تحقيق إخباري: "قمر الدين" صناعة تقليدية سورية تستعيد ألقها بعد سنوات من الحرب المدمرة

2021-06-24 17:54:53|arabic.news.cn
Video PlayerClose

دمشق 24 يونيو 2021 (شينخوا) بكل عزيمة وإصرار يتوجه المزارع السوري محمد بشار جاويش، الخمسيني بالعمر، إلى حقله المزروع بأشجار المشمش بريف دمشق الشرقي، ليجني ثمار المشمش التي يصنع منها حلوى "قمر الدين" التي تشتهر بصناعته سوريا، في محاولة منه لإحياء هذه الصنعة التقليدية التي توقفت لبضع سنوات بسبب الحرب التي اندلعت في سوريا منذ مارس 2011.

وحلوى "قمر الدين" صناعة تقليدية كانت وما زالت تشتهر بصناعتها سوريا وخاصة في الغوطة الشرقية بدمشق، حيث كانت أشجار المشمش الملائمة لانتاج قمر الدين تنتشر بكثرة بالإضافة للمعامل التي تنتجه، قبل نشوب الأزمة السورية، وخلال سنوات الحرب وسيطرة الفصائل المسلحة على الغوطة الشرقية احترقت غالبية الأشجار ومنها أشجار المشمش، وبعد أن استعاد الجيش السوري السيطرة على الغوطة الشرقية قام المزارعون بزراعة الأشجار من جديد في بساتينهم المتضررة بفعل الحرب.

و"قمر الدين" حلوى ذات لون برتقالي تباع على شكل شرائح مربعة اللون، أو قطع صغيرة أشبه بالسكاكر، ويكثر استخدامه خلال شهر رمضان حيث يُصنع منه أيضاً شراب "قمر الدين".

وكثرت الروايات حول تسمية حلوى "قمر الدين" بهذا الاسم فالبعض يقول إن التسمية تعود إلى اسم مخترعه واسمه "قمر الدين" وبعضها الاخر يقول إنه حين صنع "قمر الدين" للمرة الأولى تزامن موسم المشمش في ذلك العام مع رؤية القمر ببداية شهر رمضان.

وقال جاويش الذي كان ينتقل بين الآلات التي تعمل لانتاج حلوى "قمر الدين" لوكالة أنباء (شينخوا) إن "هذه الصنعة متوارثة عن الأجداد والآباء وسنقوم نحن بدورنا بنقلها إلى الأولاد والاحفاد"، مبينا أن هذه الصنعة "قديمة جدا ويعود عمرها لمئات السنين"، مضيفا إن "سوريا هي البلد الوحيد الذي يشتهر بصناعة قمر الدين وخاصة في الغوطة الشرقية".

وروى جاويش، وهو صاحب معمل لانتاج قمر الدين، مراحل تطور صناعة حلوى "قمر الدين"، موضحا أنها صناعته كانت بدائية في السابق، ومن ثم تطورت بعد أن دخلت الماكينة إلى هذه الصناعة لتصبح عملية انتاجه أسهل وبكميات أكبر، مؤكدا أن الانسان ظل يشرف على صناعتها.

وتابع الرجل الخمسيني يقول إن "هذه الصنعة بدأت تستعيد ألقها، بعد سنوات من الركود بسبب الحرب التي اندلعت في سوريا ، وسيطرت الفصائل المسلحة على الغوطة الشرقية ، وتدمير المعامل وحرق الأشجار بالغوطة الشرقية"، مؤكدا أن "إصرار الناس وعشقهم لهذه الصنعة هو الذي ساهم في إعادتها للحياة من جديد".

وتحدث جاويش بحسرة عن فترة خروجهم من مناطقهم بالغوطة الشرقية، وتركهم لأرضهم ومنازلهم ومنشأتهم، حرصا على سلامتهم وسلامة أولادهم ، والاستقرار بإحدى المناطق الأكثر أمنا في دمشق.

وقال "في العام 2013، دخل المسلحون إلى المنطقة بريف الشرقي، ما اضطرنا الامر للخروج منها، لأن الخطر أصبح يحيط بنا"، مضيفا أن "الارهابيين قاموا بحرق المزرعة ورمي قذائف الهاون على المدنيين، وحرقوا المعمل أيضا، واصبحنا من المهجرين، وبالتالي لم نتمكن من تصنيع مادة قمر الدين لمدة عامين".

وتابع يقول "وبعد ان سيطر الجيش السوري على أجزاء من الغوطة في العام 2015 عدنا إلى منطقتنا، وقمنا بزراعة ما يقارب 100 دونم ارض بأشجار المشمش عوضا عن الأشجار التي حرقها المسلحون، وقمنا ببناء منشأة جديدة، وعندما كبر الشجر عدنا لممارسة انتاج حلوى قمر الدين".

وبين جاويش أن الجو في دمشق وريفها ملائم جدا لصناعة "قمر الدين"، لانه في الليل معتدل وغير رطب، وفي النهار مشمس وحار يساعد على جفاف عجينة قمر الدين، موضحا أن حلوى "قمر الدين" مفيدة جدا لجسم الانسان وخاصة المعدة، كما انها تعمل ايضا على ترطيب الجسم، وتلين المعدة وتستخدم بكثرة أثناء شهر رمضان المبارك كمشروب قبل الإفطار لأنه يمد الجسم بالطاقة.

