تحقيق إخباري: ساو تومي وبرينسيبي.. اكتشاف "مركز الأرض"
ساو تومي 5 ديسمبر 2024 (شينخوا) تتمتع ساو تومي وبرينسيبي، حيث يلتقي خط الطول الرئيسي بخط الاستواء، بموقع فريد يجعلها تُعرف باسم "مركز الأرض".
وتشتهر هذه الدولة الجزرية الصغيرة، الواقعة في خليج غينيا قبالة الساحل الغربي لأفريقيا، بمناظرها الطبيعية الخلابة وتنوعها البيولوجي الغني وتاريخها العريق المرتبط بزراعة الكاكاو.
شهد اقتصاد ساو تومي وبرينسيبي، التي كانت تلقب يوما بـ"جزيرة الشوكولاتة" لكونها أكبر منتج للكاكاو في العالم، تراجعا كبيرا في العقود الماضية. ومع ذلك، فإن تربتها البركانية الخصبة ومناخها الاستوائي والكاكاو عالي الجودة ظلت عوامل رئيسية ما فتئت تدعم جهود البلاد نحو التعافي، مع التركيز على إقامة الشراكات العالمية والتعاون بين بلدان الجنوب من أجل خلق فرص جديدة.
اليوم، تركز ساو تومي وبرينسيبي على توسيع إنتاج الكاكاو العضوي إلى جانب تطوير الصناعات الناشئة مثل السياحة، والتي تظهر إمكانات كبيرة كمحرك رئيسي للنمو الاقتصادي.
-- إحياء "جزيرة الشوكولاتة"
تبلغ مساحة ساو تومي وبرينسيبي نحو ألف كيلومتر مربع وتبعد قرابة 200 كيلومتر عن ساحل أفريقيا، وتتألف من جزيرتين رئيسيتين - هما ساو تومي وبرينسيبي - إضافة إلى العديد من الجزر الصغيرة.
في القرن الـ15، وصل المستعمرون البرتغاليون إلى الجزيرة واكتشفوا تربتها البركانية الخصبة للجزر ومناخها الاستوائي، مما يجعلها مثالية لزراعة الكاكاو، الذي أدخلوه إلى المنطقة.
تم جلب أعداد كبيرة من الأفارقة المستعبدين للعمل في مزارع الكاكاو في ساو تومي وبرينسيبي على مدار القرون التالية. وبحلول القرن الـ19، توسع إنتاج الكاكاو بشكل سريع، ومع بداية القرن العشرين، أصبحت البلاد المنتج الأول للكاكاو في العالم، مما أكسبها لقب "جزيرة الشوكولاتة".
وفي القرن العشرين، ارتفعت شعبية الشوكولاتة العالمية، مع تسجيل مبيعات كبيرة، خاصة خلال العطلات مثل عيد الحب وعيد الميلاد. لكن مع حصول ساو تومي وبرينسيبي على استقلالها في عام 1975، استولى المستعمرون على معظم ثروات الكاكاو. ومع تفكيك نظام إدارة الصناعة، انهارت صناعة الكاكاو في البلاد.
وفي الوقت ذاته، مع ازدهار زراعة الكاكاو في دول غرب أفريقيا، تفوقت غانا وكوت ديفوار، بفضل امتلاكهما مساحات زراعية أوسع وقوى عاملة أكبر، على ساو تومي وبرينسيبي لتصبحا منتجتي الكاكاو الرائدتين في العالم. واليوم، يمثل هذان البلدان نحو ثلثي إنتاج الكاكاو العالمي.
نتيجة لذلك، تعثر اقتصاد ساو تومي وبرينسيبي، وصنفتها الأمم المتحدة الآن كواحدة من أقل دول العالم نموا.
في مواجهة هذه التحديات، سعت ساو تومي وبرينسيبي إلى إيجاد حلول لإحياء الصناعة الأهم في البلاد. وعبر الاستفادة من ظروف الزراعية المثالية للجزيرة وسمعتها الطويلة الأمد في إنتاج الكاكاو عالي الجودة، لجأت إلى إنتاج الكاكاو العضوي، وأقامت شراكات مع مصنعي الشوكولاتة العالميين، في محاولة لتأمين مكان للجزيرة في السوق العالمية التنافسية.
