تقرير سنوي : العراق يودع 2019 بحكومة تصريف أعمال .. والتحديات السياسية والاقتصادية مازالت قائمة

2020-01-05 21:05:07|arabic.news.cn
Video PlayerClose

بغداد 5 يناير 2020 (شينخوا) ودع العراق عام 2019 بحكومة تصريف أعمال ومظاهرات شعبية لا تزال مستمرة في العاصمة بغداد وتسع محافظات وسط وجنوبي البلاد، فرضت نفسها بقوة على الساحة السياسية وأثبتت إنها لاعب قوي أجبر القوى السياسية على تغيير قواعد العملية السياسية التي بنيت بعد الاحتلال الامريكي للبلاد عام 2003.

ورغم أن الوضع الأمني تحسن كثيرا وهدأت جبهات القتال ضد التنظيم المتطرف" داعش" في عام 2019 ، إلا أن التحديات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية مازالت قائمة، فالحرب خلفت دمارا كبيرا في البنى التحتية ومنازل وممتلكات المدنيين، وعمليات إعادة الإعمار لا تزال خجولة أو معدومة خاصة بمدينة الموصل التي أعلنها التنظيم المتطرف عاصمة له وشهدت أعنف المعارك خلفت العديد من الأيتام والأرامل والعاطلين عن العمل.

" الوضع السياسي"

شهد الوضع السياسي العراقي خلال عام 2019 استمرار الأزمات، وخاصة قضية استكمال التشكيلة الحكومية والتي استمرت حتى شهر أكتوبر الماضي ، ويبدو أن العراق كتب عليه توالد الأزمات لأن الحلول لهذه الأزمات تأتي لتخلق أزمة جديدة بدلا من حل الأزمة الأولى ليستمر العراق في دوامة الأزمات، بحيث أجبرت الحكومة على الاستقالة بعد نحو شهر من استكمال تشكيلها بسبب التظاهرات ليدخل العراق في أزمة جديدة هي تشكيل حكومة جديدة تحظى بقبول الجميع.

وبدأت التظاهرات في العراق منذ الصيف للمطالبة بتوفير الخدمات وفرص العمل وتحسين الظروف المعيشية ومحاربة الفساد، غير أن أسلوب التعاطي مع مظاهرات حملة الشهادات العليا العاطلين عن العمل في شهر سبتمبر الماضي، خلق ردة فعل لدى الشارع العراقي عندما شاهدوا القوات الأمنية ترش الماء الساخن على النساء، ما زاد من شرارة الاحتجاجات والتي تطورت في الأول من أكتوبر الماضي إلى المطالبة بتغيير الطبقة الحاكمة، والنظام السياسي المبني على الطائفية، وفي نهاية نوفمبر من العام الماضي أجبروا الحكومة على الاستقالة.

لكن استقالة الحكومة وتشكيل حكومة جديدة أدخل البلاد في أزمة جديدة كادت تعصف برئيس الجمهورية لرفضه تكليف مرشح تحالف البناء الذي يضم أغلب القوى الشيعية، وهدد بالاستقالة بعد تعرضه لضغط هذه القوى التي تشكل الحكومة من قبلها، وضغط من المتظاهرين المطالبين بأن يكون المرشح مستقلا، بحيث دخل العراق العام الجديد بتلك الأزمة التي يتوقع إن تستمر لفترة بسبب تراكمات الماضي وانعدام الثقة بين المتظاهرين والطبقة السياسية.

وأثبت المتظاهرون بأنهم لاعب قوي ظهر على المشهد السياسي خلال عام 2019 أجبر القوى السياسية الحاكمة على تنفيذ بعض مطالبهم الأساسية، منها تغيير مفوضية الانتخابات وتشريع قانون جديد للانتخابات يضمن الترشيح الفردي والدوائر المتعددة في المحافظة الواحدة فضلا عن استقالة الحكومة، وهذه الخطوات الثلاث لم تكن الكتل السياسة تفعلها لولا الضغط الكبير للمتظاهرين الذين يدعمهم أغلبية الشعب العراقي والمرجعية الدينية الشيعية العليا.

