بغداد 28 أكتوبر 2016 (شينخوا) أثارت عملية تحرير الموصل التي انطلقت قبل أكثر من أيام، تساؤلات واختلافات في وجهات النظر بين السياسيين والمحللين حول مستقبل هذه المدينة التي تعد ثاني أكبر المدن العراقية لكثرة اللاعبين الدوليين والاقليمين والمحليين فيها.
فاياد علاوي رئيس الوزراء العراقي الاسبق يرى أن الانتصار العسكري على تنظيم داعش الارهابي، والفكر المتطرف وارهابيه، ان اقترن بحسن الاداء السياسي، يقدم فرصة فريدة للعراق للخروج من ازماته السياسية والامنية والاقتصادية المزمنة.
وقال علاوي في بيان " إن البيئة التي يمكن لها ان تسود في مدينة الموصل، ان احسنا الاداء، ستفتح على كل العراق آفاقا واسعة في امكانية الاستقرار من خلال تحقيق المصالحة السياسية والوحدة الوطنية، ووضع المرتكزات السليمة للدولة المدنية، دولة المواطنة بمؤسساتها وقوانينها، والتي تقوم على العدل والمساواة وسيادة القانون.
اما سليم الجبوري رئيس البرلمان العراقي فيتوقع تغيير خارطة العراق بعد تحرير الموصل قائلا " إن الخارطة السياسية أو الاجتماعية أو الفكرية في مرحلة ما بعد داعش لن تكون هي ذاتها قبل يونيو 2014 ، فالظروف فرضت علينا نمطا جديدا من التوجهات قد تكون صادمة في بعض تفاصيلها، وقد نضطر لاعادة النظر في كثير من الملفات التي اغلقناها سابقا واعتقدنا أنها قد حسمت ".
وأشار إلى أن التنظيم الارهابي لن يبق على نمطه القديم بعد أن يهزم في الموصل قريبا بل سيفكر بأساليب جديدة تنتج جيلا جديدا من الإرهاب قد يكون أكثر قدرة على التعاطي مع ظروف المرحلة ومواجهة التحديات.
من جانبه، يرى عمار الحكيم زعيم التحالف الوطني الشيعي الحاكم أن العراق سيبقى موحدا بعد تحرير الموصل، داعيا إلى رص الصفوف وتجاوز الاخطاء السابقة.
وقال "علينا ان لا نخشى الأصوات المبحوحة والمأزومة والتي تعتاش على التناقضات ومن أي جهة تصدر وتحت أي عنوان تكون"، مؤكدا أن "قرار بقاء العراق موحدا اصبح فعليا، وان العراق يحتاج إلى همة القادة الشجعان لتحقيق، اختراقا سياسيا تاريخيا يكون بحجم الازمات والتحديات التي نواجهها".
بدوره، يتوقع نجيرفان بارزاني رئيس حكومة اقليم كردستان بان العراق سيشهد بداية جديدة بعد عملية تحرير الموصل، وطالب بتشكيل لجنة مشتركة لبحث مستقبل المدينة لمنع حدوث حرب طائفية وقومية في المدينة.
يذكر أن مدينة الموصل هي ثاني أكبر المدن العراقية وتقع على عدة محاور مهمة وحساسة ومتشابكة، ولديها حدود مع اقليم كردستان من الشرق والشمال ومن الجنوب الشرقي تحدها محافظة صلاح الدين، ومن الجنوب محافظة الانبار، ومن الغرب تحدها سوريا التي تعتبر العمق الاستراتيجي للتنظيم الارهابي الامر الذي يعطي المدينة اهمية استراتيجية لكل الفئات والقوميات العراقية.
إلى ذلك، قال المحلل السياسي ناظم علي الجبوري المختص بالشأن التركي العراقي لوكالة أنباء (شينخوا) " إن عودة الموصل ستكون لها وقائع على المستوى السوقي وكذلك على المستوى الاستراتيجي، فتحريرها يعني اولا نهاية تنظيم داعش الارهابي على الاقل في العراق كما انه سيحدد نوع العلاقة التي تربط الحكومة المركزية بإقليم كردستان، بالإضافة الى اعادة التوازن بين المكونات الرئيسية التي تحكم العراق".
