تقرير سنوي: الجزائر تتلمس طريقها نحو تطبيع الأوضاع بعد أزمة سياسية حادة في 2019
(في الصورة الملتقطة يوم 11 يوليو 2019، محامون جزائريون ينظمون مسيرة في العاصمة الجزائرية، الجزائر، مطالبين بإصلاحات تضمن حرية أعمالهم وتحقيق العدالة القانونية.)
الجزائر 6 يناير 2020 (شينخوا) أنهت الجزائر عاما صاخبا لا تزال تعيش تداعياته إلى الآن، شهدت فيه أزمة سياسية حادة لم تعهدها منذ قرابة 30 عاما، جراء مسيرات شعبية مطالبة بتغيير النظام.
ودفعت الاحتجاجات الرئيس عبد العزيز بوتفليقة إلى الاستقالة بعد اصطفاف الجيش إلى جانب مطالب الشعب، لكن البلاد دخلت في مرحلة من الغموض السياسي وضعته لنحو عشرة أشهر كاملة في حالة من الشك في المستقبل.
غير أن تمكن السلطة الإنتقالية بدعم من الجيش، من إجراء انتخابات رئاسية في 12 ديسمبر الماضي فاز بها رئيس الوزراء الأسبق عبد المجيد تبون بعد فشل إجرائها مرتين متتاليتين في ظرف أربعة أشهر، فتح الباب أمام تطبيع الأوضاع.
وقال أستاذ العلوم السياسية بجامعة الجزائر الدكتور رضوان بوهيدل، إن العام 2019 كان بالنسبة للجزائر عاما لكل الأحداث والتحولات والمفاجآت، وكان محور كل هذا هو الحراك الشعبي السلمي بكل ما يحمله من زخم.
واعتبر بوهيدل، في تصريح لوكالة أنباء ((شينخوا)) أن "بقية الأحداث طيلة العشرة أشهر الأخيرة لم تكن إلا جزئيات بسيطة تدور حول مركز ثقل كل الأحداث، الحراك".
واستقال بوتفليقة في الثاني من أبريل الماضي بعد أن حكم البلاد منذ العام 1999.
(في الصورة الملتقطة يوم 2 أبريل 2019، الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة (وسط) يقدم استقالته لرئيس المجلس الدستوري طيب بلعيز(يمين)، في الجزائر العاصمة)
وجاءت استقالة بوتفليقة عقب بيان أصدره رئيس أركان الجيش الراحل الفريق أحمد قايد صالح بعد اجتماع مع كبار القادة العسكريين، دعا فيه الى التطبيق الفوري لمواد الدستور التي تحدد حالات شغور منصب الرئاسة.
ورأى بوهيدل أن الحراك الشعبي أسقط عهدة رئيس (بوتفليقة) "تشبث بالحكم لعقدين من الزمن" بعد أن أجبر الحراك السلطة على "الإصطفاف إلى جانبه، حيث تم الزج بشخصيات من الوزن الثقيل في السجون ومحاكمتها بطريقة استعراضية في صور تراجيدية لن تمحى من ذاكرة الجزائر".
وعرفت المرحلة بين مارس ويونيو 2019 توقيف الكثير من المسؤولين ورجال الأعمال بينهم شقيق الرئيس السعيد بوتفليقة الذي حكم عليه بالسجن 15 عاما وأودع السجن العسكري بتهمة التآمر على الدولة والجيش.
وشهدت الجزائر أوائل ديسمبر الماضي محاكمة تاريخية لكبار المسؤولين في عهد نظام الرئيس السابق بتهم تتعلق بالفساد المالي، في خطوة سبقت إجراء الإنتخابات الرئاسية.
وشملت المحاكمة أحد أبرز المتهمين، رئيس الوزراء السابق أحمد أويحيى الذي شكّل على مدار 20 عاما الماضية أحد أعمدة نظام بوتفليقة.
وصدر ضده حكم بالسجن 15 عاما نافذة مع حرمانه من حقوقه السياسية والمدنية، وهو حكم يصدر لأول مرة في تاريخ الجزائر في حق رجل سلطة من العيار الثقيل.
كما حكم على رئيس الوزراء الأسبق عبد الملك سلال بالسجن 12 عاما بنفس التهم، فضلا عن أحكام متفاوتة بالسجن ضد أبرز وزراء بوتفليقة، لينتهي بذلك فصل مثير من محاكمة أبرز رموز النظام السابق.
ودفع الحراك الشعبي "ببروز لافت لشخصية عسكرية، تحملت مسؤولية سياسية عسكرية بعد فشل الطبقة السياسية في إيجاد حلول للأزمة" وهو الفريق أحمد قايد صالح، الذي تمسك باحتمال وحيد للخروج من الأزمة وهو "الذهاب إلى انتخابات رئاسية وفق المسار الدستوري" بحسب بوهيدل.
لكن هذا الاتجاه "تخلله شد وجذب بين الحراك الشعبي والسلطة ، سجن خلالها نشطاء وأطلق سراح البعض الآخر، إلى أن تقرر إجراء انتخابات رئاسية مستعجلة" في 12 ديسمبر الماضي، أسفرت عن انتخاب رئيس.