وتحدث جاويش عن الصعوبات التي تواجه صناعة "قمر الدين" قائلا "هناك صعوبات كثيرة جدا منها صعوبة تصدير المنتج بسبب العقوبات التي فرضت على البلاد إضافة لصعوبة تحويل الأموال من الخارج الى داخل سوريا"، مؤكدا أن "هذه الأشياء تؤثر سلبا علينا"، لافتا إلى أنه قبل نشوب الحرب كان التجار يأتون لشراء المنتج ويقومون بدفع الأموال مباشرة أو تحويلها بكل سهولة ، أما الان فالوضع اختلف لم يعد هناك سهولة بالتعامل بسبب العقوبات الغربية على سوريا.

وطالب جاويش الحكومة السورية بزيادة الاهتمام بهذه الصناعة، وأن تعطى المزيد من التسهيلات، لان هذه الصناعة، حسب قوله، تقوم بجلب العملة الأجنبية إلى سوريا كونها تصدر إلى الأسواق الخارجية، مؤكدا أن سوريا تصدر ما بين 6 الاف إلى 7 الاف طن من مادة قمر الدين ، وأن انتاجه خلال هذا الموسم تراوح ما بين 120 إلى 150 طنا.

وعن مراحل إنتاج قمر الدين، أوضح جاويش أن أولى المراحل تبدأ باستلام المشمش الناضج من الفلاحين ثم يوضع في آلة لغسله بالماء وتنقيته من الأوراق والعيدان العالقة واستبعاد الحبات التالفة ثم يتم فرز المشمش في صناديق وفق أوزان محددة يتم نقلها إلى غرفة التبخير لمدة تتجاوز 24 ساعة بعد تعقيمها بمادة "زهرة غاز ثاني أكسيد الكبريت " لتصبح الثمار جاهزة للعصير.

وتابع يقول "في المرحلة التالية توضع حبات المشمش في مساحات مخصصة لها لتقوم آلة اسمها (الشاروق) بسحب حبات المشمش إلى آلة الفرازة التي تفصل المشمش عن بذرته لتأتي بعدها مرحلة التنقية وتفرز القشرة الخارجية عن حبة المشمش ومن ثم وضعها في آلة تسمى (الخفاقة) وهنا تتم إضافة القطر الصناعي (الجليكوز) مع بعض السكر ليتم الانتقال إلى مرحلة التنعيم والتصفية من خلال آلة شبيهة بالغربال تكون ثقوبها أقل من (واحد ملم) ثم تنقل المادة لسكبها على ألواح خشبية معقمة ويتم دهنها بالزيت وبعدها تجفف تحت أشعة الشمس لعدة أيام حيث تزن كل قطعة حوالي 400 غرام ثم تلف بورق النايلون وتنقل إلى المستودعات للتبريد حيث يتم تقطيعها بأحجام مختلفة وفق طلب السوق لسد حاجة السوق المحلية وتصدير الفائض".

من جانبها، قالت حسناء وهي عاملة في ذات المعمل إن "التعامل مع مادة قمر الدين تحتاج إلى صبر واتقان في العمل، وبنفس الوقت ممتع"، مؤكدة أنها سعيدة بعودة عمل المنشآت في الغوطة الشرقية.

وتابعت حسناء تقول وهي تطوي لفات قمر الدين التي نشرت على دفوف الخشب الطويلة "شيء جميل وانت ترى هذا اللون الذهبي وهو منشور على الرفوف الخشبية وبمساحات كبيرة، كما تنعشك رائحة المشمش المطبوخ التي تملأ المكان ليصبح بعد أيام قمر الدين.

وبدوره، روى أبو عدنان (59 عاما ) ذكرياته مع صناعة " قمر الدين " التي تعود لأكثر من 30 عاما ، عندما كان شابا يعمل في منشأة لقمر الدين في الغوطة الشرقية ، قائلا " ما أجمل تلك الطقوس التي نمارسها أثناء قطف ثمار المشمش، ومن ثم صنع قمر الدين ونشره على الالواح الخشبية "، مؤكدا أن تلك الأيام كانت جميلة ، واليوم برغم من كل الصعوبات والاحداث الأليمة التي مرت على الغوطة إلا أن صناعة قمر الدين ستبقى متألقة، لان الناس تتوارث الصنعات وتنقلها من جيل إلى جيل.

من جانبه، أكد محمد فياض مدير صناعة ريف دمشق لوكالة (شينخوا) أن إنتاجية ريف دمشق من مادة قمر الدين بلغت 1350 طنا، مشيرا إلى أن هذه اقل مما كانت عليه بالسابق نظرا لتعرض ريف دمشق لأعمال إرهابية وخروج مساحات كبيرة من الأراضي من الزراعة وحرق الأشجار، إضافة لتدمير العديد من المنشآت التي تنتج قمر الدين.

يشار إلى أن سوريا تحتل المرتبة الثالثة عالميا بإنتاج المشمش بعد المغرب والجزائر، وبلغت كمية انتاج محصول المشمش في العام الماضي 36324 طنا، بحسب الاحصاءات الرسمية الصادرة عن وزارة السورية .

الصور

010020070790000000000000011100001310025706