بروكسل/ بكين 5 مايو 2018 (شينخوا) في سبتمبر من عام 1999، نشرت هيئة الإذاعة البريطانية ((بي بي سي)) استطلاعا على الانترنت لمعرفة أعظم مفكر في الألفية. وتصدر كارل ماركس، الفيلسوف الألماني الكبير والرائد في الحركة الشيوعية الدولية، القائمة، متقدما على ألبرت آينشتاين وإسحاق نيوتن وحتى تشارلز داروين بفارق واضح.

ولد ماركس في مدينة ترير في راينلاند في 5 مايو من عام 1818، وعاش في عصر تحول جذري. في ذلك العام، كانت بريطانيا تخطط لبناء أول خط سكك حديدية في العالم، وشرعت بروسيا في تأسيس اتحاد جمركي، وواصل الفلاحون الفرنسيون الفرار من منازلهم إلى المدن بسبب الضرائب الضخمة.

في العقود التي تلت وفاته، أدخلت الحكومات البرجوازية العديد من الإصلاحات الرامية إلى تحسين مستويات معيشة العاملين، بما في ذلك قوانين العمل، وتشريع الحد الأدنى للأجور، واستحقاقات الرعاية الاجتماعية ، والتي تم تصنيفها على أنها "الاشتراكية" في أيام ماركس.

على الرغم من تعرضه للتجاهل مرارا وتكرارا في حياته، إلا أن ماركس أصبح محل تقدير بشكل أكبر وأكبر في عالم اليوم، وخاصة بعد الأزمة المالية التي حدثت في عام 2008. إذ أراد الناس تفسيرا، لذلك لجأوا إلى ماركس للحصول على إجابة -- فهو ليس خارج الموضوع ، بل هو معني تماما.

-- "اقرأ كارل ماركس مرة واحدة أخرى"

ذات مرة، قال الكاتب الألماني، هاينريتش بول، الحائز على جائزة نوبل للآداب في عام 1972، إنه بدون الحركة العمالية وبدون الاشتراكيين وبدون مفكرهم كارل ماركس، فإن أكثر من خمسة أسداس ممن يعيشون اليوم كانوا سيظلون يعيشون في حالة باهتة من نصف العبودية. قد يكون بول وجد القليل من الأتباع في الغرب، ورغم أن تزايدهم كان بطيئا لكنه مطردا منذ ذلك الحين.

في مسقط رأس ماركس، وجد ولفغانغ جيهركي، نائب رئيس كتلة حزب "دي لينك" في البرلمان الألماني "البوندستاغ " وعضو اللجنة التنفيذية لحزب "دي لينك"، أن المزيد من الناس في ألمانيا يتحدثون عن كارل ماركس بعد الأزمة المالية في عام 2008.

وقال جيهركي، لوكالة أنباء ((شينخوا)) مؤخرا، إن "كثير من الناس ذهبوا إلى المكتبة ومتجر الكتب، وقالوا من فضلكم أعطني البيان الشيوعي أو داس كابيتال ... لقد كانوا يرغبون في قراءة شيء ما عن ماركس".

وأضاف "وفي حزبنا أيضا، قال أناس رجاء اقرؤوا ماركس مرة أخرى؛ يجب علينا أن ننظر في مجتمعات ألمانيا وأوروبا".

وكان فيلم "الشاب كارل ماركس" يحظى بشعبية كبيرة في ألمانيا. وقال جيهركي إنه عندما ذهب لمشاهدة الفيلم، وجد أن السينما مزدحمة بالشباب.

في هذه الأثناء، في مانشستر، وهي مدينة بريطانية زارها ماركس كل سنة تقريبا منذ عام 1845، ازدادت الحماسة تجاه أشياء تتعلق بماركس أو فريدريك إنجلز.

وكان تنظيم الجولات حول خطى ماركس وإنجلز في مانشستر شائعة للغاية. وذكر الدليل السياحي جوناثان سكوفيلد إن الجولتين اللتين كان من المقرر إجراؤهما في يوم 5 مايو وهو ذكرى ولادة ماركس قد بيعت تذاكرهما مقدما قبل شهرين.

ولفت سكوفيلد، الذي يعمل في مجال الجولات السياحية منذ 21 عاما، إن جولاته قد استقطبت عددا متزايدا من الشباب.

وأشار إلى أن الفجوة المتزايدة اتساعا بين الأغنياء والفقراء قد أحيت كما يبدو الاهتمام العام في المثل الشيوعية. وقال لوكالة أنباء ((شينخوا)) "ربما نعتقد أحيانا أن هذه مجرد قصة قديمة، ولكن لا، إن لها صدى حقيقي، ورنين حقيقي لهذا اليوم أيضا، والشباب يقدرون ذلك".

في باريس، حيث التقى ماركس مع إنجلز لأول مرة، قال راؤول بيك، مدير "الشاب كارل ماركس"، لوكالة أنباء ((شينخوا)) إن الفكر الماركسي ما يزال أداة مثالية لفهم العالم اليوم.

وتابع "في كل يوم، هناك مقال حول ماركس. هل ماركس عفا عليه الزمن أم لا؟ إننا ندرك أن ماركس مهم طالما هناك مجتمع رأسمالي".

-- "عيد ميلاد سعيد، لقد كنت على صواب!"

بالنسبة لبيوتر غادزينوسكي، رئيس تحرير جريدة ((تريبيون)) البولندية اليومية، فإن الماركسية هي فلسفة يمكن للناس من خلالها فهم أهم القضايا الاجتماعية والاقتصادية.