ويرى أستاذ العلوم السياسية بجامعة الجزائر الدكتور عبدالحكيم بوغرارة أن الحراك الشعبي الذي تشهده الجزائر منذ 22 فبراير الماضي "أوقف زحف العهدة الخامسة للرئيس المستقيل عبدالعزيز بوتفليقة وطرد كل من له علاقة بالنظام".
واعتبر بوغرارة في تصريح لـ ((شينخوا)) أن نتائج الحراك بدأت تظهر عندما انخرطت المؤسسة العسكرية في مرافقة الحراك بعد الجمعة الثانية من المسيرات، حيث استقال الرئيس بوتفليقة في بداية إبريل 2019، وتم تعيين عبد القادر بن صالح رئيسا للدولة وفقا للمادة 102 من الدستور.
كما تم تأجيل الانتخابات الرئاسية التي كانت مقررة في 18 إبريل إلى الرابع من شهر يوليو.
وأمام غياب مترشحين فعليين للاستحقاقات تأجلت الرئاسيات إلى 12 ديسمبر 2019.
وحاولت السلطات احتواء الوضع السياسي من خلال تشكيل هيئة الحوار والوساطة التي قادها رئيس البرلمان الأسبق كريم يونس الذي كان من أشد المعارضين لبوتفليقة طيلة فترة حكمه، حيث حاور العديد من الشخصيات السياسية والأحزاب.
وانتهت الهيئة الى خطة طريق لتنظيم الإنتخابات الرئاسية التي أسفرت عن انتخاب عبدالمجيد تبون بنسبة فاقت 58 بالمائة في 12 ديسمبر الماضي، كسادس رئيس منذ إقرار التعددية العام 1989.
(في الصورة الملتقطة يوم 13 ديسمبر 2019، الرئيس الجزائري المنتخب حديثا عبد المجيد تبون يحضر مؤتمرا صحفيا في الجزائر العاصمة.)
ويعتقد بوغرارة، أن "كل الاحتمالات تبقى واردة في قضية الحراك التي عجزت محاكمات المفسدين والمتآمرين في وقف زحفه مع إصراره على المضي قدما حتى تحقيق كل مطالبه".
وتبقى السلطة تراهن للتخفيف من صعوبة الوضعيين الاجتماعي والاقتصادي من خلال حكومة جديدة بـ 39 حقيبة لتجسيد برنامج الرئيس عبد المجيد تبون واستغلال ارتفاع أسعار النفط بفعل أزمة الخليج لتجاوز الأزمة الحالية.
وتشكو الجزائر من انخفاض حاد في عائداتها النفطية التي تشكل 95 بالمائة من إجمالي مداخيل البلاد الخارجية، بحيث لم تتجاوز عتبة 35 مليار دولار في 2019، بينما كانت تقدر ما بين 60 و 70 مليار دولار قبل 2014، وهو ما زاد من متاعب البلاد المالية.
وتشكل العائدات النفطية بامتياز العجلة التي تدير اقتصاد الجزائر منذ عقود.
ووفق تقارير حكومية كشف عنها وزير المالية السابق محمد لوكال أمام البرلمان، فإن احتياطي الصرف سينخفض إلى 51.6 مليار دولار بنهاية 2020، وهو ما يمثل 12.4 شهر من الواردات من غير عوامل الانتاج الأخرى خلال 2021، بما يعني أنه في حال لم يستدرك الوضع، فإن الجزائر قد تواجه وضعا ماليا صعبا للغاية بداية من 2022.
ويواجه الرئيس الجديد وحكومته التي عمرها الافتراضي لا يتجاوز العام، بالنظر إلى أن البلاد مقبلة على انتخابات تشريعية قبل نهاية العام الجاري، وضعا مرتبطا بوجود أزمة هيكلية مزمنة يشهدها الاقتصاد الجزائري منذ عقود، بسبب ارتباطه العضوي بالصناعة النفطية.
وفشلت الحكومات المتعاقبة في تجاوز هذه الحالة، وهو ما زاد من حالة الاحتقان لدى عامة الجزائريين، واستمرار الحراك في الضغط على السلطة.
ويعتقد كاتب الدولة الجديد المكلف بالاستشراف والاحصائيات، الخبير الاقتصادي بشير مصيطفى، في تصريح أدلى به لإذاعة الجزائر الحكومية، أن الجزائر معنية حاليا بمرحلة الاقلاع الاقتصادي نظرا "لتوقف جلّ القطاعات الاقتصادية".
وبحسب مصيطفي، فإن الحكومة الجديدة ستعمل على بعث المشاريع ذات الصبغة الاقتصادية والمالية والتجارية والاجتماعية التي من شأنها تحقيق نسبة نمو بـ6 بالمائة بدلا من 1.8 بالمائة حاليا.
وفي ظل استمرار الحراك في رفع مطالبه في التغيير السياسي رغم التقدم الحاصل والتحديات الاقتصادية الكبيرة، فإن الخطأ بالنسبة للرئيس الجديد غير مسموح به خصوصا وأن سلفه الذي توفرت لديه بحبوحة مالية غير مسبوقة فشل في إحداث التغيير المطلوب.