ورغم سلمية التظاهرات إلا أنه تخللها أعمال عنف وحرق عشرات المباني والمقرات الحزبية وحرق ثلاث قنصليات إيرانية في كربلاء والنجف والبصرة، ومقتل نحو 500 متظاهر وإصابة أكثر من 27 الف آخرين وفقا للمفوضية العليا لحقوق الإنسان التابعة للبرلمان العراقي.

ويؤكد المراقبون أن تأثير الأحداث التي وقعت خلال عام 2019 فاق تأثير السنوات السابقة نتيجة فشل الحكومة العراقية بإدارة الدولة والذي ظهر جليا في حادث غرق العبارة بمدينة الموصل شمالي البلاد وأدى إلى سقوط نحو 150 قتيلا غرقى بنهر دجلة، وما تبعها من هدم دور المتجاوزين في كربلاء وعدة مدن أدت لخروج مظاهرات عارمة واشتباكات مع القوات الأمنية نتج عنها سقوط ضحايا، بالإضافة إلى إقالة الفريق عبد الوهاب الساعدي قائد قوات جهاز مكافحة الإرهاب، مهدت الطريق للخروج بتظاهرات كبيرة.

وقال المحلل السياسي ناظم الجبوري لوكالة أنباء ((شينخوا)) "إن تراكمات وأخطاء الحكومات السابقة وحكومة عادل عبد المهدي أدى إلى خروج تظاهرات كبرى في الأول من أكتوبر الماضي ومازالت مستمرة وسقط خلالها آلاف القتلى والجرحى وشل عمل الحكومة في أغلب محافظات الوسط والجنوب وبفعل هذا الضغط الكبير قدمت الحكومة استقالتها".

وأضاف " كما أدت التظاهرات إلى حل مجالس المحافظات وإلغاء المجالس المحلية في النواحي والأقضية وإقرار قانون جديد للتقاعد وكذلك إقرار قانون للانتخابات يختلف عن السابق وحل مجلس مفوضية الانتخابات كما أدت كذلك إلى اقالة واستقالة عدد من المحافظين والقيادات الأمنية".

وشهد العراق تطوير علاقاته مع دول العالم فقد زاره خلال عام 2019 كل من العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني وملك اسبانيا فيليبي السادس، وهي أول زيارة لملك أسباني للعراق منذ اربعة عقود، والرئيس الفلسطيني محمود عباس ورئيس الوزراء الإيطالي جوزيبي كونتي ورئيس الوزراء الأردني عمر الرزاز، فضلا عن وزيري الخارجية المصري سامح شكري والأردني أيمن الصفدي، ووفود رسمية من دول مختلفة، كما شهدت بغداد عقد قمة برلمانات الدول المجاورة.

لكن العراق ودع عام 2019 بأزمة سياسية وخلافات كبيرة بين الكتل التي انقسمت فيما بينها بين مؤيد ومعارض للمتظاهرين، ما أدى إلى خرق الدستور بحيث أن التوقيتات التي نص عليها الدستور تم تجاوزها، وهو مؤشر خطير بالنسبة لمستقبل العملية السياسية الحالية، التي يصر المتظاهرون على تغيير قواعدها وإجراء انتخابات مبكرة.

وفي اليوم الأخير من عام 2019 تم اقتحام المنطقة الخضراء الشديدة التحصين من قبل أنصار الحشد الشعبي الذين حاولوا إقتحام السفارة الامريكية وقاموا بحرق أجزاء من سياجها الخارجي احتجاجا على ضربة أمريكية لإحدى فصائل الحشد اسفرت عن مقتل وإصابة العشرات، الأمر الذي أدخل العراق في أزمة جديدة، نتيجة الصراع بين طهران وواشنطن التي أتهمت طهران بالوقوف وراء هذه التظاهرات ومحاولة اقتحام سفارتها.