وأفاد لوكالة أنباء ((شينخوا)) أنه في نفس الوقت توفر وسائل لحل هذه المشكلات .

وذكر مايكل هاينريتش، الأستاذ بجامعة العلوم التطبيقية في برلين، لوكالة أنباء ((شينخوا)) أن "كارل ماركس قدم لنا نظرية عامة عن الرأسمالية ... وما يزال هذا الهيكل العام يسري اليوم، وبالتالي مهما بدا المثال قديما، إلا أنه في الجوهر نظرية حديثة جدا".

إلى جانب ذلك، "لقد أحدث ماركس تمييزا أساسيا بين الشكل الاجتماعي والمحتوى المادي ... في أوائل القرن الـ 19ما تغير هو الزراعة ، وفي أواخر القرن الـ 19 تغير التصنيع. الآن الرقمية. كل هذه الأمور تغيرت على جانب المحتويات المادية، لكن الشكل الاجتماعي ، ليكون سلعة، يبقى دائما على حاله"، بحسب ما ذكر هاينريتش، وهو من أنصار ما يعرف باسم "القراءة الألمانية الجديدة لماركس".

وترى الفيلسوفة الكوبية الشهيرة، إيزابيل مونال، أن "الماركسية لم يتم تجاوزها" من قبل أية نظرية اجتماعية اقتصادية قائمة أخرى.

ولفتت إلى أن الماركسية ليست مكتوبة في الحجر. إنها بالأحرى عمل مستمر، "في تطور دائم مع تعديلات وإثراءات واعتماد معارف جديدة" مستقاة من دراسات وتجارب تاريخية أخيرة.

وأوضحت أن برنامج الإصلاح الحالي في كوبا هو دليل على العملية التطورية للماركسية، أي "تطور المجتمع السابق -- وليس إنكار ما قمنا به حتى الآن ، بل قفزة إنمائية".

قبل أيام من الذكرى الـ 200 لميلاد ماركس، نشرت صحيفة ((نيويورك تايمز)) قصة بعنوان "عيد ميلاد سعيد، كارل ماركس. لقد كنت على صواب". كتبها جايسون باركر، وهو أستاذ معاون بمادة الفلسفة في جامعة كيونغ هي في كوريا الجنوبية ومؤلف رواية "ماركس يعود".

وكتب باركر "ماركس ... لا يقدم صيغة واحدة تناسب الجميع من أجل تفعيل التغيير الاجتماعي . لكنه يقدم اختبارا فكريا قويا لهذا التغيير. على هذا الأساس، من المقدر لنا أن نستمر في الاستشهاد به واختبار أفكاره إلى أن يتم تحقيق أخيرا نوع المجتمع الذي كافح من أجله، والذي تتوق له حاليا أعداد متزايدة منا".

-- "الصين هي نموذج مثالي"

ذكر الرئيس الصيني شي جين بينغ يوم الجمعة أنه على الرغم من التغيرات الهائلة والعميقة التي شهدها المجتمع البشري على مدار القرنين الماضيين، إلا أن اسم كارل ماركس لا يزال يحظى بالاحترام في جميع أنحاء العالم، بينما لا تزال نظريته تضيء بنور الحقيقة الساطع.

وجاءت تصريحات شي، وهو أيضا الأمين العام للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني، خلال حفل كبير أقيم بمناسبة حلول الذكرى الـ 200 لميلاد ماركس.

يواجه العالم اليوم تحديات متعددة، بدءا من الحروب والنزاعات والفقر وتغير المناخ للتطرف والإرهاب. وتسعى البلدان في جميع أنحاء العالم إلى إيجاد حلول لهذه التحديات.

وقال غادزينوسكي إن "الصين الحديثة خير مثال على ذلك"، مضيفا "بتوجيه من الماركسية وإنجلز وأيديولوجية العديد من الماركسيين الآخرين ، لا يقوم الحزب الشيوعي الصيني بتفسير مشاكل العالم فحسب، وإنما أيضا يغيرها عن طريق بناء اشتراكية ذات خصائص صينية، بينما يقوم، في الوقت نفسه، بإثراء الفكر الماركسي من خلال التجربة الصينية وخصائصها".

وأرجع رولاند بوير، الأستاذ في كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية بجامعة نيوكاسل في أستراليا، تفوق الاشتراكية إلى التشديد على العدالة والمساواة للجميع.

وقال "أعتقد أن هذه هي الحكمة من الإصلاح والانفتاح في الصين من أجل تحقيق تلك الأهمية"، مشيدا في الوقت نفسه بالإنجازات التي حققتها الصين في مجال الحد من الفقر على مدار السنوات الـ 40 الماضية.

ولفت صن شيقو، المدير التنفيذي لكلية الماركسية في جامعية بكين، إلى أن الهدف النهائي للمناقشات حول الماركسية في الصين الحديثة هو البحث عن الأساليب النظرية والنهج العملية لتسهيل سعي الناس لتحقيق السعادة وتجديد شباب الأمة الصينية وبناء مستقبل مشترك للعالم.

وقال صن إن أحد الأسئلة الأساسية التي تحتاج إلى إجابة في الدراسة الحديثة للماركسية هو كيفية معالجة الخلل الاجتماعي في التنمية وكيفية تحويل توق الناس لحياة أفضل إلى واقع ملموس.

وأضاف "إذا استطاعت الماركسية في القرن الـ 21 تحقيق ذلك، فمن المؤكد أنه سيُعاد إحيائها بحيوية هائلة".