مع تزايد الاستثمار الأجنبي في إنتاج الكاكاو، ظهرت علامات تجارية محلية للشوكولاتة واكتسبت شهرة داخل البلاد وخارجها، مما ساعد على توجيه البلاد نحو صناعة شوكولاتة أعلى قيمة.
اليوم، لا تزال الغابات الاستوائية المطيرة في ساو تومي وبرينسيبي خصبة ونابضة بالحياة. وتوفر أشجار الموز الظل لنباتات الكاكاو الصغيرة، في حين تحمي أشجار جوز الهند أشجار الكاكاو الناضجة من أشعة الشمس. وتوفر الثمار المختلفة التي تسقط من الغابات المطيرة مغذيات طبيعية للتربة لزراعة الكاكاو. وتستمر هذه البيئة الطبيعية في دعم صناعة الكاكاو، ما يبث الأمل لتحقيق الإحياء الاقتصادي لما كانت تُعرف فيما مضى باسم "جزيرة الشوكولاتة".
-- مستقبل واعد للسياحة
إلى جانب إحياء زراعة الكاكاو، تتمتع السياحة بإمكانات كبيرة بوصفها محركا رئيسيا للنمو الاقتصادي في ساو تومي وبرينسيبي. فالبلاد تزخر بمناظر طبيعية بركانية خلابة، وشواطئ نقية، وغابات استوائية مطيرة نابضة بالحياة، وحياة بحرية غنية، فضلا عن نصب تذكاري يحدد مركز الأرض، حيث يلتقي خط الطول الرئيسي وخط الاستواء، على جزيرة إلهو دا رولاس، الأمر الذي يجعل البلاد وجهة سياحية شهيرة في أفريقيا. قبل ملايين السنين، تسببت التحولات التكتونية في ارتفاع جزر مثل ساو تومي وبرينسيبي عن مستوى سطح البحر، مكونةً مناظر طبيعية بركانية مذهلة. فالجبال شديدة الانحدار والجداول المتعرجة والأودية العميقة تخلق مناظر طبيعية ساحرة. ونظرا لعزلتها الطويلة عن البر الرئيسي الأفريقي، تعد هذه الجزر موطنا للعديد من الأنواع المستوطنة. وفي عام 2012، تم إعلان جزيرة برينسيبي واحدة من محميات المحيط الحيوي التابعة لليونسكو.
ونظرا لعدم وجود بناء حديث واسع النطاق، حافظت شواطئ ساو تومي وبرينسيبي والغابات المطيرة وغيرها من المناظر الطبيعية على جمالها الطبيعي الذي لم يمسه أحد. ففي الفترة من نوفمبر إلى فبراير، تخرج السلاحف البحرية إلى الشاطئ لوضع بيوضها، ويقوم دعاة الحفاظ على البيئة، بالتعاون مع المجتمعات المحلية، بتطوير مبادرات للسياحة البيئية تهدف إلى حماية الأنواع المهددة بالانقراض مع العمل في الوقت نفسه على إتاحة فرصة فريدة للزوار لتجربة الطبيعة في وهي في حالة من التناغم.
تجذب جزيرة إلهو داس رولاس، الواقعة جنوب ساو تومي، السياح بفضل قربها من نصب "مركز الأرض" التذكاري، وهو ما يتيح للزوار فرصة تجربة الإحساس النادر بالوقوف في نصفي الكرة الأرضية في آن واحد.
وعلى الرغم من إمكاناتها السياحية الغنية، فإن هذه الصناعة تواجه تحديات تشمل تخلف البنية التحتية ومحدودية المرافق ومشكلات صحية مثل الملاريا. ففي النصف الأول من هذا العام، استقبلت ساو تومي وبرينسيبي حوالي 17 ألف زائر فقط، معظمهم من البرتغال وفرنسا وأنغولا، حسبما أفادت وسائل الإعلام المحلية. وبالمقارنة، جذبت سيشيل، وهي دولة جزرية أصغر بكثير، 358 ألف سائح في عام 2023.