"الجانب الأمني"

شهد الجانب الامني تطورات مهمة على صعيد أداء القوات الأمنية من خلال تفعيل الجانب الاستخباري ما أسهم في توجيه ضربات قاصمة للتنظيم المتطرف أسفرت عن مقتل العشرات من قادته واعتقال البعض الآخر منهم، أبرزهم الإرهابي" الملقب ابو خلدون" الذي يشغل منصب نائب أبوبكر البغدادي زعيم التنظيم المتطرف.

كما سجلت الأجهزة الاستخباراتية العراقية خلال عام 2019 إنجازا مهما من خلال مساهمتها في تحديد مكان زعيم التنظيم المتطرف والذي تم قتله من قبل قوات خاصة أمريكية في عملية نفذت بمحافظة إدلب السورية، وقد قدم الرئيس الامريكي دونالد ترامب شكره للعراق لمساهمته في القضاء على البغدادي.

وقالت خلية الإعلام الأمني التابعة لقيادة العمليات المشتركة العراقية في بيان "بعد متابعة مستمرة وتشكيل فريق عمل مختص وعلى مدار سنة كاملة، تمكن جهاز المخابرات الوطني العراقي وفقا لمعلومات دقيقة، من تحديد الوكر الذي يختبئ فيه رأس داعش الارهابي أبوبكر البغدادي ومن معه في محافظة إدلب السورية".

وأضافت "وعلى إثرها نفذت قوة أمريكية بالتنسيق مع جهاز المخابرات الوطني العراقي، عملية عسكرية أدت إلى إبادة الارهابي ابوبكر البغدادي ومن معه، وهذا نصر جديد يضاف إلى الانتصارات التي حققتها قواتنا الأمنية البطلة".

ومن الأمور الأمنية الهامة التي حدثت في العراق خلال عام 2019 هو ما أطلق عليه حرب القواعد، فقد تعرضت العديد من مقرات قوات الحشد الشعبي ومخازن العتاد والأسلحة لضربات جوية من قبل طائرات مجهولة أدت إلى تدمير هذه المخازن والمقرات ومقتل وإصابة العشرات من أفراد الحشد، كما تعرضت القواعد العسكرية التي تتواجد فيها قوات أمريكية للعديد من الهجمات وارتفعت وتيرتها في الأشهر الثلاثة الأخيرة التي شهدت لوحدها 11 هجوما.

وكان أعنف هجوم على القواعد العسكرية العراقية التي تتواجد فيها قوات أمريكية هو الهجوم على قاعدة ( K1 ) الواقعة في كركوك شمالي البلاد ب 30 صاروخا أسفرت عن مقتل متعاقد أمريكي، وقد اتهمت واشنطن كتائب حزب الله المنضوية تحت لواء الحشد الشعبي بالوقوف وراء هذا الهجوم.

وقبل نهاية السنة وجهت القوات الأمريكية ضربات لمواقع تابعة لحزب الله العراقي بمنطقة القائم قرب الحدود العراقية - السورية غربي العراق، أسفرت عن مقتل 25 من أفراده وإصابة 51 آخرين بجروح مختلفة والحاق أضرار كبيرة بالمباني والآليات ردا على مقتل أحد المتعاقدين الأمريكيين، متوعدة بمزيد من الهجمات في حالة تعرض قواتها للهجمات مرة أخرى.

وفي هذا الصدد قال المحلل السياسي ناظم الجبوري "هناك مخاوف من تحول العراق إلى ساحة صراع بين الولايات المتحدة وإيران، الأمر الذي سوف يساهم في تدهور الوضع الأمني في العراق ويقضي على الانجازات التي حققتها القوات العراقية خلال السنوات الماضية وخاصة في هذه السنة".

