حلب ــ سوريا 13 أكتوبر 2017 ( شينخوا) يعد حي الشيخ مقصود الواقع في الجهة الشمالية من مدينة حلب، والذي شهد في الفترة الماضية اعتى المعارك بين مقاتلي المعارضة المسلحة وآهالي سكان الحي الذين انبروا للدفاع عنه بكل بسالة لكي لا يكون ممرا للوصول إلى الاحياء الغربية لمدينة حلب، نموذجا يحتذى للتعايش السلمي بين مكونات سكان هذا الحي.
ويتعايش الآهالي في حي الشيخ مقصود، الذي يضم عدة مكونات ومنها المكون الكردي والعربي والارمني، بهدوء وسلام ، في ظل ظروف حياتية صعبة إلى حد ما، بسبب تعرض المنازل لسقوط القذائف بشكل شبه يومي على ذلك الحي الذي كان هدفا من قبل مقاتلي المعارضة المسلحة، لكونه ذو صبغة كردية، فهم في الوقت الحالي يديرون شئونهم بأنفسهم تحت مسمى حركة المجتمع الديمقراطي، والتي عملت على تشكيل مؤسسات تخدم المواطنين بشكل ذاتي.
وقبل ان تدخل إلى حي الشيخ مقصود الخاضع لسيطرة الاكراد، بأمتار قليلة ترى عبارة كتبت على أحد الجدران " لا فرق بين العرب والاكراد والاشوريين والارمن والمسيحيين "، هذا يدل على رغبة الاكراد في التعايش مع المكونات الأخرى، وبعدها ترى حاجزا تابعا لقوات الاسايش (قوات الامن الداخلي) يقفون عليه رجلان وامرأة مسنة تقوم بتفتيش المارة بطريقة دقيقة ، وتتحدث بلغة عربية ثقيلة، تسألك إلى اين تذهب ؟ وماذا معك ؟
وعلى بعد اقل من 300 متر تقريبا تجد في الطرف الآخر حاجزا تابعا للجيش السوري يقوم أيضا بذات العملية يدقق في هويات المارة ويفتش امتعتهم، وهذا الحاجز يعد البوابة الرئيسية للدخول إلى مدينة حلب الخاضعة لسيطرة الدولة السورية.
ولدى دخولك حاجز قوات الامن الداخلية (الاسايش) تجد لوحة جدارية كبيرة تحمل صورة لعبدالله اوجلان الذي يقبع في السجون التركية، ويعد زعيما كرديا رفيعا، وصور للضحايا الاكراد والعرب الذين سقطوا للدفاع عن الحي ضد الهجمات الشرسة التي كانت تشن عليهم من قبل مقاتلي تنظيم (جبهة النصرة) المرتبط بالقاعدة ، إضافة لعلم كبير بالوان ثلاثة (الأصفر والبرتقالي والاخضر) وهو رمز لحركة المجتمع الديمقراطي التي تدير شؤون الحي في الوقت الحالي.
وبعد عبورك للحاجز تجد عبارات ترحيبية مكتوبة باللغتين العربية والكردية مثل " نحن لسنا عشاق الدمار .. ولسنا عشاق السلاح .. نحن عشاق السلام "، وكذلك كتبت باللغة الكردية.
كما شكل هذا الحي في الفترة الماضية من عمر الازمة السورية، ملاذا آمنا لكثير من العوائل الحلبية التي نزحت اليه من الاحياء الشرقية آنذاك، عندما كان الجيش السوري والقوات المتحالفة معه يشنون عمليات عسكرية ضد مسلحي تنظيم (جبهة النصرة) المرتبطة بتنظيم القاعدة بغية تحرير تلك الاحياء من الإرهاب.
وبعد ان توقفت الاعمال القتالية، وخروج المسلحين من الاحياء الشرقية بموجب اتفاق في ديسمبر 2016، وراح الناس يتنفسون الصعداء ، ويعودون إلى حياتهم الاعتيادية، وتركوا السلاح جانبا وتفرغوا لممارسة أعمالهم التي كانوا يمارسونها قبل الحرب.
