء مواد غذائية لأهلي، عندما وقع انفجار عنيف في منطقتنا بمربع 6 بحي الأزهري".
ويضيف بصوت متحشرج وعين توشك على الدمع "لم أكن أعلم أن الانفجار طال أربعة منازل متجاورة، ومن بينها منزلنا".
يسكت معاذ لنحو دقيقة قبل أن يستجمع قواه، قائلا بنظرات شاردة "عندما هرعنا نحو مكان الانفجار، رأيت من بين الغبار الكثيف أمي تخرج من داخل المنزل وهي تصرخ، لم أتمالك نفسي ولم تحملني قدماي على السير أو حتى الوقوف".
ويضيف "جلست علي الأرض بينما الناس يتجمعون بكثافة حول البيوت التي تم قصفها، ويحاولون إخراج الناجين وانتشال الجثث".
وتابع معاذ "عندما وقع القصف كانت عائلتي المكونة من أمي وأخي الأصغر وأختي الكبرى وخالتي وابنتيها داخل المنزل، وللأسف توفت أختي وأخي وخالتي وإحدى بناتها في القصف، وأصيبت أمي بجروح طفيفة".
ويقع حي الأزهري في منطقة تسمى "جنوب الحزام" بجنوبي العاصمة الخرطوم، حيث انطلقت الرصاصة الأولى للحرب من مقر رئيسي لقوات الدعم يعرف بأرض المعسكرات، وهو قريب من الأحياء السكنية خاصة في حيي الإنقاذ والأزهري.
وتشهد منطقة جنوب الخرطوم ذات الكثافة السكانية اشتباكات مستمرة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، وهو ما يعرض سكانها للخطر.
-- صدمة
وذاق معاذ مرارة اليتم عندما فقد أباه قبل نحو أربعة أعوام، وتضاعفت مأساته بعد فقدانه لأخته وأخيه الصغير وخالته، التي كانت تعيش معهم بالمنزل.
وقلب الحادث المأساوي حياة أسرة معاذ رأسا على عقب، إذ أصيبت والدته بما يشبه "الإضطراب النفسي" تأثرا بفقدان اثنين من أبنائها.
ويقول معاذ "رغم مرور أكثر من 8 أشهر على الحادث الذي وقع في شهر سبتمبر من العام الماضي، إلا أننا لم نستطع تجاوز ما حدث".
ويضيف "وقع الصدمة مازال قاسيا على أمي، فهي لا تنام إلا نادرا ولا تتحدث كثيرا ولا تأكل بصورة طبيعية، وتم تشخيص حالتها بأنها مصابة بمرض نفسي نتيجة الحادث".
ورغم أن أسرة الطفل معاذ لا تعاني من مشاكل مادية كبيرة، إذ تعتمد على إعانات تصلها من وقت لآخر من أقارب خارج السودان، إلا أن حياتها باتت بلا طعم، حسب يقول.
ويوضح قائلا "ليست لدينا مشكلة مادية كبيرة، حيث يرسل أقاربنا أموالا لنا من وقت لآخر، ولكن حياتنا بلا طعم، أشعر بالضياع، ولا نرى أفقا لهذه الحرب".
ويتابع "تحتاج أمي للعلاج، ولكن في الظرف الراهن لا تتوفر مراكز علاجية مختصة، كما تحتاج إلى الدعم النفسي، ولا تساعد الظروف على ذلك".
ورغم المأساة، مازالت أسرة معاذ باقية حيث وقعت الكارثة، ولم تهرب بعيدا كما فعلت آلاف الأسر بمنطقة جنوب الخرطوم، حيث مازالت تدور مواجهات بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع.
ويقول معاذ "لم تهرب أسرتي من المنطقة، لم يتبق لنا شيء كي نخاف عليه، فقدت جزءا كبيرا من عائلتي، وأمي مريضة وترفض الخروج لأي مكان، ولا نعتقد إن بقينا هنا أنه سيحدث لنا أسوأ مما حدث".
ويضيف "صورة أخي الصغير لا تفارقني، لم يكن مجرد أخ، كان رفيقي بمعنى الكلمة، وكان الأقرب لوالدتي".
ويتابع "لا أعتقد أنني سأنسى ما حدث لنا، كلما أنظر إلى أمي لا أستطيع مقاومة دموعي، حياتنا قاسية جدا، لقد فقدنا إحساس الحياة وطعمها".
وبجانب فقدان الأهل، أفقدت الحرب الطفل السوداني تعليمه وأثرت على صحته، وتركت أهوالها ندوبا على نفسيته.