وتابع " أن تحرير الموصل سيكون النقطة المحورية في تشكيل الاقاليم الاخرى والتي تسعى واشنطن لإنجاحها"، مضيفا " أن تحرير الموصل قد لا يروق لكثير من الفئات السياسية العراقية وخاصة التي ترى فيها انها ستكون منافس اقتصادي لها كونها تحظى بقبول لدى بقية الطوائف العراقية".
وتوقع ان تحرير الموصل قد تؤدي إلى خفوت نجم اربيل عاصمة اقليم كردستان كون سكان المحافظات العراقية يميلون للموصل أكثر من غيرها لقلة الحساسيات الطائفية والعرقية، وكذلك كونها كانت بعيدة عن الصراع الطائفي الذي حدث بالعراق في اعقاب تفجير مرقد الامامين بمدينة سامراء عام 2006.
وعن وجهة نظر التحالف الوطني الشيعي بشأن تحرير الموصل، اجاب الجبوري "ان بعض مكونات التحالف ترى ان مشاركة الكم الهائل من الدول وبالأخص دول الخليج وتركيا في تحرير الموصل قد يعيد ترتيب اوراق المكون السني ليكون موازيا للأكراد والشيعة ومشاركتهم في حكم العراق الجديد خاصة اذا كانت هذه الدول جادة في اعادة بناء هذه المدينة ودعمها من جديد".
وعن اهداف الدول الخارجية المشاركة في تحرير الموصل، قال الجبوري " إن تحرير الموصل قد يؤثر على مجرى الانتخابات الامريكية، كما قد يدفع بالطرف التركي إلى اعادة ترتيب اوراقه في الموصل ومساندة السنة لمنع حصول تقارب بين اكراد سوريا والعراق لان هذا التقارب يشكل خطرا على الامن القومي التركي".
ويؤكد الجبوري على أن وجود القوات التركية داخل الاراضي العراقية يثير حفيظة الايرانيين الاكثر نفوذا بالعراق والذين يرون في التقارب التركي الخليجي تهديدا لنفوذهم وقد يحد الكثير منه وخاصة في تلك المناطق التي تحررت من قبضة داعش، لذلك تضغط ايران على حلفائها بالعراق للحد من النفوذ التركي في الموصل.
وخلص الجبوري إلى القول " إن معركة الموصل معقدة ومتشابكة ومصالحها تختلف حسب طبيعة كل طرف وقد تطول اشهر لحين الانتهاء من لي الاذرع بين الاطراف المتنفذة في هذا البلد والذي اصبحت القوى الخارجية تتحكم في سياسته اكثر من قواه المحلية ".
ويرى المراقبون أن التوافق السياسي بين المكونات والكتل السياسية العراقية، وكذلك التوافق بين الدول الإقليمية في المنطقة كتركيا والسعودية وإيران، والتوافق الأمريكي الروسي هي التي ستحدد مستقبل هذه المدينة التي تحظى باهمية استراتيجية واقتصادية للعراق والدول المجاورة له.
وكانت القوات العراقية قد بدأت فجر 17 اكتوبر الجاري عملية عسكرية كبرى بمشاركة قوات البيشمركة الكردية، وهي المرة الاولى في العراق الذي يقاتل فيه الجيش العراقي جنبا إلى جنب مع القوات الكردية، وبمساندة قوات التحالف الدولي والمتطوعين من اهالي المحافظة، اسفرت حتى الان عن تحرير قرابة 90 بلدة وقرية ومنطقة، وتسير العمليات بشكل جيد ووفق ما مخطط له ما يعني ان عملية تحرير المدينة ستنجز لكن لايوجد سقف زمني محدد لها.
واحتل التنظيم الارهابي مدينة الموصل في العاشر من يونيو عام 2014 وتمدد بعدها إلى محافظات صلاح الدين والانبار واجزاء من محافظاتي كركوك وديالى، ثم اعلن ما يسمى بدولة الخلافة بزعامة الارهابي ابو بكر البغدادي واختار الموصل عاصمة لهذه الدولة المزعومة.