وقال شرطي في قوات الامن الكردية (الاسايش) لوكالة أنباء ((شينخوا)) "إن مهمتنا هي حماية كافة مكونات المجتمع هنا في الحي وجميع المكونات تحميها قوى الامن الداخلى، ولا تفرق بين شخص وآخر ".
وانسحاب قوات وحدات حماية الشعب الكردية من حي الشيخ مقصود، بعد أن أصبح الوضع أفضل عندما سيطر الجيش السوري على الجزء الذي كان يسيطر عليه المسلحون في شرق حلب في ديسمبر من العام الماضي، بموجب اتفاقات.
وما يزال حي الشيخ مقصود يدار من قبل حركة المجلس الديمقراطي الذي شكلت خلال الازمة لتنظيم الحياة داخل الحي خلال الحرب في حلب، وما تزال تقوم بواجباتها .
وفي جولة قامت بها وكالة أنباء ((شينخوا)) بدمشق في هذا الحي، الذي هو خارج سيطرة الحكومة، تحدث الناس هناك عن كيف دافعوا عن حيهم ضد هجمات النصرة وغيرها من الجماعات المتطرفة الأخرى.
وقال محمد شيخو رئيس حركة المجتمع الديمقراطي في حي الشيخ مقصود ل(شينخوا) اليوم (الجمعة) إن " حي الشيخ مقصود هو حي المقاومة، لانه تعرض لعدة هجمات متعددة من قبل المجموعات المسلحة الذين أرادوا ان يدنسوا هذه الأرض "، مشيرا إلى أنه ومنذ بداية الازمة تم تشكيل قوى للدفاع عن الحي من قبل اهل الحي انفسهم بأمكانيات صغيرة ومتواضعة جدا، مؤكدا ان أهالي الحي منذ العام 2011 وما بعد استطاعوا المحافظة على الحي وحماية مكوناته.
وأضاف شيخو وهو من المكون الكردي في حي الشيخ مقصود إن "هذا الحي دفع ثمنا غاليا جدا من دماء أبنائه وسقط على ارضه عشرات الشهداء بغية الدفاع عنه ".
ورأى شيخو أن حي الشيخ مقصود هو " نموذجا يحتذى لأنه يتشكل من عدة مكونات منها التركمانية والمسيحيين والارمن والمكون العربي والكردي وخلال الازمة تعانوا سويا لصد الهجمات عن الحي من قبل مسلحي تنظيم (جبهة النصرة).
وبين شيخو أن كل هذه المكونات الموجودة ضمن الحي تشارك في إدارة المؤسسات الموجودة في حي الشيخ مقصود والتي هي تحت مظلة حركة المجتمع الديمقراطي.
وأشار إلى أنه في 6 فبراير من العام 2016 وحتى شهر يوليو من نفس العام تجمع حوالي 24 فصيلا مسلحا وشنوا هجوما على الحي بغية الدخول اليه، وفقد الحي خلال تلك الفترة اكثر من 300 شهيد بين مدني وعسكري.
واكد ان الاكراد في حي الشيخ مقصود اجروا انتخابات على مستوى الكومونات (مجالس محلية)، وهم ضد الانفصال عن جسم الدولة السورية، مضيفا " نحن مع وحدة وسلامة الأراضي السورية ".
ورأى أن حي الشيخ مقصود رغم انه يحتوي على غالبية كردية، إلا أنه يعد حيا من احياء حلب، ولا يخضع لمناطق (روج افا) أي غرب سوريا، وبالتالي لا يمكن لها ان تشارك في الانتخابات المقبلة كما يجري في المناطق الخاضعة تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية.
وأشار شيخو إلى أن (الكومين) هو مؤسسة اجتماعية خدمية لحل مشكلة الشعب، مبينا انه في حي الشيخ مقصود هناك 16 كومينا ويتشكل من اهل الحي برئاسة مشتركة من رجل وامرأة.
وبين شيخو أن حركة المجتمع الديمقراطي تقوم بتأمين مادة المازوت والبنزين للمواطنين من مدينة عفرين بريف حلب الشمالي، وتم توزيع 200 ليتر مازوت لكل عائلة من اجل التدفئة في الشتاء، بسعر 250 ليرة سورية لليتر الواحد، مشيرا إلى أن الهلال الأحمر العربي السوري يقدم بين الحين والآخر مساعدات اغاثية للمواطنين.