"الجانب الاقتصادي والجوانب الأخرى"

حاولت الحكومة العراقية خلال عام 2019 النهوض بالاقتصاد العراقي وأتخذت عدة خطوات أولها تشكيل مجلس أعلى لمكافحة الفساد برئاسة عبد المهدي، كون الفساد يعد أهم عقبة أمام التطور الاقتصادي، وتمكنت من إحالة العشرات من المسؤولين الفاسدين بينهم وزراء ونواب ومسؤولون كبار، حكم على بعضهم بالسجن وبعقوبات أخرى واسترجاع الأموال التي استولوا عليها.

لكن بسبب النظام السياسي القائم على الطائفية الحزبية فإن بعض الكتل السياسية التي تدافع عن المؤيدين لها حتى لو كانوا من الفاسدين، أعاق عملية محاربة الفساد وقيد الحكومة كثيرا في مواصلة برنامجها في مكافحة الفساد.

إلى ذلك عد المحلل السياسي ناظم الجبوري أهم انجاز اقتصادي كاد العراق أن يحققه في هذه السنة، الزيارة التي قام بها رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي على رأس وفد رفيع المستوى ضم 10 وزراء في شهر سبتمبر الماضي إلى الصين وتوقيع مذكرات تفاهم تساهم في إعادة البنى التحتية للعراق وتوفير فرص عمل وتحسين الأداء الاقتصادي.

من جانبه قال الخبير في الشان العراقي هاشم الشماع عضو مركز العراق للتنمية القانونية لوكالة أنباء ((شينخوا)) "تم توقيع ثماني مذكرات تفاهم إقتصادية بين الجانبين العراقي والصيني، وهذه المذكرات من شأنها أن تنهض بالبنى التحتية العراقية في مجالات مختلفة".

وأضاف "من شأن هذه المذكرات أن تحول العراق من دولة منهكة ينهشها الفساد والتفكك إلى دولة متماسكة ناهضة تتمتع بمرافق اقتصادية، وتعليمية وسياحية، وتأسس إلى انطلاق مرحلة جديدة في العلاقات العراقية الدولية".

على صعيد آخر اعتبرت موافقة الاتحاد الدولي لكرة القدم ((فيفا)) على طلب العراق بخوض تصفيات كأس العالم لمنتخبه الوطني بكرة القدم في المدينة الرياضة بمحافظة البصرة جنوبي العراق، أهم حدث رياضي في العراق تحقق خلال عام 2019 كون الحظر الكروي على الملاعب العراقي الذي استمر نحو 16 سنة تم رفعه وأصبح بإمكان الجمهور العراقي حضور مباريات منتخبه على الملاعب العراقية.

ورغم أن العراق صدر كميات كبيرة من النفط وحقق عشرات المليارات من الدولارات، إلا أنه لم يتمكن من توظيفها بشكل صحيح في عمليات إعادة إعمار المدن المدمرة بسبب سيطرة التنظيم المتطرف والحرب على الإرهاب، ولا تزال هناك آلاف المنازل مدمرة ولم تقدم تعويضات لأصحابها لبنائها وخاصة في مدينة الموصل كبرى مدن الشمال.

كما أن العراق وبسبب الانقسام السياسي والطائفي ونظام المحاصصة لم يتمكن من معالجة العديد من المشاكل الاجتماعية منها ملايين الأيتام والأرامل التي خلفتها الحرب على الإرهاب، وهذا الأمر خطير كونه يهدد مستقبل البلاد، حسب رأي الخبراء المختصين بهذا المجال.

وإن كان العراق قد ودع عام 2019 الذي وصف بعام الأزمات والانقسام السياسي فإنه يعيش في مأزق مفتوح على جميع الاحتمالات بسبب التدخلات الخارجية في شؤونه الداخلية في ظل طبقة سياسية تنظر لمصالحها الحزبية ولا تكترث لمصالح الشعب، لكن الأمل معقود بالشباب المتظاهرين الذين اثبتوا بأنهم قوة لا يستهان بها وقادرة على التغيير رغم كل العقبات الموجودة. /نهاية الخبر/

الصور

010020070790000000000000011100001386800591