ومن جانبه، أشار لوسيو ماغالهايس، وزير شؤون الرئاسة ومجلس الوزراء والشؤون البرلمانية والتنسيق المستدام في ساو تومي وبرينسيبي، إلى أن البلاد بحاجة إلى بنية تحتية محسّنة، تشتمل على طرق عالية الجودة ومرافق رعاية صحية، لتعزيز التجربة السياحية وتوفير شعور بالأمان للزوار الأجانب والسكان المحليين على حد سواء.
وقال ماغالهايس "من أجل تحقيق أهدافنا التنموية، نحتاج إلى العمل مع الشركاء، بما في ذلك الصين، لتخطيط مسار للنمو المستقبلي وضمان حياة أكثر رخاء لشعب سان تومي وبرينسيبي".
-- دعم من التعاون فيما بين بلدان الجنوب
في أواخر سبتمبر، وصلت مجموعة سياحية إلى ساو تومي وبرينسيبي قادمة من بكين لمشاهدة المناظر الطبيعية الخلابة في الجزيرة. وذكرت لاي شياو جيوان، وهي من المهنيين العاملين في مجال السياحة حيث تتمتع بخبرة تصل إلى أكثر من 10 سنوات من العمل في ساو تومي، أنها استضافت بالفعل 19 مجموعة سياحية صينية هذا العام، جلبت معها إجمالا 60 زائرا.
لقد أصبحت ساو تومي وبرينسيبي وجهة سياحية متزايدة الشعبية بين السائحين الصينيين، حيث قامت المزيد من المجموعات والسائحين المستقلين بإضافتها إلى برامج رحلاتهم إلى أفريقيا. وفي الوقت نفسه، سافر أكثر من 200 طالب من البلاد إلى الصين للدراسة، وهم على استعداد للعودة إلى الوطن والمساهمة في تنمية البلاد. كما أن وجود رؤية مشتركة لمستقبل أكثر إشراقا عزز الرغبة المتبادلة في تحقيق علاقات أوثق بين البلدين.
منذ استئناف العلاقات الدبلوماسية في عام 2016، عززت ساو تومي وبرينسيبي والصين التعاون في مجموعة من القطاعات. فقد أسس معهد كونفوشيوس وجودا له في جامعة ساو تومي وبرينسيبي، في الوقت الذي تقوم فيه فرق طبية صينية وخبراء صينيون متخصصون في مكافحة الملاريا بتقديم رعاية صحية عالية الجودة للسكان المحليين. كما دعم خبراء زراعيون صينيون جهود الجزيرة لتحسين تقنيات الزراعة، وإنشاء قرى تجريبية للحد من الفقر الزراعي، والتصدي للتحديات المتعلقة بالأمن الغذائي.
وحضر رئيس وزراء ساو تومي وبرينسيبي، باتريس تروفوادا، في شهر سبتمبر قمة منتدى التعاون الصيني-الأفريقي في بكين، حيث أعلن البلدان الارتقاء بعلاقاتهما إلى شراكة إستراتيجية. وبحث زعيما البلدين دفع التعاون في مجالات السياحة والزراعة والثروة السمكية والبنية التحتية، وشجعا المؤسسات الصينية على الاستثمار في ساو تومي وبرينسيبي لدعم التنويع الاقتصادي للبلاد.
وفي نفس الإطار، قال أبيل دا سيلفا بوم جيسوس، وزير الزراعة والثروة السمكية والتنمية الريفية في ساو تومي وبرينسيبي، إن الصين هي "الشريك الرئيسي للبلاد في مساعدتنا على الوصول إلى مستوى التنمية الزراعية الذي نطمح إلى تحقيقه".
كما ذكر آبيل تافاريس دا فيغا مدير ومؤسس صحيفة ((تيلا نون))، كبرى الصحف في البلاد، أن "فرصا قد فُتحت أمام التجارة المباشرة بين ساو تومي وبرينسيبي والصين، وهو ما سمح للشركات المحلية بالوصول إلى السوق الصينية الواسعة".
وشدد فيغا على أن "هذا التعاون، الذي يرى الشعب أنه أساسي، يمكن أن يدفع البلاد بشكل فعال نحو اندماج أوسع في الاقتصاد العالمي".