وقال شيخو إن الاكراد ليسوا مع التدخل الخارجي في سوريا، داعيا الحكومة السورية إلى الجلوس معهم على طاولة الحوار لمناقشة كل التفاصيل.
داخل الحي، تم نشر صور "الشهداء" الأكراد الذين ماتوا دفاعا عن مناطقهم ضد هجمات (جبهة النصرة) على الجدران وداخل مراكز إنشاؤه لأسرهم، وتسمى مؤسسة (الشهيد).
وقالت اميرة محمد وهي امرأة كردية "انا فخورة جدا أن ابني كان واحدا من هؤلاء الشهداء الذين هبوا للدفاع عن شرفه وأرضه، ليس فقط لأسرته ولكن لجميع العناصر هنا"، مشيرة إلى صورة ابنها، الذي كان بين عشرات الصور الأخرى على الحائط داخل المؤسسة.
وقد أكدت هي وجميع من أجريت معهم المقابلات في الحي أنه لا يوجد فرق بين العرب والأكراد وأنهم ضد الانفصال عن الوطن الأم على عكس ما حدث في كردستان العراق حيث يحاول الأكراد الانفصال عن العراق من خلال تصويت أخير أثار انتقادات إقليمية ودولية.
وأشارت امرأة أخرى إلى عدد قليل من صور "الشهداء" الذين كانوا عربا في الحي.
وقالت "لقد قدمنا جميعا دماء، وليس هناك فرق بيننا ... لقد عشنا كل حياتنا جنبا إلى جنب مع العرب".
من جانبه، أكد رمزي بكر (56 عاما) أن الآهالي في حي الشيخ مقصود لا يوجد فرق بين مكون وآخر، مضيفا " الكل اخوة ونتعايش بسلام، ووقفنا سويا على جبهات القتال نقاتل إرهابيي جبهة النصرة وغيرها، كي ندافع عن حي الشيخ مقصود " .
وأعرب أبو محمد (63 عاما) عن سعادته بالعيش في حي الشيخ مقصود، مؤكدا أن الجميع في هذا الحي اخوة ويريدون ان يعيشوا بسلام وهدوء بعيدا عن صوت الرصاص.
وقال أبو محمد والذي يفتح مطعما في حي الشيخ مقصود " عشت أكثر من 50 عاما في هذا الحي، ولدي جيران من مختلف المكونات، وتقاسمنا معهم رغيف الخبز في السنوات الأخيرة من عمر الازمة "، مؤكدا أن " الكل دافع عن الكل ، دون تفرقة او تمييز " .
وقال طالب في إحدى مدارس الشيخ مقصود لوكالة أنباء ((شينخوا)) "انا سعيد لأنني أتعلم اللغة الكردية جنبا إلى جنب مع اللغة العربية"، كما قال في الأزمنة التي سبقت الحرب، كان الأكراد يتعلمون لغتهم في المنزل من قبل والديهم.
وحي الشيخ مقصود عامر بالسلع التي يقول الناس إنها تدخل الى الحي من مناطق أخرى في حلب من خلال الهلال الأحمر العربي السوري.
ويتنقل الناس بحرية داخل وخارج الحي يوميا، وبعضهم يتعلمون من بعضهم في الجامعة، وبعضهم يعمل في وظائف بأحياء حلب الأخرى.
يشار إلى أن الحي يقطنه حوالي 8300 عائلة، أي ما يقارب 40 الف نسمة اغلبهم عوائل كردية.
في مارس من العام 2016، أعلن الأكراد، بعد نجاحهم في صد هجمات "داعش" وتحرير مساحات واسعة من الأراضي شمالي سوريا، عن قيام نظام فدرالي في مناطق سيطرتهم التي قسموها إلى ثلاثة أقاليم، هي الجزيرة (محافظة الحسكة، شمال شرق) والفرات (شمال وسط، تضم أجزاء من محافظة حلب وأخرى من محافظة الرقة) وعفرين (شمال غرب، تقع في محافظة حلب).
وفي سبتمبر من العام الجاري، أجرى الاكراد أول انتخابات لهم على مستوى الكومونات، وهي مجالس محلية، تمهيدا للوصول إلى النظام الفيدرالي.