-- نقص الغذاء وضعف الصحة
ويحن معاذ إلى مدرسته وأصدقائه وكل تفاصيل حياته قبل الحرب.
ويقول "منذ أكثر من عام لم أر أصدقائي ولم أذهب إلى المدرسة، لا حرية لي لممارسة هواياتي المفضلة، فقد كنت قبل الحرب أذهب أسبوعيا لممارسة السباحة في نادي رياضي بالخرطوم".
لكن الآن يجلس معاذ داخل غرفة شبه مظلمة بملابس بالية ووجه يغطيه الحزن والقلق والخوف، في مشهد صادم لمأساة الحرب في السودان.
ويشعر معاذ أن صحته ليست كما كانت قبل اندلاع الحرب، ويقول "أشعر أنني فقدت جزءا كبيرا من وزني، كما أشعر بإعياء شديد وعدم القدرة على النوم بمقدار كاف".
وأضاف "هناك نقص كبير في الغذاء بسبب الحرب، ولا تتوفر عناصر غذائية رئيسية، اللحوم والأسماك والبيض أصبحت نادرة جدا ولا يمكن الحصول عليها ليس بسبب عدم توفر المال، ولكن لعدم توفرها".
وتابع "نعتمد بالأساس على البقوليات فقط مثل الفول والعدس والفاصوليا، ونقوم بإعداد الطعام بدون اللحوم، ولا يتوفر الزيت أيضا، وتوقفنا عن تناول الحليب".
والخميس حذرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) ومنظمة الصحة العالمية وبرنامج الأغذية العالمي في بيان مشترك من أن سوء التغذية عند الأطفال وصل لمستويات الطوارئ.
وقال البيان إن سوء التغذية الحاد يمثل تهديدا للحياة، حيث يكون الأطفال الذي يعانون منه أكثر عُرضة للوفاة بما يصل إلى 11 مرة مقارنة بالطفل الذي يتمتع بتغذية جيدة.
ويخاطر السودان، وفق البيان، بضياع جيل كامل مع ما يترتب على ذلك من خطورة على مستقبل البلاد.
كما يهدد استمرار الحرب في السودان بتفاقم أسباب سوء التغذية لدى الأطفال، وتتمثل هذه الأسباب في عدم إمكانية الحصول على الغذاء ومياه الشرب النقية وخدمات الصرف الصحي وزيادة خطر الإصابة بالأمراض، وفق البيان.
فيما حذر صندوق الأمم المتحدة للسكان هذا الأسبوع من وفاة 7 آلاف أم جديدة، ومعاناة 220 ألف طفل من سوء التغذية الحاد في الأسابيع والأشهر المقبلة، مؤكدا أن الوضع قاتم بالنسبة لـ 1.2 مليون امرأة حامل ومرضع سيعانين من سوء التغذية هذا العام.
ووفق منظمة اليونيسف، فمن المتوقع أن يعاني حوالي 3.5 مليون طفل من سوء التغذية الحاد هذا العام.
وبحسب أرقام رسمية صدرت مؤخرا من وزارة الصحة الاتحادية، فإن حجم الدمار والتخريب الذي طال القطاع الصحي يقدر بنحو 11 مليار دولار.
كما يعاني السودان من واحدة من أسوأ الأزمات التعليمية في العالم، حيث لا يتمكن أكثر من 90% من الأطفال في سن المدرسة، البالغ عددهم 19 مليون طفل، من الوصول إلى التعليم الرسمي، وسيؤدي التعطيل المستمر للتعليم إلى أزمة أجيال في السودان.
ووفق تقديرات رسمية، فقد دمرت الحرب كلياً وجزئياً 80 في المائة من مؤسسات التعليم العام والعالي بالعاصمة الخرطوم وولاية الجزيرة بوسط السودان.
ومنذ منتصف أبريل 2023 يخوض الجيش السوداني وقوات الدعم السريع حربا خلفت نحو 13100 قتيل، وفق الأمم المتحدة.
فيما تشير أحدث إحصائية لموقع ((ACLED))، وهي منظمة غير حكومية متخصصة في جمع بيانات النزاعات المفصلة وتحليلها، إلى مقتل أكثر من 15550 شخصا منذ اندلاع القتال في السودان.
وتسبب النزاع أيضا في فرار نحو 8.8 مليون شخص من منازلهم بينهم نحو 6.8 مليون شخص نزحوا قسرا داخل البلاد، فيما عبر نحو مليوني شخص الحدود إلى دول مجاورة، وفقا لمكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية (أوتشا).■








